"لقد صبر الشعب السوري طويلاً على المجتمع الدولي" هذا ما اراد قوله الاخضر الابراهيمي، وهو يعبر عن تململه بسبب بقاء الطرفين السوريين المتفاوضين في جنيف متخندقين وراء مواقف تنتمي إلى حقبة تجاوزتها الوقائع والمتغيرات على الارض السورية، كما في طريقة تعاطي المجتمع الدولي مع الحرب السورية.

يومها كان كل طرف منهما يفكر في أن الحل العسكري سيكون كفيلاً بالقضاء على الطرف الآخر وإزاحته من الطريق. وبالرغم من مرور ثلاث سنوات كارثية ذاق فيها الشعب السوري كل أصناف القتل والهوان والجوع والفاقة والعوز فان الطرفين لا يزالان متمسكين بحلميهما اللذين صارا بالنسبة للمجتمع الدولي نوعا من المرويات التي تذكر بعذابات الشعوب.

لا يزال النظام يحلم في أن يمحو المعارضة التي لا تزال بدورها تحلم في اسقاط الظام والقفز إلى السلطة. ما بين الاثنين هناك شعب وقع في الارض الحرام، كل طرف يسعى إلى استمالته من خلال تخويفه من الطرف الآخر. فليس كل مَن قُدر له ان يُقيم في المناطق التي استولت عليها المعارضة معاد للنظام، وفي المقابل هناك مناهضون للنظام في المناطق التي لا يزال تخضع لسلطته.

واذا ما استثنينا المحاربين الذين تجمع بينهم فكرة الحرب وتفرق بينهم أهدافها، فان الشعب الذي مزقته الحرب لا يفكر إلا بهدف واحد: لحظة الخلاص. وهو هدف قد لا يروق للطرفين المتقاتلين في سوريا ــ المتحاورين في جنيف، غير أن أحداً منهما لا يجرؤ على الاعتراف بأن طريقتهما في ادارة الازمة قد جعلت أبناء الشعب السوري حطباً لحرب تتم ادارتها من قبل قوى دولية، تستعين علناً بقوى إقليمية.

وإذا ما كانت المعارضة تزعم بأن الشعب السوري يدفع ثمن حريته التي خرج إلى الشوارع من أجلها فان النظام يتبجح بأن ذلك الشعب انما يدفع ثمن الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها على أراضيها.

العذران يبدوان اليوم بالنسبة للإنسان السوري بعيدي المنال. فالحرية التي صارت نقيضاً للسيادة الوطنية لن تكون في متناول القتلى ولا المشردين ولا المحاصرين ولا الذين محيت بيوتهم، أما السيادة الوطنية فانها بعد أن تحولت إلى شعار أفرغ من معناه، لم تعد إلا ذكرى، بعد أن صارت سوريا مستقرا لجماعات مسلحة قادمة من مختلف انحاء الارض، يقاتل بعضها البعض الآخر، برعاية النظام والمعارضة على حد سواء.

سوريا اليوم أشبه بمركب، قفزت إلى سطحه مجموعات من القراصنة، ليقاتل بعضها البعض الآخر من أجل السيطرة عليه، بعد أن حولوا المسافرين إلى رهائن. لكل فريق رهانئه. وما جرى في حمص بعد وقف اطلاق النار والسماح للمحاصرين بالخروج انما يؤكد أن الفضاء قد ضاق بالسوريين وأن صبرهم قد نفد، وأن الرهائن صاروا يقفزون إلى البحر، هربا من الجحيم.

وإذا ما كان الطرفان قد عبرا عن خيبة أملهما بسبب فشل مفاوضات جنيف الآخيرة، فإنهما لم ينظرا بعين التقدير إلى ما يمكن أن يلحقه ذلك الفشل بالشعب السوري من أضرار نفسية.

كان عليهما أن يضعا درس حمص أمام أنظارهما.

لقد هلك الشعب السوري، غير أنه لا يزال أكثر منا تمسكاً بالأمل. لا يزال مخلصا إلى صورة الحياة باعتبارها عنوانا لوجوده الايجابي الخلاق. لا تزال فيه بقية من التفاؤل، هي ما كان يجب أن تشكل دافعا لأبنائه المتخاصمين من أجله لكي يدفعوا عنه الموت. لا يزال درس الحياة في سوريا أكثر بلاغة من درس الموت.

اما أن يدعي كل طرف تمثيل تطلعات ذلك الشعب، فهي صفحة ينبغي أن تُطوى.

لقد اختلف الطرفان على الحكم. وتلك كانت فضيحة جنيف. فمن يدعي تمثيل الشعب السوري عليه أولا أن يتعلم شيئا من صبر ذلك الشعب. عليه أن يقف مع الشعب الذي نفدت حبات ساعته الرملية منذ زمن طويل ضد العالم الذي يملك كل الوقت لكي يلهو ممثلوه في الفنادق، متخيلين خنادق مليئة بالمقاتلين والأسلحة اما أن نكون صيحة الشعب السوري لم تصل بعد واما أن سياسييه قد أصيبوا بالصمم.

 

فاروق يوسف