بمناسبة الدورة الثانية و العشرون لمعرض النشر و الكتاب، وقّع الكاتب و الروائي المغربي "ابراهيم حريري" روايته الثانية "محجوبة"، التقيناه برواق إفريقيا الشرق، و أجرى معه طاقم "ماروك بوست" الحوار التالي:
 

س :  في البداية عرفنا بإبراهيم حريري حيث أنه لكل كاتب أو شاعر نقطة بدأ منها. كيف انبثقت عندك موهبة الكتابة  ؟

ج : البدايات كانت مبكرة مع محاولات شعرية و نصوص نثرية حرة، ثم سرعان ما توقفت عن الكتابة لردهة من الزمن و بعدها استعدت رغبتي في القول و الكتابة.  فكان الشعر أولا ثم يوميات  " مشاهدات عامل مغربي في السعودية" عن جريدة صوت الناس ثم " البحث عن الثروة" التي لا تزال في رفوفها تنتظر ثم الروايتين "شامة أو شتريت" و " محجوبة " عن دار إفريقيا الشرق.

س : تقول أنك بدأت بالشعر. و في رواية " محجوبة" نجد تنوعا أدبيا بين النثر و الشعر و بين لغتين اللغة العربية سردا  و اللغة العامية الدارجة حوارا. كيف جاء هذا المزج ؟ هل لأن الشاعر فيكم يؤثر في الكاتب ؟ و لماذا استعمال اللغة الدارجة في هذا العمل ؟

ج : في فهمي للرواية، أعتبرها كائنا امبرياليا و ليس منتوجا رأسماليا، بمعنى أن الرواية ليست مثل اللعب الفكرية (نينتيندو و غيره) كما يحاول بعض الروائيين بتقديمهم للرواية على أنها منتوج رأسمالي يهدف إلى التسلية الذهنية. عندما أقول أنها كائن امبريالي فأنا أقصد أن الرواية باستطاعتها أن تحتضن جميع أنواع الفنون الأخرى من شعر، رسم، مسرح و غيره.

في هذه الرواية،  التكوين النفسي للشخصيات هو الذي حتم وجود شعر تنطقه شخصيات الرواية. أما في ما يخص الحوار، فللحفاظ على قوته اخترت أن يكون باللغة الأصلية و هنا لا بد أن أشير أنني و بكل تواضع لا أقدم فوارق بين اللغة العالمة و لغة اليومي. فكلاهما لغتي الأصلية و أحترم كلاهما.

س : استعمال اللغة الدارجة المغربية في مؤلف سيوزع خارج البلاد، ألن يؤثر عليه من حيث صعوبة فهم لغتنا العامية في العالم العربي ؟ أو في حالة تقديمها في إطار المسابقات للجوائز الأدبية ؟

ج :  لا أعتقد ذلك بتاتا. و إذا كان لا بد من المثال فكبير الروائيين العرب المرحوم عبد الرحمان منيف استعمل العامية السعودية في خماسياته ، كما استعمل الكاتب نجيب محفوظ العامية المصرية و غيرهم. ثم إن الدارجة المغربية التي استعملتها هي أقرب إلى العربية من حيث الألفاظ و من حيث التركيب اللغوي.

س :  في روايتك الأولى " شامة أو شتريت " تتكلم عن حقبة زمنية محددة بعد حرب 1967 و في الرواية الثانية " محجوبة " تتكلم عن فترة الحماية، لماذا هذا التوجه التاريخي في رواياتك ؟  هل دراستكم للتاريخ هي التي حكمت هذا التوجه ؟ و هل يمكن تصنيفها ضمن الروايات التاريخية ؟

ج : بالنسبة للتصنيف، أنا لست مؤهلا للإجابة عن هذا السؤال. هذا تصنيف يقوم به النقاذ وأتمنى أن لا أكون ضمن هذا التصنيف الضيق. لأن الروائي يبحث دائما عن الحرية و أي تصنيف مهما كان شاسعا يحسه ضيقا.

استثمار التاريخ في العملين هو استثمار يسمح بمناقشة التطورات السياسية الآنية من خلال تقنية الإسقاط ،  طبعا مع الأخذ بعين الاعتبار الفروقات بين الفترات الزمنية. و ربما تكويني التاريخي يساعدني في ذلك. و هذا ليس عيبا في حد ذاته بل أعتقد أنها قيمة مضافة للعمل الأدبي.

س :  هل تنوي متابعة هذا اللون من الكتابة لحكي التاريخ بأسلوب مشوق عن طريق قصة رومانسية ك "محجوبة "  مثلا ؟

ج : صديقي الفنان الرسام المبدع عبد الله اليعقوبي اقترح علي نفس الفكرة لكني شخصيا لم أحسم في الأمر بعد. ربما في العمل القادم  و في إطار الثلاثية التي أحلم بها و التي تتحدث عن كيفية مجابهة الإنسان المغربي لظروف السياسة، قد أتكلم عن المعاناة الناتجة عن حرب الصحراء. و كسبق صحفي ، أقول اكم بأن المسودة الأولى هي جاهزة بنسبة كبيرة.

س : مواضيع رواياتك، هل تفرض نفسها عليك أم أنت الذي تبحث عنها ؟

ج : أشتغل على تيمات متعددة في كل رواية على حدة، و ذلك داخل تيمة كبرى تكون هي الخيط الناظم للتيمات الأخرى, هكذا أحاول البحث عن قصص تجعلني متشبتا  بالتيمتين الأساسيتين اللتين أشتغل عليهما و هما  بتفصيل :

-          كيفية مجابهة الإنسان لتقلبات السياسة و سطوتها عليه بل و اجتياحها له.

-          التسامح سواء الديني أو العرقي

-          مناقشة التيمات الأخرى كتطور الذهنيات

-          التراجعات القيمية، الطغيان، انتصار الإنسان على الإيديولوجيا...

س :  بالنسبة للشعر ، كيف تنتقي مواضيعك الشعرية ؟

ج : المعيش اليومي أكثر شاعرية من الشعر نفسه لكن إيقاع الحياة السريع لا يجعلنا ننتبه إلى شاعرية اليومي، كأن نجلس في مقهى أو نشتم أريج وردة أو نعلن رفضنا للهمجية المحيطة بنا. و الشاعر دوره أن ينتبه لهاته الشاعرية و يعبر عنها.

س : ما هي التقنية التي اشتغلت عليها في كتابتك و هل خدمتك هذه الأدوات في روايتك ؟

ج : في رواية محجوبة اشتغلت على مجموعة من التقنيات :

-          الحكي عن طريقة الفلاش باك

         الهذيان  le délire

-          وجود أكثر من راوي

-          و غيره

هذه التوليفة و إلى حدود الساعة و من خلال الردود الأولية لبعض القراء كانت إيجابية. حقيقة كنتُ متخوفا من استعمال تقنيات متعددة  داخل رواية واحدة و أتمنى أن أستمع إلى رأي النقاد في هذا الموضوع.

س : إبراهيم حريري كاتب و شاعر، أما من مُلهم في حياة هذا المبدع ؟

ج : جني الإلهام كما كانت تقول العرب قديما يزورني أنما شاء و أنا عبده الطيع. و ربما أكثر شيء يلهمني هو الحب الذي أحسه  لامرأة و من طرفها، و كما قلت في الإهداء لا تزال كلمات الحب في حقها عصية.

س : نحس من خلال الروايتين بأن الأحداث مستوحاة من الواقع خاصة أن رواية " محجوبة" تعلن منذ البداية أن الأحداث تنهل من الواقع، هل هي قصص واقعية لأن القارئ أحيانا يضيع بين الواقع و الخيال في الروايتين ؟

ج : في الروايتين معا، العمود الفقري للأحداث هو واقعي. ففي شامة أو شتريت " مثلا المرأة واقعية مضاف إليها كثير من الخيال. و في رواية " محجوبة " شخصية " الفقير سعيد " و شخصية "محجوبة" واقعيتان بكل تفاصيل معاناتهما غير أنهما في الواقع منفصلتان و في الرواية متصلتان بفعل أبوة فرضتها على محجوبة كشخصية روائية منتسبة للفقير سعيد. طبعا أن أنجح في خلط الواقع بالمتخيل هو منتهى طموحي ككاتب.  حيث أنني لا أحكي التاريخ كمؤرخ مهووس بالتاريخ كما هو بل و باعتباري كاتبا أمتلك الحرية لأزيد و أنقص مع ما يتناسب من أفكار أحاول طرحها.

س : و أخيرا، ما هو طموح الكاتب إبراهيم  حريري و ما هي أحلامه بالنسبة للمجال الأدبي؟ و ما هي الأزمات التي يمكن أن تعيق طريق الإنسان المثقف ؟

ج : أكبر أزمة يمكن أن تعيق المثقف هي ما نعيشه الآن حيث الأحداث التاريخية الآنية تمضي بجنون نحو الهاوية و ليس للمثقف أي دور للجمها أو للتأثير على صيرورتها الجنونية. و هنا أيضا يكمن طموح أي كاتب أن يساعد الإنسان على عدم السقوط في براثين الهمجية التي تترصدنا بأسماء تبدأ بالدين و لا تنتهي بأي شيء. أشير طبعا إلى دواعشنا الكثر.

 

 

طاقم ماروك بوست / مكتب المغرب