ليس في نيتنا أن نكتب عن الحلال و الحرام، لا لأن المقام لا يسمح بذلك فحسب، و إنما إيمانا منا بعدم التطبيل و التهويل لازدياد كلفة الأمن الوطني لحراسة الأخلاق و تتبع و رصد ضحايا الاختناق الاجتماعي الناجم عن بلوغ التفكك السياسي و الثقافي و التفتت المذهبي ذروة لم تعرفها البنية المغربية من قبل.

و في سياق مواجهة هذا الانهيار البنيوي، تلجأ السياسة الحكومية بين الحين و الآخر لنهج الرقابة الاجتماعية لضبط التعارضات و الانحرافات و تقنين ممارسات الناس و اختياراتهم و التضييق على أضواقهم و التحكم في قيمهم.

و إذا كان الهدف من الرقابة الاجتماعية و الإعلامية هو تأمين توافق التصرفات الفردية مع النظام المعياري المعمول به، فإن الرقابة بهذا المعنى تعني “الضبط” و “العقاب” و “الجزاء”. و هو ما يدفع المجتمع إلى التفكك و التفتت و الانتقال من المجتمع العلني، الذي يتحكم فيه النظام بكل آليته، إلى العيش في كنف المجتمع السري الذي يقبل التسامح و التعايش و التفاهم و السلم و السلام و لا يقبل القواعد و المبادئ المقررة و المصادق عليها. يقبل صناعة غشاء البكارة و لا يقبل أن تجر العروس للعيادة الطبية و بعدها إلى السجن، يقبل الإجهاض السري و ما يترتب عنه من آلام نفسية و فيزيقية و لا يقبل الحمل خارج مؤسسة الزواج، يقبل العنف الجسدي و الرمزي و لا يقبل اللجوء إلى القضاء، يقبل التكيف مع واقع الفقر و لا يطالب بالاندماج في المجتمع، يقبل بالبرد و لا ينتفض من أجل التدفئة، يقبل بالعطش و لا يبيع شرفه من أجل الماء، يقبل بالعزوف السياسي و لا يقبل الدخول في اللعبة.

باختصار، يقبل “الهروب” خلسة من منصة الزفاف المثالية، ليتناول جرعة من الخمر ليس بعيدا عن قاعة الفرح ضانا أنه سيعود لعروسه منتشيا بفرحته و سروره..لكن الرقابة الأمنية تلقي عليه القبض و تجره لمخفر من مخافر الشرطة، غير مبالية لا بعروسة تنتظر عريسها، و لا بفرحة الأهل و الأحباب، و أسرت على معاقبته بتهمة الانتماء إلى المجتمع السري الذي يخرج عن طاعة السلطة التي يملكها المجتمع العلني.

هذا نموذج حي – عاشه خلال هذه الأيام ابن حي شعبي بالعاصمة العلمية/عاصمة جهة فاس مكناس- من نماذج معاقبة أفراد و جماعات المجتمع السري ببلادنا. و هو النموذج الذي لم ينطبق عليه المثل الشعبي” العمل في الخفاء ينجي”.

 

بقلم: المصطفى المريزق