أعلنت الأمم المتحدة، عبر نائب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أن المنظمة الأممية تعمل حاليا من أجل تقديم مقترح رسمي قصد استئناف المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو بغية التوصل إلى حل مقبول للطرفين بخصوص قضية الصحراء، ملمحا إلى إمكانية قيام المبعوث الشخصي للأمين العام بزيارة ميدانية للأطراف المعنية.

المبادرة الأممية تأتي في سياق ما يبدو عودة للهدوء النسبي إلى العلاقات بين المغرب والأمانة العامة للأمم المتحدة، بعد توتر غير مسبوق في العلاقات بين الطرفين نتج أساسا عن تصريحات للسيد كي مون حول قضية الصحراء المغربية، اعتبرتها المملكة انحيازا فاضحا للأطروحة الانفصالية. وضع رد عليه المغرب، في خطوة تصعيدية، بطرد أعضاء المكون المدني للمينورسو.

ورغم أن الدعوة إلى استئناف المفاوضات بين المغرب والجبهة الانفصالية تعتبر إحدى التوصيات الصادرة عن مجلس الأمن، فإن هذه التوصية لا تعدو أن تكون مناورة أخيرة من جانب السيد كي مون، من أجل التغطية على فشله الذريع في تدبير ملف الصحراء، ومحاولة إعطائه دينامكية جديدة، بعد المأزق الذي وصل إليه في أعقاب انحيازه الواضح للجهات الداعمة للأطروحة الانفصالية.

وبعيدا عن نظرية المؤامرة تجاه كل ما يتعلق بمواقف السيد كي مون، فقرار مجلس الأمن ذي الصلة لم يتضمن فقط هذه التوصية، ولا التوصية المتعلقة بتنظيم مؤتمر المانحين لمحتجزي تندوف، والتي سارع هذا الأخير أيضا إلى المطالبة بتفعيلها، فقد تضمن القرار الأممي المذكور توصيات أخرى أزعجت كثيرا الأطراف المناوئة للموقف المغربي، خاصة الطرف الجزائري، ولعل من أبرزها المسارعة بإجراء إحصاء لمحتجزي تندوف. فقد نص قرار مجلس الأمن رقم 2285، على التوصية بذلك للمرة الخامسة على التوالي، دون أن تحرك الأمانة العامة للأمم المتحدة ساكنا لتفعيلها.

كيفما كانت طبيعة المقترح الجديد الذي ستتقدم به الأمم المتحدة، والذي من المتوقع أن يحمل حلولا مبتكرة لاستئناف هذه المفاوضات، لا يمكن لأشد المتفائلين في الدبلوماسية المغربية أن يتصور أن الأمانة العامة في صيغتها الحالية ستضع مقترحا مماثلا لإلزام الجزائر بإجراء إحصاء لمحتجزي تندوف. وبالتالي، وفي سياق دبلوماسية الحزم، يتعين على المغرب أن يضع تنفيذ التوصية المتعلقة بإحصاء محتجزي تندوف شرطا مسبقا لاستئناف المفاوضات في قضية الصحراء، وذلك بغض النظر عن مضمون المقترح الذي جاء في الوقت بدل الضائع. مقترح نعتقد جازمين بأنه لن يكون سوى آلية تضمن استمرارية الضغط على المغرب حتى يتولى الفريق الأممي الجديد مسؤوليته على رأس الأمانة العامة للأمم المتحدة.

لقد شكلت المفاوضات بين المغرب والجبهة الانفصالية على الدوام مجرد مسرحيات هزلية لإعطاء الانطباع للمنتظم الدولي بوجود أمل في إيجاد حل للنزاع. ولم يثبت بالمرة أن هذه المفاوضات المباشرة قد حققت أي اختراق في اقتراح حل عملي للنزاع. التقدم الوحيد والأوحد الذي تم تحقيقه تم بمبادرة فردية وإرادية من الجانب المغربي، ويتمثل في مبادرة الحكم الذاتي سنة 2007. وربما سيشكل المقترح الجديد التفافا على المقترح المغربي، بعدما غابت الإشادة به لأول مرة في قرار مجلس الأمن رقم 2285.

وعلى هذا الأساس، فلا ضير في تأجيل عقد المفاوضات المباشرة أو عدم إجرائها بالمرة، إذا ما تشبث المغرب بالفعل بإجراء إحصاء لمحتجزي تندوف، كشرط مبدئي للموافقة على الدخول في مفاوضات جديدة، بناء على مقترح لن يقدم ولن يؤخر في مسار النزاع المفتعل. وفي هذا الظرف بالذات، نعتقد بأن هناك خمس مسوغات رئيسية تجعل من الربط بين التوصيتين مكسبا استراتجيا للمغرب قي ظل المقاربة الجديدة لدبلوماسية الحزم.

المسوغ الأول ذو بعد دولي، ويتعلق باستغلال الضغوط الدولية التي تمارسها كل من الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوربي على الجزائر من أجل السماح بإجراء إحصاء سريع لمحتجزي تندوف. بخصوص الطرف الأول، فقد أصدرت الحكومة الأمريكية قانونا ملزما في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2017، يقضي بإلزام الجزائر بالانخراط في عملية إحصاء المحتجزين في مخيمات تندوف. وكيفما كانت خلفيات القرار الأمريكي، فإنه سيكون فرصة مواتية للدبلوماسية المغربية لإحراج الجزائر. بخصوص الإتحاد الأوربي، وبعد صدور تقارير عن المكتب الأوروبي لمكافحة الغش الذي أكد وجود اختلاسات ممنهجة ومنتظمة يقوم بها قادة جبهة البوليساريو بدعم لوجيستي وتنظيمي من قبل الجزائر، أكد البرلمان الأوروبي بدوره على ضرورة المسارعة بإجراء إحصاء للمحتجزين داخل المخيمات.

المسوغ الثاني للطرح الذي نقدمه يمثل حلقة الوصل المباشرة بين التوصيتين المشار إليهما. فإجراء إحصاء لمحتجزي تندوف سيضع مصداقية وشرعية الوفد المفاوض باسم الكيان الانفصالي أمام المحك الدولي، من خلال الإعلان عن العدد الحقيقي لساكنة تندوف، وذلك إذا ما استطاعت عملية الإحصاء أن تميز بالفعل بين عناصر الجيش والاستخبارات الجزائرية المرابطة بتندوف ومحيطها، وبين مواطني بعض دول الساحل والصحراء الذين تم استقدامهم إلى المخيمات. والكشف عن العدد المتبقي من المغاربة المحتجزين ذوي الأصول الصحراوية، سيشكل مهزلة كبيرة للوفد الذي من المفترض أن يذهب للمفاوضات باسم ساكنة المخيمات، كما سيشكل أيضا انتكاسة لأكذوبة الجزائر التي تطالب بحق ما تعتقده شعبا في تقرير مصيره.

المسوغ الثالث للربط بين التوصيتين ذو بعد إنساني وأمني. فمن الناحية الإنسانية، لم يعد المجال ممكنا للسكوت عن الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها النظام الجزائري في مخيمات تندوف. فعملية الإحصاء ستكشف لا محالة عن الواقع الإنساني المرير الذي يعيشه سكان المخيمات، وسيتسبب في إحراج كبير لمسؤولي الأمم المتحدة الذين تماطلوا في تفعيل هذا القرار الأممي.

من الناحية الأمنية، فالمؤكد اليوم، وحسب التقارير الدولية التي تصدر تباعا، أن الجزائر تتستر داخل مخيمات تندوف، في خرق فاضح لكل الاتفاقيات الدولية، على بؤر كبيرة لكل أنواع الجريمة المنظمة، بما في ذلك التهريب والاتجار بالبشر والأسلحة، بالإضافة إلى التلاعب في المساعدات الإنسانية. كما أن عملية الإحصاء من شأنها أن تؤكد بالفعل أن مخيمات تندوف أصبحت قاعدة خلفية للأعمال الإرهابية، وتشكل خطرا على كل دول الجوار بما فيها الدول الأوربية. عملية الإحصاء، وفق الطرح المغربي والأممي، ستعري هذا الواقع الخطير في أفق اجتثاث العناصر الإرهابية، وربما هذا ما جعل الإدارة الأمريكية تبادر إلى الضغط على الجزائر لإجراء الإحصاء.

المسوغ الرابع يتعلق بالجهود الدبلوماسية التي يبذلها المغرب لمنع انعقاد مؤتمر المانحين لمحتجزي تندوف، المقترح الذي تقدم به الأمين العام للأمم المتحدة في سياق شد الحبل مع المغرب، ويدافع عن عقده قبيل مغادرة مكتبه بالأمانة العامة للأمم المتحدة. تشبث المغرب بعملية إحصاء قاطني تندوف يشكل ورقة رابحة من أجل وأد هذا القرار. ورغم أن السيد كي مون لم يتمكن، إلى حد الساعة، من عقد المؤتمر كما كان مقررا له في يوليوز الماضي، فإن هذا المؤتمر مازال يستمد مشروعيته من قرار مجلس الأمن رقم 2285.

المسوغ الخامس ذو بعد استباقي. فبعد أشهر قليلة من الآن، هناك لاعبين رئيسين في ملف الصحراء سينهيان مهامها الدبلوماسية بصفة رسمية ونهائية، الأمانة العامة للأمم المتحدة برئاسة كي مون والإدارة الأمريكية برئاسة أوباما. ولعل الكل يجمع على أن القاسم المشترك بين الطرفين كونهما أضرا كثيرا بموقف المغرب في مسلسل النزاع حول الصحراء. وبالتالي فاستئناف المفاوضات، ورضوخ المغرب للمقترح الجديد الذي سيقدمه الأمين العام المنتهية ولايته، وبإيعاز من إدارة أوباما، سيجعل موقفه ضعيفا أمام الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، وسيجعل من مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب مقترحا غير ذي جدوى.

وإذا كان الرهان كبيرا اليوم على إجراء إحصاء لمحتجزي تندوف في ظل هذه المسوغات الخمسة، فالرهان الأكبر يتعلق بالصرامة والمصداقية التي سيتم بها تنفيذ هذا القرار الأممي. وفي هذا الإطار، نؤكد على وجود تحدين رئيسين أمام كل من المغرب والمنتظم الدولي لتحقيق هذا الهدف. التحدي الأول يتعلق بتجربة الجزائر في شراء الولاءات والضمائر عندما يتعلق الأمر ببعض الأفراد المحسوبين على المنظمات الدولية التي تعنى بالقضايا الدولية وحقوق الإنسان، خاصة في كل ما يتعلق بملف الصحراء. التحدي الثاني يتمثل في المناورات التي من المتوقع أن تقوم بها الجزائر من أجل تغيير ملامح الواقع على أرض تندوف، خاصة في ما يتعلق بترحيل السجناء والمعتقلين إلى مدن الجزائر الجنوبية، وتجنيد مواطنين جزائريين للعب دور الساكنة، بالإضافة إلى التفاوض مع الإرهابيين والمهربين من أجل مغادرة المخيمات إلى حين الانتهاء من عملية الإحصاء. وهنا نعتقد بأن المغرب، وبتنسيق مع حلفائه الإستراتيجيين، قد أعد العدة لمجابهة كل هذه المناورات الجزائرية.

إذن، التشبث بالحكم الذاتي كأقصى حل يقدمه المغرب، والحفاظ على توهج المقترح كحل واقعي وجدي وذي مصداقية، عدم استقبال السيد كريستوفر روس بالمغرب في إطار الإعداد للمقترح الجديد، عدم استئناف المفاوضات مع الجبهة الانفصالية في الوقت بدل الضائع لولاية السيد كي مون، التشبث والدفاع عن عملية إحصاء ساكنة تندوف في كل أبعادها الإنسانية والأمنية والإستراتيجية، عدم الحسم في عودة المكون المدني بصفة كلية في المرحلة الأخيرة لولاية السيد كي مون، كل هذه القرارات تمثل، في اعتقادي، الأرضية الصلبة التي من المفروض أن تشكل القواعد الجديدة لبناء العلاقة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وكذا مع الفريق الجديد للأمم المتحدة. أرضية إن تم اعتمادها بشكل فعال، سنجزم آنذاك بأن المغرب قد أرسى بالفعل دبلوماسية الحزم في ملف الصحراء المغربية