إن “الشيطنة” هي أخطر الأسلحة التي يستخدمها أعداء أمّتنا في حربهم علينا، شيطنة المناضلين والشهداء، شيطنة الرموز والقادة، شيطنة الحركات والجماعات، شيطنة الشعوب والأمم، لأن هذه “الشيطنة” تقيم متاريس العداء والكراهية بين أبناء الأمّة الواحدة، والشعب الواحد، والقضية الواحدة، وتصرف أنظارنا عن أعدائنا وهم أخطر الشياطين التي تهدد حياتنا.

وأخطر ما في سلاح “الشيطنة” أنهم ينجحون في استخدامنا ضد بعضنا البعض، فيستدرجون بعضنا إلى شيطنة البعض الآخر، حتى إذا ما فرغوا من شيطنة ذلك البعض عمدوا إلى شيطنة البعض الآخر ممن وقع فريسة خداعهم، وهكذا تتواصل الحروب بيننا حتى يصبح أعداؤنا أسياداً علينا…

لذلك شيطنوا بالأمس القريب البطل والمناضل الكبير سمير القنطار وحاولوا تلطيخ صورته أمام أبناء أمّته ولم يشفع له كل تاريخه المليء باروع فصول العطاء والتضحية، ليشيطنوا في الغد كل مناضل أفنى عمره في سبيل أمّته وقضاياها المحقة…

إنهم “يشيطنون” التاريخ لكي يصادروا الحاضر بالفتن، ولكي يثقلوا المستقبل بالهزائم والخيبات، بل لكي يمزقوا الجغرافيا بالدماء، فعلوا ذلك مع الأنبياء كلهم، ومع الأولياء والصادقين منذ فجر التاريخ، وفعلوها مع قادتنا ورموزنا منذ عقود، وقلّما أفلت واحد منهم من شيطنتهم، وتذكروهم اليوم واحداً واحداً، تجربة تجربة، رمزاً رمزاً، تدركون أن ما يفعلوه اليوم مع سمير القنطار والمناضل الجولاني العربي السوري فرحان الشعلان قد فعلوه بالأمس مع كل رموزنا وقادتنا، مع كل مناضلينا وشهدائنا.

وجريمة سمير القنطار الكبرى أنه مع رفاقه في جبهة التحرير الفلسطينية رفضوا قبل 37 عاماً شيطنة جمال عبد الناصر قبل اتفاقية كمب دايفيد وتمهيداً لها فأطلقوا على عمليتهم البطولية في ساحل فلسطين المحتلة اسم جمال عبد الناصر…

وجريمة سمير القنطار الأخرى أنه رفض شيطنة المقاومة، فلسطينية أو لبنانية أو عراقية، فحمل رايتها في السجن على مدى ثلاثين عاماً، كما حمل المسيح عليه السلام (الذي نحتفل هذه الأيام بذكرى ميلاده)، صليبه ومشى، وكما حمل النبي محمد (ص) الذي نحتفل أيضاً بذكرى مولده، رسالته متحدياً كل الصعاب، ليطلق أحد الصحابيين الأبرار في مكًة صرخته المدوّية والمبكّرة، بوجه سياط الجلادين: أحد… أحد… أحد… أحد…

وجريمة سمير القنطار المسلم العروبي الأصيل أنه آمن بوحدة أمّته، ووحدة نضالها، ووحدة مصيرها، فانتقل وهو اللبناني من السجن في فلسطين إلى المقاومة في الجولان العربي السوري مدركاً أن لكرامة أمّته طريق واحد هو القتال حتى النصر أو الشهادة… وأن من يسكت يوماً عن جريمة إسقاط بلد عربي كسوريا أو العراق أو مصر إنما يساهم في إسقاط الأمّة كلها.

لذلك فأفضل ما نرد به على من اغتال سمير القنطار ورفاقه، ومن يقتل كل يوم شباب فلسطين وشاباتها، أطفالها وشيوخها، وهم على أبواب الشهر الرابع لانتفاضتهم الباسلة، هو أن نراجع جميعاً أنفسنا، ونطهّر ذاكرتنا من كل فنون شيطنة بعضنا البعض وأشكالها، ونطرد إلى الأبد من جداول أعمالنا فكرة الإقصاء والإبعاد والاجتثاث التي تحوم حولنا جميعاً، ولكي نتصالح أفراداً وجماعات، حركات وتيارات، شعوباً وأمماً، على قاعدة بسيطة “أن لا فضل لواحد منا على الآخر إلاّ بالمقاومة” ووفق معادلة بسيطة تقول “أن التباين في الرؤى والأفكار وحتى العقائد ضرورة لإغناء الشعوب وإثراء حضاراتها، لكن الصدام والتناحر ومحاولات شطب الآخر وإلغائه ضرر كبير على الأمم.


معن بشوّر