عاش المشهد السياسي المغربي أخيرا على وقع "موضة" جديدة كان بطلاها وزير وبرلماني، هما محمد الوفا وزير الشؤون العامة والحكامة، وعبد الله البقالي، النائب عن حزب الاستقلال، حيث انبريا معا إلى الإعلان أمام الملأ وفي المنابر الإعلامية عن ممتلكاتهما الخاصة من عقارات ومداخيل.

هذا "التهافت" على التصريح بالممتلكات الشخصية من طرف فاعلين حكوميين أو برلمانيين يطرح السؤال بحدة عن خلفيات ودلالات مثل هذا السلوك الذي يمكن اعتباره ديمقراطيا لو تم في سياقه القانوني الذي يتمثل في التصريح بممتلكاتهم للجهات القضائية المختصة، وليس على رؤوس الأشهاد في وسائل الإعلام.

وكان الوزير الوفا قد نشر ما قال إنها ممتلكاته التي لديه منذ كان طالبا، مرورا بعمله مديرا لشركة الرسالة التي تصدر جريدة العلم إلى أن أصبح وزيرا، وذلك استجابة لطلب البقالي الذي تحداه بأن يقوم بالتصريح بممتلكاته، مما حذا بهذا الأخير أيضا إلى جرد ممتلكاته من عقارات ورواتب".

سياقات التصريح بالممتلكات

الدكتور أحمد مفيد، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، يرى في البدء أن التصريح بالممتلكات يعد في الدول الديمقراطية ممارسة عادية، يكون الهدف منه هو وضع جميع المسؤولين العموميين تحت المراقبة، حتى لا يستغلوا مواقعهم في مراكمة الثروات بشكل غير مشروع".

واعتبر مفيد أن التصريح بالممتلكات هو أحد شروط الحكامة الجيدة التي يجب أن يعمل بها كل من يملك السلطة، أو يتخذ القرار على مختلف المستويات الوطنية والجهوية والمحلية ليس فقط في القطاع العمومي، وإنما يهم ذلك كافة التنظيمات الاجتماعية التشاركية من أحزاب سياسية ومنظمات نقابية..".

وبالنسبة للمغرب، يضيف مفيد، فالتصريح بالممتلكات يعتبر ممارسة جديدة مازالت تعتري تطبيقها بشكل صحيح العديد من الصعوبات، منها ما يتعلق بالنصوص القانونية، ومنها ما يتعلق بالمصرحين الذين قد يلتجئون لاستعمال عدة طرق لتفادي التصريح الكامل بممتلكاتهم الحقيقية".

وينص دستور 2011 ، في الفصل158 من الباب الثاني عشر، المتعلق بالحكامة الجيدة، على أنه "يجب على كل شخص منتخبا كان أو معينا، يمارس مسؤولية عمومية، أن يقدم طبقا للكيفيات المحددة في القانون، تصريحا كتابيا بالممتلكات والأصول التي في حيازته، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بمجرد تسلمه لمهامه وخلال ممارستها وعند انتهائها".

ونصت الفقرة الأخيرة من الفصل 147 من الدستور في الباب المتعلق بالمجلس الأعلى للحسابات، على أن "تناط بالمجلس الأعلى للحسابات مهمة مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات، وتدقيق حسابات الأحزاب السياسية، وفحص النفقات المتعلقة بالعمليات الانتخابية"، كما صدر قبل دستور 2011، قانون خاص يتعلق بالتصريح الإجباري بالممتلكات.

أحمد مفيد: ممارسة شعبوية للسياسة

وذهب مفيد إلى أنه "رغم كل هذه النصوص الدستورية فواقع الحال بالمغرب يوضح بما لا يدع مجالا للشك بأن التصريح بالممتلكات، لا يتم بشكل صحيح من قبل العديد من المسؤولين العموميين، حيث قد يتم تقديم تصريحات غير صادقة".

وتابع بأن المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات لا تتوفر على الموارد البشرية الكافية لدراسة التصريحات المقدمة إليها والتأكد من صحتها، كما تعاني هذه الأجهزة أيضا من ضعف الموارد والأدوات التقنية واللوجستيكية التي من شأنها تمكينها من القيام بفحص صحة التصريحات التي تتلقاها".

ولفت الأستاذ الجامعي إلى أنه أمام هذا الواقع، فإن العديد من المسؤولين، عوض التصريح بممتلكاتهم للجهات القضائية المختصة، يقومون بالتصريح أمام الملأ وفي جميع الأماكن"، موضحا أن "هذه الممارسة لا تمت للمساطر القانونية المعمول بها بأية صلة، وبالتالي فالتصريح لوسائل الإعلام أو في التجمعات العمومية أو في اجتماعات المجالس واللجان يعتبر نوعا من المزايدة السياسية، والممارسة الشعبوية للسياسة".

وشدد مفيد على أن "الأولى والأحرى بالمسؤولين العموميين بما فيهم الوزراء والبرلمانيون، هو أن يلتجئوا للجهات المختصة، وكل تشكيك في مشروعية ما يمتلكه بعض المسؤولين، ينبغي أن يرفع عن طريق المساطر المعمول بها للجهات القضائية المعنية قصد اتخاذ التدابير التي يقضي بها القانون في هذا الشأن".

واسترسل المحلل ذاته بأن "ما تشهده الممارسة السياسية بالمغرب حاليا، من اتهامات متبادلة بالإثراء غير المشروع، وبالتصريح بالممتلكات في الاجتماعات العمومية، يندرج في خانة تصفية الحسابات السياسية بين بعض الأشخاص أو بين بعض الأحزاب".

وفي جميع الحالات، يضيف مفيد، فإنه "لا دخان بدون نار" كما يقال، ولهذا يتوجب أن يتم فتح تحقيق في هذه الاتهامات، وترتيب المسؤوليات عن ذلك، تفعيلا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة كما هو منصوص عليه في الوثيقة الدستورية" يؤكد أستاذ القانون الدستوري.

العلام: مصلحة سياسية أنانية

ومن جهته أكد عبد الرحيم العلام، باحث في العلوم السياسية، إلى أنه "من شأن الجلبة التي أثارتها قضية التصريح بالممتلكات في المغرب بين بعض الأقطاب الحزبية، أن تعيد الفاعلين السياسيين والمدافعين عن تخليق الحياة العامة، إلى مناقشة هذه المسألة من مختلف الزوايا، بغية نقل النقاش من ساحة ما يمكن وصفه بـ "البوليميك السياسي" إلى مستوى القاعدة القانونية التي من سماتها العمومية والتجرّد".

وأفاد العلام أنه "من المعروف أن الديمقراطيات الحديثة تجعل من تحديد ممتلكات مسيّري شأنها العام من أولويات خُططها السياسية والاجتماعية، كما أن القانون المغربي يُلزم المسؤولين بالتصريح بممتلكاتهم"، مبرزا أن "ما أثير مؤخرا حول قضية الممتلكات التي أثيرت بين الوزير الوفا والبرلماني البقالي، في ظروف كهذه، لا يعدو أن يكون مجرد خلاف سياسي بين أشخاص جمع بينهم الانتماء لمؤسسة حزبية واحدة".

واسترسل الباحث، بأنه "لو كان البرلماني المُطالب بالتصريح بالممتلكات جادّا في مسعاه لكان طالب الوزير المعني بذلك عندما كان عضوا معه في ذات الحزب قبل أن يغادره لظروف أضحت معروفة".

أما أن تأتي هذه المُطالبة في هذا التوقيت بين عضو في حزب سياسي ووزير انتمى سابقا لذات الحزب، يُكمل العلام، فإن ذلك يُفهم منه أن المطالب بالتصريح بالممتلكات هي من باب المصلحة السياسية الأنانية، وليست من باب الرغبة في تكريس المبدأ الديمقراطي الذي أضحى مطلبا شعبيا".

وخلص العلام إلى أن "هذا النقاش الدائر اليوم حول الموضوع يُعيدنا إلى طرح، ليس فقط قضية التصريح بالممتلكات، بل أيضا بسط موضوع مكافحة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتخليق الحياة العامة، وتكريس الحكامة الجيّدة، وتفعيل مراقبة المحاكم المالية وعدم التساهل في هذا المجال مع أي مسؤول، ونقل هذا الأمر إلى خانة القواعد القانونية العامة والمجردة، أما في غياب ذلك فإن المطالبة بالتصريح بالممتلكات ستظل داخل دائرة "الكيدية السياسية"، وتدور مع المصلحة الحزبية الضيقة".