أن يخشى السيد رئيس الحكومة على "هبة الدولة" هذا من حقه، ويمكن أن ننوه به.

أن يحرص السيد ابن كيران، على صورة "دولة القانون" هذا أمرٌ لا يُجادل.

أن يتنازل رئيس الحكومة عن صلاحياته لوزراء هو من اقترحهم وهو رئيسهم، فهذا يخل بـ"بهيبة الدولة".

أن يعترف السيد ابن كيران بأن هناك خللا قانونيا في ما يتعلق بتطبيق المرسومين، ومع ذلك لا يرضخ للقانون، ولا يتراجع عن هذا الخطأ الفادح، ويصرّ عليه، ويقترح بدلا عنه حلولا ترقيعية غير مضمونة وغير مقنعة. فهذا يتنافى مع "دولة القانون".

لقد نبّهت "المبادرة المبدئية" لهذه المسألة القانونية، وبينت بالدليل الأخطاء المتعلقة بتنزيل المراسيم، ووضعت مقترحها بمكتب السيد رئيس الحكومة، ومع ذلك لم تتلق منه أية إجابة، ولو كان استجاب للمقترح المتضمن في المبادرة لكان وجد أكثر من مخرج من أجل الحرص على "هبة الدولة". (ندرج مقترح المبادرة ضمن خاتمة المقال)

وبما أننا نتحدث عن هذا المسمى "هبة الدولة" الذي يبدو أن سياسيّينا لا يوظفونه إلا عندما يريدون فرض بعض الأمور على المواطنين، ولا يتذكرونه عندما يكونون هم في موقع "المتهم"، فإن قصة "تشرشل" مهمة في هذا السياق، حتى يتبين بالملموس الفرق بين "هبة الدولة" و"هبة الدولة".

خلال الحرب العالمية الثانية، وبينما ابريطانيا في أوج صراعها، اشتكى سكان أحد الأحياء من الازعاج الذي تُسببه لهم الطائرات الحربية، فضلا عن الخطر الذي يتهدّدهم نتيجة وجود المطار الحربي قرب مساكنهم. فجاء الحكم القضائي لصالح السكان، وأمهل الدولة 7 أيام من أجل تنفيذ الحكم.

لما بلغ حكم المحكمة لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل، سأل معاونيه: كم تبقى من أجل تنفيذ الحكم؟ أجابوه: 48 ساعة. فأمرهم بنقل المطار قبل انتهاء الأجل. وقال مقولته: "أهون أن تخسر ابريطانيا الحرب على أن يقال أنها لا تحترم القانون والقضاء".

هذه المقولة يجب أن تكتب بماء من ذهب على مقر الحكومة المغربية، لماذا؟

أولا: لأنها لم تحترم القانون في قضية "محضر 31 يوليوز"، ولم تنفذ تعهدات الحكومة التي سبقتها حيال المعطلين، وهذا جعل تعهداتها تجاه أساتذة الغد غير ذات معنى. لأن السوابق السلبية تنتج مواقف أكثر سلبية؛ فلو كانت حكومة ابن كيران قد نفذت تعهدات حكومة عباس الفاسي لسهل اقناع واقتناع الأساتذة المتدربين بخيار التوظيف على دفعتين.

ثانيا: لأنها لم تحترم أحكام القضاء وراحت تناور من أجل عدم تنفيذ حكم يقضي يتوظيف المعطلين، وهذا ما جعل أساتذة الغد يرفضون التوجه للقضاء، لأنهم يخشون أن يكون مصير قضيتهم مشابه لمصير قضية المعطلين.

على الحكومة أن تحترم القانون، وأن تتراجع عن الخطأ الذي حصل بخصوص قضية أساتذة الغد، وآلا تصر على الخطأ، لأن الاصرار على الخطأ هو الذي يضعف "هيبة الدولة" ولا يقوّيها. ويُفقد المواطن الثقة في مؤسسات الدولة.

فيما يلي البندان الأول والثالث من "المبادرة المبدئية لحل مشكلة أساتذة الغد":

إعتبارات دستورية و قانونية: نظراً لأن المراسيم الوزارية التي غيّرت من طبيعة مهمة مراكز التكوين لم تصبح سارية المفعول قانوناً إلاّ بعد نشرها في الجريدة الرسمية وليس بعد إصدارها فقط، وفي وقت تمّ استنفاد جميع مراحل الولوج إلى هذه المراكز: الامتحانات، الاعلان عن النتائج، وتوقيع المحاضر؛ ولأن من شروط سريان القواعد القانونية أن تكون دستورية، وتراعي التراتبية، وتُنشر بالجريدة الرسمية كما ينصّ على ذلك الفصل السادس من الدستور؛ ولكون القاعدة القانونية لا يمكن أن تسري بأثر رجعي؛ وبما أن المراسيم الوزارية افتقدت إلى شرط النشر في الجريدة الرسمية كشرط لازم لشرعيتها ودخولها حيّز النفاذ، ولأنه لم تصدر وتصبح سارية المفعول إلاّ بعد توقيع الأساتذة المتدربين محاضر الولوج بتاريخ 7 أكتوبر 2015، وقد حصلوا من مراكز التكوين على بطاقات تصفهم بـ"الأساتذة المتدرّبين" ولم تصفهم بكونهم "طلبة يخضعون للتكوين". فإن النتيجة هي أن فوج 2015/2016 غير مُلزم بهذه المراسيم، وإنما يخضع للقوانين التي ظلت سارية قبل هذه المرحلة، ومن الاجحاف إلزامه بما لا يُلزمه به القانون حفاظا على مبدأ عدم رجعية القاعدة القانونية وتحصيناً للحقوق المكتسبة.

اعتبارات مالية: بما أن الحكومة قد أعلنت عن وجود 7 آلاف منصبَ شغلٍ في التعليم العمومي برسم قانون مالية 2016، بينما استقبلت مراكز التكوين حوالي 10 آلاف أستاذ متدرب هذا الموسم، وبالنظر إلى أن الحكومة تعترف بوجود خصاص كبير في قطاع التلعيم، فإن الحل لن يأتي سوى بتوظيف باقي الثلاثة آلاف أستاذ، من خلال مساطر متعددة من ضمنها: قانون مالية تعديلي، فتح إعتمادات مالية من أجل تدارك الفارق، توظيفهم على أن يتم تسوية الوضعية المالية من خلال قانون مالية 2017 بأثر رجعي، كما جرت العادة في العديد من الوقائع السابقة. علماً أن الحكومة ملزمة بالاستثمار في التعليم وتوفير مناصب مالية أكثر خلال السنوات القادمة.