اعتبر وزير الخارجية الاميركي جون كيري الثلاثاء ان "عواقب" ستترتب على عدم التزام نظام الرئيس السوري بشار الاسد بالوقف الجديد لإطلاق النار الجاري النقاش حوله بين واشنطن وموسكو وخصوصا في حلب بشمال سوريا.

وقال كيري للصحافيين في مقر وزارة الخارجية الأميركية "في حال لم يلتزم الاسد بذلك فستكون هناك بشكل واضح عواقب يمكن ان تكون احداها الانهيار الكامل لوقف اطلاق النار والعودة الى الحرب" في سوريا.

واضاف كيري العائد من جنيف حيث حاول الاثنين انقاذ اتفاق وقف الاعمال القتالية في سوريا الذي بدأ تنفيذه نظريا في 27 فبراير/شباط، لكنه بات مهددا بشكل خطير، "لا اعتقد ان روسيا تريد ذلك. لا اعتقد ان نظام الاسد يمكنه الاستفادة من ذلك".

ومن دون ان يكون اكثر وضوحا، اشار كيري الى "عواقب اخرى تتم مناقشتها، لكن المستقبل هو الذي سيحددها".

وتابع الوزير الاميركي "حاليا نبذل جهودا حثيثة في محاولة لتنفيذ هذا الامر (وقف اطلاق النار) بهدف حماية حلب"، في اشارة الى مشروع الهدنة الجديدة الذي يتم التفاوض في شأنه حاليا بين واشنطن وموسكو.

وفي وقت سابق الثلاثاء، اعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اثر اجتماعه مع الموفد الاممي الى سوريا ستافان دي ميستورا في موسكو، عن امله بإعلان وقف للأعمال القتالية في مدينة حلب حيث اسفر القصف المتجدد عن سقوط 19 قتيلا.

وبالتزامن مع ذلك طلبت فرنسا وبريطانيا اجتماعا عاجلا لمجلس الامن الدولي حول حلب، وفق ما اعلن سفيراهما الثلاثاء.

واذ اكد ان "حلب تحترق"، اعتبر السفير البريطاني لدى الامم المتحدة ماثيو رايكروفتيل انه ملف ذو "اولوية قصوى".

وفي مؤتمر صحفي مشترك مع دي ميستورا، قال لافروف عن وقف اطلاق النار "آمل أن يتم الاعلان عن مثل هذا القرار في وقت قريب، ربما حتى في الساعات القليلة المقبلة".

مركز تنسيق روسي أميركي

واضاف ان "المحادثات بين عسكريين روس واميركيين في شأن اعلان وقف اطلاق النار في مدينة حلب تنتهي اليوم (الثلاثاء)"، مشيرا الى انه "سيتم خلال الايام المقبلة في جنيف انشاء مركز تنسيق روسي - اميركي للتدخل السريع في حال خرقت الهدنة".

واشاد دي ميستورا الذي التقى الاثنين وزير الخارجية الاميركي جون كيري، بالهدنة التي رعتها موسكو وواشنطن ووصفها بأنها "انجاز ملحوظ"، داعيا في الوقت ذاته القوتين العظميين لأن تقدما "لنا جميعا المساعدة لضمان عودة هذه العملية الى مسارها".

ورعت موسكو وواشنطن اتفاق وقف الاعمال القتالية الذي شهد خروقات متتالية تصاعدت خطورتها منذ 22 ابريل/نيسان في مدينة حلب، عاصمة سوريا الاقتصادية سابقا.

واسفر التصعيد العسكري في شطري حلب المقسومة بين النظام والمعارضة خلال 12 يوما عن مقتل اكثر من 270 مدنيا بينهم نحو 50 طفلا، بحسب حصيلة للمرصد السوري لحقوق الانسان.

اجتماع في برلين

وفي برلين، اعلنت وزارة الخارجية الالمانية ان بلادها ستستضيف الاربعاء اجتماعا يضم دي ميستورا والمنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات الممثلة لأطياف واسعة من المعارضة السورية رياض حجاب ووزيري الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت والالماني فرانك فالتر شتاينماير.

وقالت الخارجية في بيان "ستركز النقاشات على كيفية ايجاد الظروف الملائمة لاستمرار مفاوضات السلام في جنيف وتهدئة العنف وتحسين الوضع الانساني في سوريا".

وقال ايرولت "ما يحصل في حلب لا يمكن تحمله ينبغي القيام بكل شيء لعودة وقف اطلاق النار، كل يوم يمر هو خسارة".

ميدانيا، قصفت الفصائل المقاتلة المعارضة ليل الاثنين- الثلاثاء بشكل كثيف الاحياء الغربية الواقعة تحت سيطرة قوات النظام في حلب، وبينها الموكاكبو والمشارقة والاشرفية وشارع النيل والسريان.

واسفر القصف عن مقتل 16 مدنيا واصابة 68 اخرين، بينهم ثلاث نساء جراء قذيفة صاروخية استهدفت مستشفى الضبيط للتوليد في حي المحافظة، وفق ما افادت وكالة الانباء الرسمية (سانا).

من جهته، تحدث المرصد السوري لحقوق الانسان عن 19 قتيلا ونحو 80 جريحا في الاحياء الغربية.

واصيبت ستة مستشفيات على الاقل في القصف في الجهتين الشرقية والغربية للمدينة خلال الايام الاخيرة.

وطالب مجلس الامن الدولي الثلاثاء جميع الاطراف المتحاربة بحماية المستشفيات والعيادات الطبية وذلك في قرار تبناه بالإجماع واشار الى الزيادة المقلقة للهجمات على العاملين الطبيين في مناطق النزاع في انحاء العالم.

وتعرضت الاحياء الشرقية الواقعة تحت سيطرة مقاتلي المعارضة الاسبوع الماضي لغارات جوية مكثفة نفذتها قوات النظام اوقعت عشرات القتلى بين المدنيين واثارت تنديدا دوليا.

واستأنفت الطائرات الحربية السورية ظهر الثلاثاء قصف الاحياء الشرقية، وبينها الشعار والصاخور والهلك.

وكانت الاحياء الشرقية شهدت هدوء طوال الليل وخلال الصباح قبل ان تتجدد الغارات.

واعلن الجيش السوري في بيان ان من سماها "المجموعات الارهابية المسلحة من جبهة النصرة وأحرار الشام وجيش الاسلام وغيرها من التنظيمات الارهابية الاخرى قامت بهجوم واسع من عدة محاور في حلب"، وان "قواتنا المسلحة تقوم حاليا بصد الهجوم والرد المناسب على مصادر النيران".

وأكدت مصادر وقوع معارك عنيفة على محاور حي جمعية الزهراء في غرب حلب.

اليد العليا ليست للنصرة

وتبرر دمشق وموسكو تكثيف العمليات العسكرية في حلب بوجود جبهة النصرة ذراع تنظيم القاعدة في سوريا وهي غير مشمولة بوقف اطلاق النار، مثلها مثل تنظيم الدولة الاسلامية.

لكن مدينة حلب كانت مدرجة بين المناطق المشمولة باتفاق وقف الاعمال القتالية لدى الاعلان عنه.

ووفق المرصد السوري، فان "اليد العليا في مناطق المعارضة ليست لجبهة النصرة برغم وجود مقاتلين منها في المنطقة"، لكنها لا تسيطر على الاحياء الشرقية.

يهدد القتال في حلب بهدم أول محادثات سلام تشمل الأطراف المتحاربة والتي من المقرر أن تستأنف في موعد غير محدد بعد أن انهارت في ابريل/نيسان عندما انسحب وفد المعارضة.

وتعمل واشنطن وموسكو لمد الهدنات المحلية إلى حلب لكنها لم تستطع حتى الآن عمل ذلك رغم أن الجانبين عبرا عن تفاؤلهما بإمكانية تحقيق ذلك.

واضطلعت الولايات المتحدة وروسيا بالأدوار الرئيسية في الجهود الدبلوماسية منذ انضمت موسكو إلى الحرب في سبتمبر/ايلول 2015 بحملة جوية ساهمت في ترجيح كفة حليفها الرئيس السوري بشار الأسد.

وتقول واشنطن شأنها شأن قوى غربية وإقليمية إنه ينبغي رحيل الأسد. وقال البيت الأبيض الاثنين إن الحكومة السورية بحاجة للوفاء بالتزاماتها في وقف إطلاق النار.

وأدت الحرب إلى مقتل مئات الآلاف وشردت الملايين وأحدثت أسوأ أزمة لاجئين في العالم ووفرت أيضا قاعدة لمتشددي تنظيم الدولة الإسلامية الذين شنوا هجمات في أكثر من مكان.

وتعثرت كل الجهود الدبلوماسية الرامية لحل الأزمة بسبب الخلاف على مصير الرئيس السوري الذي يرفض مطالب المعارضة بالرحيل عن السلطة.

ولا تزال حلب أكبر مكافأة تسعى لها القوات الموالية للأسد التي تأمل في السيطرة الكاملة عليها ويضم ريف حلب المجاور آخر قطاع من الحدود السورية التركية لا يزال تحت سيطرة الدولة الإسلامية.

وتتهم المعارضة الحكومة بتعمد استهداف المدنيين في المناطق الخاضعة لها في حلب بهدف إخراجهم منها، بينما تقول الحكومة السورية إن المعارضة تقصف بكثافة المناطق الحكومية وهو ما يثبت أنها تتلقى أسلحة متقدمة من داعمين أجانب.