لجأت جبهة البوليساريو، أخيراً، إلى الخطاب الديني لحثّ سكان مخيمات تندوف على النكاح من أجل التوالد والتكاثر، وذلك في توصية بثتها وكالة الأنباء الرسمية الصحراوية ترمي إلى التنبيه إلى أهمية العنصر البشري، لتحقيق التفوق العددي أمام ما سمّته "خطر الإبادة التي يقوم بها المغرب ضد الشعب الصحراوي".

واعتبر خبير مغربي مختص في قضايا الصحراء أن دعوة "البوليساريو" سكان المخيمات إلى الزواج والتكاثر دليل على ضيق الأفق السياسي لقادة الجبهة للتجاوب الحقيقي مع المطالب المتزايدة بالتغيير، كما أن البوليساريو تسعى بذلك إلى إيجاد حلول لمشكلة الهجرة المكثفة من مخيمات تندوف دون العودة إليها.

 

الدين من أجل السياسة

وسجل الدكتور عبدالفتاح الفاتحي، الخبير في قضايا الصحراء والشأن المغاربي، حضور النصوص الدينية في التوصية الأخيرة للبوليساريو التي تطالب صحراويي مخيمات تندوف بالنكاح والتكاثر، حيث ركزت التوصية على الاستدلال مثلاً بالآية القرآنية: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء، فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)، والحديث النبوي الشريف: "تناكحوا، تناسلوا فإني مفاخر بكم الأمم يوم القيامة".

ولفت الفاتحي في حديث مع "العربيةنت"، إلى أن لجوء قادة البوليساريو إلى الخطاب الديني يكاد يكون أمراً نادر الحدوث، باعتبار الخطاب الديني بحسبهم لا يتناسب مع أيديولوجياتهم اليسارية التي تقوم أساساً على مفاهيم الثورة والبندقية، وصوت المدفع لحل المشكلات، وفق تعبير المتحدث.

واعتبر الفاتحي أن تشجيع جبهة البوليساريو سكان مخيمات تندوف على النكاح من أجل التكاثر دليل قوي على ضيق الأفق السياسي لقادة الجبهة للتجاوب الواقعي مع حدة المطالب الشعبية الراغبة في التسريع بإيجاد حل سياسي يقيهم بؤس العيش في المخيمات، ودليل آخر على بداية "أسلمة" خطابها الموجه إلى الداخل حينما توسلت بالخطاب الديني، مرتدة بذلك عن خطابها اليساري الثوري.

وأضاف المحلل السياسي أن استناد البوليساريو إلى الخطاب الديني لتطبيق أحد أهم توصيات مؤتمرها الأخير جاء بعد نجاح التعبئة التي قام به شباب المخيمات ضد خطة الجبهة بفرض الزواج الإجباري على شباب وفتيات المخيمات، ما نتج عنه ارتفاع الأصوات المنددة التي اعتبرت الزواج القسري انتهاكاً لحقوق الإنسان، ومسّاً بكرامة الإنسان الصحراوي.

ووفق الفاتحي، ظلت جبهة البوليساريو تعمل على شرعنة الزواج القسري منذ الثمانينات في إطار خدمة ما تسمّيه "مشروع الجمهورية الصحراوية" الذي يرمي إلى تشجيع النكاح للتكاثر السكاني بالمخيمات، تحسباً لتطبيق مبدأ الاستفتاء بمحافظات الصحراء.

سياسة الزواج الإجباري

 

وكانت الجبهة قد فرضت سياسة النكاح الإجباري، وشملت فتيان وفتيات المخيمات، حيث أقامت السنة الماضية 1200 خيمة موزعة على كل نقاط المخيمات، منها ما يسمى بولاية العيون 190 خيمة، وولاية الداخلة 364 خيمة، وولاية أوسرد 200، ولاية السمارة 400 خيمة، والباقي موزع على بقية التجمعات المتفرقة بين ما يسمى بالولايات لتنظيم عملية الزواج الإجباري المطبق بالقوة على كل من تجاوز سنه 17 عاماً.

وقال الدكتور الفاتحي إن هذا الأمر خلّف استياءً حقوقياً على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، حيث تمكّنت المقاومة الشعبية داخل مخيمات تندوف من صد ذلك، فاقتنعت البوليساريو أن الإجبار خيار فاشل، لذلك ـ يضيف المحلل ـ توسلت بالخطاب الديني من أجل إقناع الشباب بالتكاثر، في ظل واقع مجهول المصير.

واستطرد "إن لجوء البوليساريو إلى مختلف الأساليب للزواج قد يُنظر إليه على أنه حل لمشكلة الهجرة المكثفة من مخيمات تندوف دون العودة إليها، ومنها حالات العائدين إلى الأقاليم الصحراوية دعماً لمقترح الحكم الذاتي الموسع أو الهجرة النهائية إلى الخارج.

وأوضح الخبير المغربي أن تراجع وتواصل تناقص أعداد سكان مخيمات تندوف يُفقد مصداقية البوليساريو ويقوّض شرعيتها في التفاوض باسم الصحراويين، ولذلك تلجأ إلى كل الوسائل من أجل الإبقاء على زخم أعداد سكان المخيمات كورقة تفاوضية أساسية، حيث ظلت على الدوام تساوم بسكان المخيمات من أجل الشرعية وطلب المساعدات الغذائية.

وعي الشباب الصحراوي

وأكد عبدالفتاح الفاتحي أن وعي شباب مخيمات تندوف تفتق على أن لا تكون أولوياتهم النكاح والتكاثر في ظل مستقبل مجهول، وبالتالي عدم ترجمة المنطق العددي حسب شيوخ قيادة البوليساريو، وإنما التفكير في سُبل الاستقرار الاجتماعي الطبيعي للتفكير بالعودة إلى الوطن.

واسترسل بالقول: "هذه الطموحات المنطقية للشباب الصحراوي في مخيمات اللجوء هي التي تجعل منهم عاقين لقيادة البوليساريو، التي لا تنظر لهم إلا كرقم عددي تقوي به مطالبها بالزيادة من حجم المساعدات الغذائية، وربما لتصحيح نفخها في أعداد سكان المخيمات بعد أن غادرها الكثيرون نحو العواصم الغربية من دون العودة، لاسيما بعد توالي الضغوط عليها للقبول بإعادة إحصاء سكان المخيمات.

وفي هذا السياق، يكمل الفاتحي، تستمر سياسة التكاثر عند جبهة البوليساريو من دون التفكير في ضمان الشروط الإنسانية الطبيعية، ما يكشف عن فشل مشروعها السياسي، وارتفاعات حالات رفض مظاهر هذا المشروع، ومنه سياسة الزواج القسري.

وخلص الخبير إلى أنه من الطبيعي أن تتخلى جبهة البوليساريو عن أيديولوجيتها اليسارية، لارتفاع درجة وحدة تأثير المعارضة الشعبية بعد الربيع العربي، ولذلك تنبهت اليوم إلى ضرورة تعديل خطابها للإبقاء على صمام أمان نبض الشارع في مخيمات تندوف.

 

 

 

  الدكتور عبد الفتاح الفاتحي