يتوهم نوري المالكي أن حربه مع خصومه السياسيين الذين هم شركاؤه في ما يسمى بالعملية السياسية هي مصدر كل الشرور التي تحيق بالعراق، باستقلاله، بوحدة أراضيه، بمستقبل ومصير شعبه. وهو حين يتحدث عن الخيانة والمؤامرة حين يتعلق الامر بهزيمة جيشه الأخيرة فانما يقصد الاشارة إلى أولئك الشركاء، ملقيا عليهم تبعة ما جرى ويجري في العراق من كوارث، يعتقد أن ليس له يد فيها.

يتوهم الرجل الذي جيء به بالصدفة إلى كرسي الحكم أن ما يسميه بالعملية السياسية القائمة على نظام المحاصصة الطائفية هي حجر مقدس لا يُمس. وأن بقاءه في السلطة ليس رهينا بأدائه الحكومي، بل هو أمر ثابت، كما لو أنه جزء من اللوح المحفوظ، فلا يتأثر بأي شيء يقع خارجه. ودليله على ذلك أن ثماني سنوات كانت عبارة عن ركام هائل من الاخفاقات أنهاها وهو لا يزال في منصبه يتطلع إلى البقاء فيه وليذهب العراقيون إلى الجحيم.

الرجل الذي لم تسلم أوهامه من نزعته الطائفية كان ولا يزال مصرا على أن يتوهم أن كل أتباع المذهب السني هم بعثيون حتى وإن لم ينتموا، وهم لذلك أعداؤه وأعداء عراقه. في المقابل فأنه يتوهم أن كل أتباع المذهب الشيعي، وبالأخص من أظهر منهم ولاءه لحزب الدعوة بطريقة تهريجية هم مخلصون لعراقه ويستحقون أن يكونوا مواطنين من الدرجة الأولى، حتى وأن كان تاريخهم الشخصي ملوثا بعار اضطهاد واذلال وقهر العراقيين. بغض النظر عن درجته الحزبية في حزب البعث فان الشيعي لن يكون عرضة للاجتثاث أو المساءلة.

وبعد ما شهده العراقيون من مهازل جيشهم فان المالكي خرج عليهم بوهم سوره الاسمنتي الذي سيحيط به بغداد، وهو يعتقد أن ذلك السور سيحول دون سقوط عاصمة الرشيد في أيدي الغزاة (السنة)، حسب منطقه، غافلا عن حقيقة عجزه التي يفضحها اجراء يتوهم أنه احترازيا، في الوقت الذي قد يكون فيه ذلك الاجراء بمثابة حبل المشنقة الذي هيأه المالكي بنفسه ليكون شاهد نهايته.

سيعزل المالكي بغداد عن مدن العراق بحشود من السيطرات التي سيستعير أفرادها من الميليشيات الطائفية التي صار يطلق عليها تسمية الجيش الرديف. وهي تسمية يراد منها التغطية على عصائب أهل الحق وفيلق بدر وجيش المهدي، ناهيك عن فيلق القدس الايراني.

وفي اطار أوهامه الاحترازية فان المالكي يتوهم أن اعتقال أكبر عدد ممكن من شباب المناطق ذات الغالبية السنية في بغداد سيمكنه من النوم هانئا على وسادة فزعه الطائفي. شيء منه يذكر بأوهام كل مَن سبقوه من الحكام المستبدين. وهو إذ يتحدث عن انهاء الطائفية السياسية فانه يقصد أن يتخلى الآخرون عن حقوقهم مقابل أن ينفرد هو بحقه المقدس في أن يكون ممثلا للفرقة الناجية.

كان المالكي طوال سنوات حكمه راعيا لفساد لم يسبق أن شهده العراق في تاريخه، بل أن ذلك الفساد لم يمر في العصر الحديث بدولة من قبل. لقد قتل من العراقيين في حقبته ما لم يقتل منهم في الحرب العراقية ــ الايرانية التي دامت ثمان سنوات، هي الزمن نفسه الذي قضاه المالكي في الحكم.

ما هذه الصدفة التاريخية المحكمة في موعظتها؟

ليس المالكي استثناء في أوهامه. كل الطغاة قد توهموا بلادا تشبههم. بلادا تكون في حجم تطلعاتهم المريضة. ولان المالكي كان مستبدا صغيرا، مستندا في وجوده على حماية خارجية يتطلع إليها في كل لحظة، فان بلاده التي كان يتطلع عليها كانت أصغر من العراق بكثير. قد تكفي طوريج وهي بلدة صغيرة تابعة لمحافظة بابل فضاء لخياله المريض، وهو ما لن يحصل عليه أبدا.

 

 

فاروق يوسف