يبدو الأمر غريبا ، لكن منطق الأحداث يؤكد وجود علاقة وطيدة بين فكرة إنشاء دويلة إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط وبين فكرة إنشاء دويلة الصحراء الغربية في المنطقة المغاربية .

أولا : فكرة  تجميع الصحراويين في وطن تشبه فكرة تجميع اليهود في وطن :

كما هو معلوم كان اليهود متفرقين في جميع أنحاء العالم ولم يكن لهم وطن قار ، لكن لتجميع أقوام كان لابد لهم من عقيدة تجمعهم فكان مؤتمر بال الذي قرر فيه اليهود اختيار وطن لهم يكون إما في الأرجنتين أو أوغندا أو فلسطين ،  فنشأت عقيدة الصهيونية لتكون دافعا قويا توحد اليهود وينتقلوا من شعب الله المختار في الشتات إلى شعب له وطن قار ، ثم جاء وعد بلفور في عام 1917  الذي تقرر فيه أن تكون فلسطين هي الدولة التي سيجتمع فيها يهود العالم وباختيار فلسطين هذا ضربوا عصفورين بحجر : إنشاء دويلة وتدنيس المقدسات الإسلامية . وكانت دويلة إسرائيل جسما غريبا في منطقة الشرق الأوسط لا يزال الشعب الفلسطيني يعاني من شرورها إلى الآن .

 تأسست جبهة البوليساريو في ماي 1973 في مؤتمر الزويرات بموريتانيا وبمباركة القذافي والجنرال فرانكو والجزائر وكلها أنظمة فاشستية من أجل إنشاء دويلة في المنطقة المغاربية يجمعون فيها كل الصحراويين المتفرقين بين عدة دول كما فعلوا لليهود ، ويمكن للمرء أن يتصور الصحراء وشساعتها ، فهي الممتدة من صحراء الربع الخالي بالعربية السعودية إلى جنوب المغرب مرورا بمصر وليبيا والجزائر وموريتانيا ، ومعلوم أن الصحراء الغربية المعروفة في كل خرائط العالم بهذا الاسم هي صحراء جمهورية مصر العربية . والغريب أن البوليساريو وحكام الجزائر قد سطوا على عقيدة الشعب الفلسطيني كما أنهم سرقوا علم  دولة فلسطين بل وسرقوا ونشروا صور أطفال فلسطينيين من غزة مدعين أنهم أطفال صحراويون قتلهم الجيش المغربي .... وهكذا نرى أن الغرب صنع دويلة إسرائيل وزرعها جسما غريبا في منطقة الشرق الأوسط كما يحاول الفاشيست الفرنكاوي الاسباني والليبي والجزائري صنع دويلة في المنطقة المغاربية .

ثانيا : لماذا تقف بقية الدول المغاربية مشلولة أمام هذا المشروع الصهيوني :

مشروع  زرع دويلة الصحراء في المنطقة المغاربية هو مشروع صهيوني بلا شك لأنه يحمل بصمات وعد بلفور وإجراءات الانجليز وأمريكا التنفيذية ، فالمواقف الابتزازية والمتذبذبة للغرب وعلى رأسها أمريكا تسير في اتجاه فرض الأمر الواقع رويدا رويدا ، لكن الغريب هو أن موقف دول المنطقة المغاربية خصوصا تونس وموريتانيا وليبيا بعد مقتل القذافي يثير الشكوك ، فهل تخاف هذه الدول من جبروت حكام الجزائر أم أنها متورطة في تنفيذ المشروع وتساهم في تنفيذه إما بالتحمس له أو السكوت عن تنفيذه ؟

فحكام الجزائر هم بلا شك ورثة الاستعمار الفرنسي في المنطقة المغاربية فهم يبذلون الغالي والنفيس من أجل إنشاء دويلة في المنطقة لأنهم ينوبون عن القوى الدولية التي خططت وتآمرت على المغرب لتنفيذ المشروع الصهيوني الجديد لذلك فالدول العظمى تنفخ في عقدة العظمة المستحكمة في نفوس وعقول حكام الجزائر ، لا ولن تفرط فيهم لأنهم يخدمون مصالحها في المنطقة بجد وحماس .. أما موريتانيا فلا يمكن أن نغفل تشبث شريحة عريضة من الموريتانيين بحقهم في منطقة وادي الذهب التي تنازلوا عنها مرغمين بعد هزيمتهم أمام جيش الجزائر وملشيات البوليساريو في معركتين كبيرتين معركة نواكشوط في يونيو 1976 ومعركة تشلة في 12 يوليو 1979 لذلك فهم سارعو بالاعتراف بجمهورية الصحراء الغربية اتقاء لشر حكام الجزائر ليس إلا .. أما بقية الدول المغاربية فما هي أسباب سكوتها عن تنفيذ هذا المشروع الصهيوني الخبيث .. تبقى تونس وليبيا ما بعد القذافي فلماذا تستمر في التمسك بغموض مواقفها من زرع دويلة الصحراء بين ظهرانيهم ؟

ثالثا : ما هي العلاقة بين البوليساريو والصهاينة ؟

العلاقة الوطيدة بين فكرة زرع دويلة إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط وزرع دويلة الصحراء في المنطقة المغاربية هي تحقيق أهداف مشروع استراتيجي خطير يبدأ بمنع الوحدة بين الدول العربية في الشرق العربي وبين دول المنطقة المغاربية  وينتهي بالاستيلاء على خيرات المنطقتين ...

 فمنذ  وجود الجسم الغريب ( إسرائيل ) بين الدول العربية لم تعرف منطقة الشرق الأوسط الاستقرارا والأمن  فمن حرب إلى أخرى ، بدأت بالحرب ضد إسرائيل ثم تطورت إلى حروب فيما بين الدول العربية نفسها بعد أن تجذرت إسرائيل في المنطقة وتقوت حيث لم تستطع أي دولة عربية زعزعة ذلك الكيان من مكانه قيد أنملة بل إن الدول العربية قد شرعت في تدمير بعضها البعض وهو الهدف الاستراتيجي الذي وضعته الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا وبذلك تخلو لهم الطريق نحو خيرات المنطقة ...

كذلك الأمر في المنطقة المغاربية فالهدف الاستراتيجي للغرب وعلى رأسه أمريكا هو أن لا تتوحد دول هذه المنطقة المغاربية أبدا بل يجب أن تبقى في نزاع فيما بينها بسبب مشروع زرع دويلة الصحراء الغربية فيما بينها ، فيكفي للجزائر والبوليساريو أن تضحك لهم أمريكا حتى يبيعوا المنطقة كلها لهم وبأبخس الأثمان ..

عود على بدء :

من سخرية القدر أن تتحول الدول ( الثورية ) إلى طابور خامس تصب مياهه في طاحونة الأمبريالية والصهيونية العالمية ، فهل من الثورية السباحة ضد تيار الوحدة الذي تسير فيه دولة الجزائر وهي تنفذ - بغباء - مشروعا استراتيجيا للصهيونية والأمبريالية العالمية ؟ والشئ بالشئ يذكر فهل من ( الثورية ) أن يسقط نظام بشار الأسد في فخ العداء المجاني للشعب السوري حتى تحولت مطالبه البسيطة إلى ردة فعل أحرقت الأخضر واليابس فدمر – بغباء – الدولة السورية بكاملها ؟

إن حكام الجزائر يدفعون بالمنطقة نحو تنفيذ مشروع غربي صهيوني هدفه الأول والأخير تدمير المنطقة لتخلوا الطريق إلى خيراتها بسهولة وتسقط جميعها في براثن الصهيونية والأمبريالية العالمية ...

الفكر النقي البسيط والمنطق السليم يقول :

*  الوحدة قوة للجميع والتفرقة ضعف للجميع ..

*  في المنطقة المغاربية : من يدفع للوحدة ويمد يده ويدعو لتفح الحدود ومن يدعو للتفرقة والتشتت ؟

*  في المنطقة المغاربية : من ينفق أموال الشعب من أجل تنفيذ المخطط التفريقي الصهيوني في المنطقة على حساب تنمية شعبه ؟

*  في المنطقة المغاربية : من يسعى إلى استنساخ القضية الفلسطينية – حيث لا مقارنة مع وجود الفارق – وينفق الأموال الطائلة بالترويج للبهتان وتزوير التاريخ ونشر السفاسف ؟

فما رأي فلاسفة السياسة في قصر المرادية والشياتة في الجامعات الجزائرية ؟

 

سمير كرم خاص للجزائر تايمز