عرفنا أن هناك مؤتمرا للمعارضة السورية في القاهرة، حضرته شخصيات معارضة من الداخل ومن الخارج، من غير أن يكون هناك تمثيل للإئتلاف الوطني المعارض، الهيئة المعترف بها عربيا ودوليا. كان هناك أعضاء في تلك الهيئة قد حضروا بشكل شخصي، كما قيل وهو قول قد لا يكون صحيحا. ذلك لأن حياتنا السياسية لا تتحمل مزاحا من هذا النوع.

ما يهمنا أن المشاركين في المؤتمر قد ناقشوا مستقبل بلدهم. وهو موضوع لا يزال افتراضيا. لا لأن الرهان على مستقبل سوريا لم يعد رهانا محليا، بعد أن فلتت خيوط اللعبة منذ زمن طويل من أيدي السوريين حسب، بل وأيضا لأن هناك قوى مسلحة ممسكة بأكبر مساحة مما يسمى بسوريا المحررة لا علاقة لها بالمعارضة الرسمية، وهي قوى، بعضها مصنف دوليا بإعتباره قوة ارهابية والبعض الآخر يمكن ضمه بيسر إلى قائمة قوى الارهاب الدولي.

فإذا كان مستقبل سوريا يتحكم به الصراع بين المتحاربين وما يمكن أن يتمخض عنه ذلك الصراع من نتائج عسكرية على الأرض، فإن وجهات النظرالتي قيلت في المؤتمر لا قيمة لها في صنع صورة المستقبل. إلا إذا كان المجتمعون قد أقروا بضعف حيلتهم وانسداد الافق أمامهم وهشاشة دورهم وبضبابية ما يمكن أن تطرحه الأوقات المقبلة من حلول، قد لا تروق لأحد.

لا أرغب هنا في تعميم اليأس، ولكن الانفصال عن الواقع قد يجلب نتائج كارثية، تجعل من الجميع ضحايا، وبالقوة نفسها مسؤولين عما جرى. فعلى سبيل المثال يمثل التغاضي عن كابوس داعش واعتباره جزءا من مسرحية يديرها النظام نوعا من التضليل الذي لا يليق بالمعارضين أن يمارسوه. بالدرجة نفسها فإن اعتبار جبهة النصرة التي تعلن في كل مناسبة عن ارتباطها بتنظيم القاعدة فصيلا سوريا معارضا هو نوع من الكذب المفضوح والانتحال الصبياني.

ما لا يرغب المعارضون السوريون الاعتراف به أن الحرب في سوريا بعد أن تم تدويلها بموافقتهم صارت تجري وقائعها على الأرض بين طرفين. الأول هو الجيش العربي السوري والميليشيات العراقية واللبنانية والايرانية من جهة ومن جهة أخرى أطراف تتوزع بين جماعات وتنظيمات اسلاموية متشددة، دفع وجودها الجيش السوري الحر إلى الهامش.

اما الزيارة التاريخية التي قام بها استاذ العلوم السياسية في السوربون برهان غليون بإعتباره رئيس سوريا المستقبلي إلى الأراضي المحررة فسيُنظر إليها في المستقبل بإعتبارها نوعا من الطقس الفلكلوري وبالأخص أن الرجل كان قد اعتمر كوفية حمراء.

سوريا اليوم هي في أمس الحاجة إلى معارضيها من أجل انقاذها. فما لم يعد المعارضون السوريون النظر في نظرياتهم، بناء على ما يجري على الأرض فإن سوريا ذاهبة إلى قدرها حيث الخراب الشامل.

لقد تغير كل شيء، لذلك فمن الضروري أن يُجرى تغيير في سلم الاولويات. فما كان صحيحا بالأمس لم يعد صحيحا اليوم. لن ينفع اليوم تغيير النظام في دمشق المعارضة في شيء وإن كانت لا تزال تضعه فقرة أولى في مشروعها. فسوريا ليست دمشق، إلا إذا كانت المعارضة مطمئنة إلى أن في إمكان الولايات المتحدة ودول الغرب الضغط على الفصائل الإسلاموية المقاتلة من أجل الانسحاب من سوريا.

افتراض خيالي من هذا النوع تسخر منه تجربة الحرب على داعش في العراق.

النظام االحاكم في دمشق يزعم أنه اليوم يحارب الارهاب. وهو ما كان يمكن تكذيبه قبل ثلاث سنوات، أما اليوم فإنه الحقيقة التي لا يمكن لأحد انكارها.

في كل الجبهات يحارب جيش النظام والميليشيات التابعة له ميليشيات لا علاقة لها بما انطوت عليه الثورة السورية من أهداف، بل لا علاقة لها بسوريا، وإن نجحت بسبب الفاقة والفقر والجوع أن تضم إلى صفوفها شبابا سوريين.

أن تستمر المعارضة في انكار ذلك فهذا معناه الاصرار على الانفصال عن الواقع والانغماس في خيالات مخملية، لن يفيق المرء منها إلا بعد أن تفقد سوريا مستقبلها. الواقع من وجهة نظري يسير في هذا الاتجاه.

لا مستقبل لسوريا.

 

فاروق يوسف