كنتُ ولا أَزالُ أعتقدُ أنَّ العلمَ هو سبيلُ هذه الأمة للنهوض من سُباتها الذي امتدَّ على قرون. لكني كذلك على يقين بأن المسألة جد صعبة ومُعقَّدة غاية التعقيد. فنحنُ كعربٍ لا نشبِهُ من قريبٍ أَو بعيد قوم اليهود أو النصارى في عقلياتهم. وكثيرا ما رأيتُ أننا لسنا مسلمين بما تعنيه الكلمة في عُمقها. فالإسلام دين بسيطٌ للغاية.فهو يتكون من خمسة أركان.والركن الأول منه ليس فيه مشقة أو عناء،وإنما هو جملتين يرددهما المرءُ مع شيء من الصدق والخشوع. والركن الخامس ليس فرضا إجباريا وإنما حسب الاستطاعة،ثم بالإمكان نسخُهُ بأعمالٍ إنسانية في المجتمع الذي تعيشُ فيه. إذن،ليس هناك إلا ثلاثة أركان هي الفصلُ والحكمُ والصِّراطُ المستقيم للفوز بالحياة الدنيا والآخرة وهم الصلاة والزكاة والصوم. وأنتَ قد تُلاحظُ مثلي أن شريحة كبيرة في المجتمعات الإسلامية لا تُطبِّق تطبيقاً حرفياً هذه الأركان الثلاثة.

ففي مجتمعنا مثلا،فنسبة زبناء الحانات ومراكز الميسر أضعاف نسبة المصلين. ولا تسألْ عن صلاة الفجر؛فليس هناك من سيدعُ الفراش للقيام بها. ثم هناك أنَّ بيع الخمور ورهانات الميسر وربا القروض البنكية هي من دعائم اقتصاد البلاد ودخل خزينة الدولة.فسياسة الحكومات تهتم بالدرجة الأولى بهذه القطاعات لأنها قطاعات حيوية ومنتجة.أما أن تهتم بالشأن الإسلامي فهذا لا يدخل مجال اختصاصها لأن ذلك الشأن عقيم ولا يُدِرُّ أيَّ مدا خيل على الخزينة. فالخمر والميسر والربا حرامٌ نظريا وفي التطبيق تبقى حرية اتخاذ القرار في شباك كل فرد. بالنسبة للركن الثاني، فالأغنياء لا يُخرجون الزكاة.وقلَّةٌ من يفعلون. والركنُ الثالث،بإمكانك أن تقوم بإحصاء لدى أطباء المجتمع لتجد أن الشواهد الطبية التي مُنِحت لأجل الإفطار بافتعال وجود أمراض لا تُحصى.أما عن ذوي الثروات الذين يُهاجرون خلال هذا الشهر لقضائه في دول غربية حتى يتسنى لهم الإفطار بكل حرية فحدثْ ولا حرج. من هذا الطرح يتبين لنا أن الكثير يتقمصون مظهر الإسلام دون أن يكونوا بصحيح العبارة مسلمين.

أما في الدول الغربية أو الدولة الإسرائيلية فنسبة الذين يؤمون الكنائس والأديرة ويقومون بالطقوس والقُدّاسات فهي جد مرتفعة.فالتطور العلمي والتكنولوجي الذي حصل في مجتمعاتهم لم يؤثر بأي شكل من الأشكال على معتقداتهم الدينية وسلوكاتهم الروحانية.وما عليك إلا أن تُتابع الأفلام التي يُنتِجها الغرب وسترى بأم عينك مدى الاهتمام المُبالغ فيه بالدين المسيحي أو العبري؛في حين أنه عندنا ليس هناك أي تحسيس في الأفلام بالدين الإسلامي. نحن نتحدث عن هذا الدين البسيط الذي ترعرعنا بين أحضانه من قبل أن تظهر هذه الطوائف المتشددة وهذه العنصرية الإرهابية ضد الآخر.فهو لا يتطلب التعمق والبحث والتفصيل حتى يمكن لنا أن ننعم بالحياة وفي الآن نفسه نهيِّءَ أنفسنا للآخرة. إذن،ليس من المستحسن أن نصف أنفسنا بالمُسلمين أو المؤمنين لأننا لا نفعل أي شيء يُطابق ما يجبُ أن يكون عليه المسلم.

وليس الإسلام في المظاهر وإنما بالأعمال.وهذه الأعمال سهلة ويسيرة. ولكي نستطيع أن ننهض،فعلينا أن نقوم بشيئين؛أولهما أن نطلبَ العلم وثانيهما أن لا ننفصل عن هويتنا الإسلامية كما فعل الغرب.أما عن مسألة العلمانية والإلحاد فتلك إيديولوجية ابتكرها الغرب لتضليل المثقف العربي حتى يجعل بينه وبين دينه برزخا. أما عن هؤلاء الذين غالوا في الدين ووضعوا فيه ما ليس منه في شيء،فأولئك هم فئة من القوم لم يعرفوا الدين حقَّ معرفته. فالدين هو نصوص تراتبية متعاقبة بعضها يمحي لبعض أو يحسِّنه أو يزيدُ فيه.لكن آخر ما نزل فيه صياغة مُبيَّنة لمن أراد أن يكون إنسانا صالحا وهو أن لا إكراه في الدين؛وأن الدين اكتمل ولم يعد في حاجة إلى زيادة أو نُقصان...لكن أكثر الناس لا يعقلون



عبد الفتاح عالمي