انعكست الظرفية الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها جل دول العالم على البلدان السائرة في طريق النمو ومن بينها المغرب، الذي لم يجد بداً من طرق كل الأبواب الممكنة من أجل الاقتراض والاستدانة لملء خزينته المستنزفة، ووقف نزيف المالية العمومية.

طَرَق المغرب لهذه الأسباب وغيرها، أبواب دول مختلفة ومؤسسات مالية كثيرة، ليحصل بذلك على تمويلات مختلفة الشكل والحجم، أدخلته في دوامة مديونية مرتفعة. فما مآل الاقتصاد المغربي في ظل الارتفاع المستمر لمديونيته واعتماده المتمادي على القروض؟

قروض متهاطلة

أشارت معطيات كشفت عنها الخزينة العامة للمملكة حول تنفيذ ميزانية 2014، أن جاري المديونية الداخلية ارتفع إلى حوالي 416.8 مليار درهم بداية 2014، محققاً بذلك نمواً بلغت نسبته 0.6 في المائة مقارنة مع الفترة ذاتها من سنة 2013، والذي قدرت قيمته بحوالي 414.4 مليار درهم.

وكان من بين آخر القروض المحصلة من طرف الحكومة التي يقودها بنكيران، قرض أقره البنك الدولي في الـ30 من أبريل الماضي، حيث منح المغرب قرضاً بقيمة 300 مليون دولار. يهدف بالأساس إلى تشجيع النمو الأخضر ودعم تطبيق نموذج للتنمية أكثر استدامة واندماجاً، حسب ما أكده بلاغ للبنك الدولي آنذاك، كما قال مسؤولو البنك إن القرض هو الأول من مجموع قرضين، اتفق حولهما مع المغرب.

التصريح الأخير لمسؤولي البنك الدولي تأكد خلال انعقاد مجلس إدارته في العاصمة الرباط، حيث تم توقيع الاتفاقية التي تنص على إقراض المملكة 4 مليار دولار ما بين سنة 2014 و2017، بمعدل مليار دولار سنويا، لتمويل مجموعة من المشاريع.

قبل هذين القرضين، كانت الحكومة المغربية قد وقعت على اتفاق قرض بقيمة 150 مليون أورو من البنك الأوروبي، للاستثمار من أجل تطوير البنية التحتية للطرق في المغرب. وذكر بيان لوزارة الاقتصاد والمالية المغربية وقتها، أن القرض بين البنك الأوروبي للاستثمار وصندوق التمويل الطرقي التابع لوزارة التجهيز والنقل المغربية، سيمكّن من تطوير وتحسين الطرقات.

كل سنة ... مديونية أكثر

حسب تقارير وزارة المالية، فقد قفزت مديونية الخزينة من 326 مليار درهم سنة 2008 أي ما يعادل 47 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، إلى 529 مليار سنة 2013 أي ما حجمه 62.5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام.

وفي هذا الصدد يرى امحمد كريم الخبير الدولي في الاقتصاد والمالية، أن السياسة الحكومية المرتكزة على تمويل نفقات الاستهلاك وفوائد الدين المتصاعدة بالديون، عمق عجز الميزانية سنة 2012، حيث ناهز 7.3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، و 5.4 بالمائة سنة 2013.

وفي نظر الخبير الاقتصادي، يظل السبب الأساسي في تفاقم المديونية متعلقاً بالخلل الحاصل بهيكلة الميزانية، حيث أن المغرب يقترض من أجل تمويل جزء كبير من الاستهلاك العمومي وليس فقط من أجل التجهيز والاستثمار. وهذه الظاهرة حسب امحمد كريم مازالت قائمة في ميزانية 2014 أيضا، حيث أن ميزانية التسيير تفوق المداخيل العادية بحوالي 6 مليار درهم، ممّا يعني أن الخزينة ستقترض 6 ملايير درهم لتغطية نفقات الاستهلاك.

الاستدانة كخيار وحيد لسد عجز الميزانية

أظهرت إحصاءات وزارة الاقتصاد والمالية أن حجم ديون الخزينة خلال السنتين الأخيرتين تجاوز سقف 60 في المئة من الناتج الإجمالي، بسبب عجز الموازنة وحاجة الاقتصاد إلى مزيد من التمويلات لتسريع وتيرة التنمية. يأتي هذا رغم تأكيد رئيس الحكومة سابقاً خلال جلسة شهرية بالبرلمان، في إطار الرد على سؤال حول سياسة المديونية، أن "الحكومة حريصة على تخصيص موارد الاستدانة لتمويل الاستثمار في البنيات التحتية والأوراش الإصلاحية، وليس في تغطية نفقات الاستهلاك، على ألا تتجاوز نسبة المديونية من الناتج الداخلي الخام سقفاً معينا".

وفي هذا الصدد يرى امحمد كريم أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن انفجار الدين العمومي سينطوي على مخاطر كثيرة لعل أهمها ما يتجلى في خطر تدهور التنقيط السيادي للمغرب وفقدانه لقراره الاقتصادي السيادي. كما تتهدد المملكة حسب تحليل المتحدث، مخاطر التضخم وآثاره الانكماشية على الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى مخاطر فقدان الخزينة لسيولتها وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها.

ولهذا يظن الخبير الاقتصادي أن السياسة الموازناتية المتبعة من طرف الحكومة في حلتها الحالية ليست مستدامة، وأن الفضاء الموازناتي الذي خلقته في ظرف سنتين، لا يمكن الاستمرار فيه، إذ ليس بإمكانه أن يعطي ديناميكية للنمو الاقتصادي.

قروض سنتين تجاوزت قروض 10 سنوات

في الوقت الذي توقف فيه حجم تحملات الديون العمومية الخارجية المغربية عند 17 مليون درهم في عهد حكومة عباس الفاسي نهاية سنة 2011، ارتفع هذا الأخير في عهد حكومة بنكيران بنسبة كبيرة، على الرغم من أن العديد من خطابات وزراء الحكومة راهنت سابقا على انخفاضه، معتمدة في رهاناتها على الحكامة والترشيد من جهة، وعلى انفراج الأزمة المالية والاقتصادية لدى شركاء المغرب من جهة أخرى.

وقد اعتبرت المعارضة بمجلس المستشارين أثناء مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2014 بلجنة المالية، أن الوتيرة التي ترتفع بها المديونية بالمغرب تعد قياسية ومنقطعة النظير. ذلك أن الحكومة اقترضت في ظرف سنتين (2011 و2012) مجموع ما اقترضته الحكومات السابقة في ظرف 10 سنوات.

الرأي نفسه يتشاطره امحمد كريم، إذ أنه يرى أن الوثيرة التي ترتفع بها المديونية العمومية حاليا قياسية في تاريخ المغرب، وما يؤكده هو ما توصلت له المعارضة، بكون الحكومة الحالية اقترضت في ظرف سنتي 2012 و2013 ما اقترضته الحكومات السابقة في ظرف 10 سنوات، حيث أن حجم الدين العمومي ارتفع في سنتي 2012 و2013 بما يناهز 103 مليار درهم، مقابل ارتفاع يقدر ب106 مليار درهم على امتداد العشر سنوات السابقة.

ويرى امحمد كريم أن المغرب يعرف حالياً غياب الرؤية ويفتقد إلى تصور واضح بشأن الأولويات والدعائم التي يجب أن يرتكز عليها عمل الحكومة لتحقيق التنمية، وما يزيد من قتامة الوضع، هو جو الانتظارية الذي يرهن مختلف الأوراش الإصلاحية وما يوازيه من تنامٍ منقطع النظير لمستويات المديونية.

وقد حاولنا أثناء الإعداد لهذا التقرير، الاتصال أكثر من مرة بمجموعة من قياديي حزب العدالة والتنمية من أجل إبداء وجهة نظر الحزب المتزعم للحكومة، خاصة بسعيد خيرون، رئيس لجنة المالية بمجلس النواب، والنائب البرلماني عن حزب المصباح، إلا أنه لم يف بمجموعة من المواعيد التي حددها معنا طيلة أسبوع كامل، رغم تأكيده التوصل بأسئلة التقرير التي بعثناها إليه.

أقصبي: المديونية تصاعدت في فترة بنكيران

بدأت المديونية التي ترهق كاهل المغرب حسب المحلل الاقتصادي نجيب أقصبي منذ بدايات الحكومات المتعاقبة بالمغرب، لكن هذه المشكلة ذات الجذور التاريخية عرفت تصاعدا قويا في فترة الحكومة الحالية، وهو ما تبرزه ميزانية الدولة في قانون المالية، حسب المتحدث.

ويضيف الأستاذ بمعهد الحسن الثاني للزراعة و البيطرة، في تصريحات لهسبريس، أن الدولة اليوم ملزمة بالاقتراض من الخارج، لأنها لم تعد بحاجة لرؤوس أموال فقط، بل لأنها في حاجة للعملة الصعبة أيضاً. فمشكل ميزانية الأداءات حسب تحليل أقصبي، في تفاقم منذ سنوات أيضا، وله وقع مباشر على رصيد العملة الذي انحدر من احتياط 10 أشهر إلى 4 أشهر، ممّا جعل الدولة الآن تحاول أن تصيب هدفين بحجر. إذ أنها "اختارت المديونية كطريقة وحيدة لتواجه العجزين التوأمين، عجز ميزانية الدولة وعجز ميزانية الأداءات".

وفي ظل انعدام أي إصلاح، يرى نجيب أقصبي أن الدولة ستبقى رهينة هذه القروض، بما أنها لم تطبق الإصلاحات الضريبية التي وعدت بها، خاصة تلك التي تمس صندوق المقاصة الذي يستنزف 20 بالمئة، وصناديق التقاعد ومنظومة الأجور التي تكلفها 50 بالمئة و تستنزف ميزانيتها. ممّا جعله يؤكد أن "عدم القيام بهذه الإصلاحات هو من يجعل المديونية حتمية بالنظر لاختيارت الحكومة".

وفيما يخص مشكل عجز الميزانية القائم، فيرى نجيب أقصبي أنه لحله لابد من إصلاحات تمس النسيج الاقتصادي واتفاقيات التبادل الحر، حيث يجب إعادة النظر جذريا فيها. فهذه الأخيرة حسب أقصبي كانت "كارثة حقيقية"، ذلك أنها لم تكن مدروسة، والتفاوض حولها لم يكن بصفة معقولة بل فُرض على المغرب. بالإضافة إلى ذلك يشير أقصبي أن مفاوضي المملكة لم يدرسوا الملفات المتعلقة بها، بالإضافة إلى كون ميزان القوى لم يكن لصالح المغرب. وبالتالي "لا يمكن للمغرب تقبل تراكم العجز الناتج عنها" يضيف أقصبي.

وكما يؤكد المحلل الاقتصادي، أن المشكل يكمن في "أننا وقعنا الاتفاقيات بدون أن نقوم مسبقا بالإصلاحات الضرورية للاقتصاد والهياكل التجارية، حتى يكون لدينا قدرة تجارية و عرض صادرات متنوع ومقبول". يضيف المحلل "المشكل أنهم كانوا يفتحون أسواقهم و لا نجد نحن ما نصدره، أما هم فقد استغلوا أسواقنا جيداً".