اعترف وزير جزائري سابق بأن المغرب تفوق على بلاده دبلوماسيا في الحصول على دعم قوي ومتنام من المجتمع الدولي، لموقفه في الدفاع عن حقوقه في قضية الصحراء.

ولمّح عبدالعزيز رحابي وزير الاتصال السابق إلى أن قدرة الرباط على إقناع واشنطن وباريس ومدريد بوجاهة رؤيتها للحلّ في هذا الملف المهم بالنسبة لاستقرار المنطقة وأوروبا والعالم، واستمالتها لمواقف العواصم الثلاثة وجعلها تتبنى الطرح المغربي للحل هي التي تفسر نجاح المغرب في إحباط كلّ جهود بوليساريو والجزائر لدفع المجتمع الدولي الى تبني مخططاتهما الانفصالية في الإقليم الصحراوي الواقع الجنوبي للملكة المغربية.

ويقول محللون إن في تصريح الوزير الجزائري إقرار ضمني بأن هزيمة بلاده في هذه المعركة التي تصورها السلطات الجزائرية بأنها مصيرية للبلاد باتت قريبة جدا مع تغير الكثير من المعادلات في العلاقات الدولية.

وكان رحابي، وهو يحلل الوضع في الإقليم الصحراوي المغربي من وجهة النظر الرسمية لبلاده ولعملائها في قيادة بوليساريو، يسعى لإيجاد تفسير لثبات قضية الصحراء على حالها، ما يشكل فشلا ذريعا للجزائر التي بذلت كل ما وسعها من اموال الشعب الجزائري لـ"شراء" موقف رسمي دولي يستجيب لـ"طموحاتها المبهمة" إزاء هذا الإقليم، دون جدوى.

ويقول محللون لشؤون المنطقة إن ما يزعج السلطات الجزائرية هو ان لا تسفر كل الأموال التي بذلتها طوال عقود من قوت الشعب الجزائري عن تحقيق أية نتيجة تذكر في هذا الملف الذي اعتبرته كلّ الحكومات المتعاقبة بمثابة قضية جزائرية من درجة أولى، مؤكدين أنه من الطبيعي أن تستحصل الجزائر مثل هذا الفشل مادامت مبررات النزاع المطروحة مع المغرب شخصية وعدائية ومجانية وبلا مستندات حقيقية.

وخلص رحابي في تصريحات تناقلتها منابر جزائرية وأخرى مجارية لأطروحات البوليساريو إلى أن "المغرب ما كان له أن يحرز ماحقق لو لم يكن ثمة دعم جلي لـ(قضيته) من لدن المجتمع الدولي".

 وليبرر فشل بلاده في تحقيق نجاح يذكر في هذا الملف زعم الوزير الجزائري أن "لدى الغرب حساسية تجاه الابتزاز فيما يخص المغرب، بالنظر إلى خشيته من حصول اضطرابات بالمنطقة في حال جرى السماح باستقلال الصحراء، سيما في ظل الاضطراب الزاحف على أكثر من بلد".

ويقول مراقبون إن تطور الموقف الدولي باتجاه الإقرار بمعقولية الموقف المغربي من ملف الصحراء وقربه إلى ارض الواقع يتجاوز مجرّد الخوف من الاضطرابات التي هي في كل الأحوال طارئة على الصراع حول الصحراء الممتد إلى عقود مضت، إلى قوة الدبلوماسية المغربية التي اشتغلت في كلّ الاتجاهات لتقنع المجتمع الدولي بوجهة نظرها.

وحمل رحابي ما قال إنه "دعم غربي غير مشروط" مسؤولية التعثر الذي تشهده المفاوضات غير المباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو، مشددا على أن موقف الجزائر ثابت من ملف الصحراء منذ بداية النزاع. وأضاف أن بلاده لم تخضع للضغوط الخارجية ولا لمرور الزمن كي تغيّر موقفها.

ويؤكد المراقبون أن المغرب هو من دفع القوى الدولية إلى الاقتراب من وجهة نظره للحلّ في الصحراء لأنه أعطى درسا للعالم في فن الدبلوماسية المرنة تجاه هذا الملف، مقابل موقف الجزائر المتحجر دون اسباب مقنعة.

 وبينما يكشف الموقف المغربي عن رغبة صادقة في التوصل الى حلّ الملف يستمرّ الموقف الجزائري متصلبا ومتحجرا دون أسباب له غير "الرفض لمجرّد الرفض" لأن السلطات الحاكمة هناك تتملكها رغبة مرضية في معاكسة موقف الرباط على قاعدة المثل الشائع "معيز ولو طارو"، كما يقول محللون.

واعتبر الوزير الجزائري السابق أن المملكة المغربية ما كان لها لتتعاطى مع الأمور بالنحو الذي تفعل اليوم، في إشارة الى نجاحها أساسا دفع الأمم المتحدة الى إبقاء دور بعثة حفظ السلام (مينورسو) كما هو مخطط له سلفا، خاصة بعد أن الولايات المتحدة في أبريل/نيسان 2013 على تطرح مسودة تقترح فيها توسيع صلاحيات مينورسو بشكل يسمح لها بمراقبة أوضاع حقوق الإنسان.

 ورفضت الحكومة المغربية ذلك الاقتراح بتغيير طبيعة مهمة المينورسو لأنها بعثة أممية للاستفتاء وليس لحقوق الإنسان.

وفي 25 أبريل/نيسان 2013 تبني مجلس الأمن بالإجماع القرار 2099 الذي مدد ولاية البعثة من دون توسيع صلاحياتها لتشمل مراقبة أوضاع حقوق الإنسان في الإقليم.

 كما تراجعت الولايات المتحدة عن محتوى النسخة الأولى من مشروع القرار بسبب الحملة الدبلوماسية التي شنها المغرب لمواجهة توسيع مهمة البعثة الدولية.

وزعم الوزير الجزائري وهو يسعى لتفسير تشبث الرباط برفض كل ما من شأنه أن يعلي سقف التفاوض عن مقترح الحكم الذاتي، بأن الرباط ما كانت لتحقق نجاحا باهرا في فرض وجهة نظرها على المجتمع الدولي لو لم تكن مدعومة من واشنطن وباريس ومدريد.

ويقول المحللون إنه ليس عيبا ان يستفيد المغرب من قدراته على شرح موقفه وبيان وجاهته وقابليته الموضوعية للتطبيق على ارض الواقع، كما لا يعتبر عيبا أن يقع تقدير هذا الموقف من القوى الدولية ايا كانت لأنها ترى فيه مصلحة للسلام في المنطقة والعالم، في حين أن الموقف الجزائري وحليفته بوليساريو هو موقف يدفع نحو التصعيد ومزيد من الحروب.

 ولمح الوزير الجزائري السابق إلى صعوبة موقف بلاده في ما يتعلق بقضية الصحراء حالي أو في المستقبل وخاصة بعد فشل محاولات توظيف ورقة حقوق الإنسان في الصحراء منذ عامين.

 وقال رحابي إن بلاده لم تعد تمتلك خارطة طريق ممكنة لمواجهة المغرب في هذه القضية في المحافل الدولية، داعيا إلى "الرهان على الاتحاد الإفريقي حتى يتحرك هذا التكتل القاري ضمن مجموعة توازي الدعم الثلاثي المقدم للمغرب من لدن أميركا وفرنسا وإسبانيا".

ويقول مراقبون إن هذا الاقتراح يكشف عن عجز جزائر جزائري حقيقي على إيجاد داعمين أقوياء لوجهة نظرها من ملف الصحراء، حتى ولو بذلت جميع ما تملكه من ثروات لقاء إيجاد مثل هذا النوع من الحلفاء.

ويضيف المراقبون إنه من الواضح أن الاتحاد الإفريقي هو مجرد هيكل مفرغ من محتوى القوة الإقليمية القادرة على التأثير في القرارات الدولية الكبرى لعدة اعتبارات أهمها ان الدول الأعضاء داخل هذا الهيكل ليست جميعها متجانسة في الموقف من الصحراء إذ ان العديد من دول جنوب الصحراء التي تحتفظ بعلاقات اقتصادية قوية مع الرباط تتبنى آليا الحلّ الذي تطرحه لملف الصحراء.

 يذكر أن الرباط ترفض بشكل قاطع تدخل الاتحاد الإفريقي في قضية الصحراء وقد رفض في أكثر من مناسبة تمكين مبعوثه من الدخول على خط الملف، أولا لأن هذا الملف هو الآن من أنظار الأمم المتحدة، وثانيا لأن الاتحاد الإفريقي طرف غير محايد في القضية باعتبار ان المغرب لم يعد يحتفظ بعضويته بسبب انحيازه البين إلى البوليساريو.

 وتقترح الرباط، في محاولة لتسوية هذا النزاع الذي بدأ عام 1975 بعد خروج إسبانيا من المنطقة حكما ذاتيا موسعا للإقليم وهو ماترفضه البوليساريو بدفع من الجزائر، مطالبة بالاستقلال عن المغرب.

 وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2014، حسم العاهل المغربي الملك محمد السادس موقف بلاده من هذا الملف بشكل قاطع ونهائي لا رجعة فيه وقال في خطاب له، "إن الصحراء ستظل تحت السيادة المغربية إلى الأبد، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها".

بلقاسم الشايب للجزائر تايمز