“تمسكوا بالمقاومة واستعيدوا الثقة” الرئيس

أورد ميس نرحاج نسلام البوخلوفي الورياغلي وقائد انتفاضة الكرامة لسنتي 1958-1959 في كتابه القيم المنشور سنة 1971بالقاهرة عن الرئيس والمعنون : ” عبد الكريم الخطابي وحرب الريف” المقولة التالية للرئيس:

“يجب أن تكون لدينا الشجاعة لنعترف على اساس ادراك واقعي بأن الاستعماروالمستعمرين لم يدخلوا بلادنا ونحن أقوياء بالاتحاد والتضامن. انما هم جاؤوا بعد أن كنا ضعفاء، انحلت أخلاقنا وتحللن نظمنا وتبعثرت قومياتنا، وتفرقنا وتوزعنا كالقطيع كل فريق الى مرعى”

كلام وجيه، يحيلنا الى راهن فعل الواجب الريفي اليوم بالريف ، ويضع الأصبع على الجرح بخصوص ما وصلنا اليه اليوم كريفيين أولا، قبل أن نوجه اللوم لخصومنا ثانيا، اذ كان من المفترض ونحن على بداية ملحمة تاريخية، ملحمة الشهيد الريفي محسن فكري، أن يتحلى الجميع، كل واحد من موقعه بالحكمة والنظرة الوحدوية الجماعية والتضامن ونكران الذات ونبذ الاقصائية وسط فئات المجتمع الريفي بمختلف تنوع أفكاره الثقافية والسياسية والدينية، وطبعا الفئات المصطفة خارج النسق المخزني ومشتقاته بالمنطقة، وكان من المفترض ايضا ان يكون النقد الموجه للحراك هو من أجل الرقي به الى المزيد من التلاحم والقوة عبر مقترحات عملية وجيهة خدمة للأهداف المشتركة العريضة لعموم الشعب ببلاد الريف، افتراضين اساسيين اعتبرهم شخصيا من المسلمات التي يجب الأخذ بهما لانجاح الحراك الشعبي اليوم وليس غدا.

في خمسينيات القرن الماضي تطاحن ميدانيا وسياسيا ” زعيمين” فاسيين ألأول من حزب الاستقلال والثاني من الشورى والاستقلال، وقتها صرح الأول للثاني بما يلي: ” نستطيع أن نختلف ونتطاحن على كل شيىء، الا مصالح فاس فهي خط احمر لنا جميعا “، اصوغ هذا الكلام لأذكر الجميع، أن مصلحتنا اليوم تقتضي وأكثر من اي وقت مضى، التحلي باليقظة والحكمة خدمة لقضايا الريف الراهنة، بروح عالية من المسؤولية والتغاضي عن الاختلافات الماضوية والحزازات الشخصناتية، لأن الريف كفضاء حر اتسع دائما لاحتضان الاختلاف قولا وفعلا، وهذا ما يفسر ظهور البوادر الاولى لترسيخ أسس متينة لحركة جماهيرية للعمل الريفي ومن داخل فئاته الحيوية الشابة، الذي يستفيد ويستنهض مجمل التجارب المشرقة وبدون استثناء لكل القوى الريفية من أفراد وجماعات التي قاومت الاستعمار والمخزن على امتداد العقود الماضية. لذلك فلا يمكن السكوت على درجة الانحطاط والتسلط الذي وصل اليه بعض العناصر الشاذة، التي اتخذت من العالم الافنراض معقلا ونشرثقافة التشكيك والعدوانية والحقارة وتشويه الأشخاص والنيل من خصوصيتهم هدفا، وهكذا تحولت تلك الفئة الهجينة التي مارست نفس اساليب التهجم على الأشخاص وعلى امتداد العشر سنوات الماضية.

للأسف الشديد لا آتي بجديد، اذا قلت، أنه من بين الأسباب الرئيسيسة لموت وضياع الحراك الشعبي بايث بوعياش والنواحي  سنة 2011، كان بالأساس تكالب العناصر المندسة بمحيط الحراك وداخله وتنسيقها اليومي مع عناصر الكوركاس الريفي من جهة ومع القوى الانعزالية بأوروبا من جهة أخرى لتبخيس الفعل البوعياشي وقتها، ولا ننسى هنا التذكير والتنبيه اليوم وقبل فوات الأوان ان نفس الوجوه التي حاربت بحقارة وقتها ظهور العلم السيادي الريفي بأيث بوعياش وامتهنت مهنة التخابر مع المخزن للنيل من الارادات الريفية الحرة بأوربا، نجدها هي نفسها ونفس الأشخاص، المحسوبين على رؤوس الأصابع، من يتحركون اليوم كالخفافيش لتشتيت البيت الريفي، عناصر اسميها دائما بناشطي البازار الفايسبوكي، لذلك فكما اشرت اعلاه، فان معركة الواجب الريفي تقتضي اليوم التحلي بروح الوحدة والمحبة بين الريفيين ألأحرار أولا، والتضامن من قبل ريفي الشتات ثانيا، فالعناصر الانعزالية ابانت للجميع أنها تقتات وتنتعش فقط وسط الفضاءات الافتراضية.

لم تفلح محاولات اقراع طبول فرض الوصايةعلى الريف وعلى الريفيين في اية فترة من الفترات التاريخية، وبالأحرى محاولات البعض ومن خلال الأحزاب المخزنية بنسخها القديمة والمتجددة، امرا يحيل الى سؤال مشروع يراود كل ريفي حر اليوم، وله من الراهنية التاريخية ما يبرهنه ويشرعنه

يفترض ان تكون العودة الى التاريخ، والى تجارب ودور رموز المقاومة الوطنية الريفية وسيلة لامناص منها من أجل وضع اسس متينة لمرتزكات تشكل المرجعية الفكرية والسياسية للعمل الريفي المستقل، لأن التاريخ المعاصر لبلاد الريف ابان انه وفي احلك المراحل التي مرت بها البلاد انه لا يعطي اية شرعية للأ حزاب المخزنية أو الأعيان ولا حتى النظم السياسية المتعاقبة نفسها ، لذلك فلا مناص اليوم من الاصطفاف مع أو خلف يدا في يد مع الشباب الذي يقود الحراك الشعبي ويحمل مشعله من أجل تحصين الاستقلالية له، خدمة للقضايا المصيرية للريف. بالنسبة لي واقولها للتاريخ وبكل صراحة أن ممارسات وافعال اي طرف أو فرد يسعى لتشتيت فعل الحراك الشعبي المستقل بالريف من خلال الارتكان الى الشخصنة وتصفية الحسابات الضيقة الماضوية على حساب قضايا الريف الراهنة أمرا مدانا عندي من أساسه، اذ لا يعقل تقبل مستوى الدونية والعدوانية التي وصل اليها بعض العناصر بممارستهم الغريبة عن أعراف المجتمع الريفي هنا وهناك.

علينا أن نقر سلفا أنه من الطبيعي جدا أن تصدر بين حين وآخر تصريحات أو مواقف متضاربة عن ذاك الطرف أو ذاك ، قد نختلف معها أو نتفق معها وبالخصوص الجانب المتعلق بالحقوق الريفية وليس المطالب، فشخصيا أتحفظ على كلمة ” المطالب” وتبقى طبعا مطروحة للنقاش، اذ ارى أن القضايا الريفية المصيرية الراهنة لا يمكن أن تختزلها مطالب مؤقتة، فالريفيون ومواطنوا بلاد الريف لديهم دين تاريخي مدخله الحقوق التاريخية على أرضهم، لذلك اعتقد ان العمل على اذكاء الاختلاف الريفي-الريفي ومن داخل الحراك أمرا مهما جدا بعيدا عن الاملاءات والوصايات الخارجية من اي طرف كان، اذ أنه لوحظ ان اغلبية تلك العناصر السالفة الذكر تتجنب ابداء أو تسجيل مواقفها عبر الكتابة المسؤولة وكما عودتنا دائما، لذلك اعتقد أنه آن الأوان وخصوصا أن الحراك مقبلا على ملحمة الاربعينية ان ندرك جميعا ان معركتنا اليوم ضد المخزن أولا وآخرا، وعلينا جميعا وبدون استثناء توجيه طاقاتنا في الاتجاه الايجابي الواسع الذي يتسع لكل الأحرار وبعيدا عن الاقصائية والتخوين والتسويف والمقاسات الايديولوجية البائسة، عملا بشعاري: “اما أن نكون أو نكون، الريف أولا – الريف آخرا” ، لذلك فكل من يغذي شق الصف الريفي اليوم بطريقة أو بأخرى خارج منطق النقد والغيرة البناءة المشتركة لا يخدم في هذا الظرف الاستثنائي الذي نمر به الا خصوم الريف والريفيين، فمن يريد ان يبني ويراكم ويحصن العمل يعرف جيدا مداخله.

كما قلت أعلاه، علينا جميعا اليوم بجدية لترميم الذات وفعل الواجب الريفي من التشوهات المرضية الآنية، في افق العمل المسؤول من أجل انجاح ملحمة أربعيينية الشهيد محسن فكري، التي أتمنى ومن كل الأعماق أن تكون ملحمة تضع ضمن اهدافها الرئيسيية، هدف استعادة وحدة وثقة الريفيين بينهم والتعالي على الحزازات الضيقة، وهو انتصار عظيم بحد ذاته، تلك الوحدة والثقة التي ستؤسس لا محالة لتجربة جديدة للعمل الريفي المستقل عملا بمقولة الرئيس : “تمسكوا بالمقاومة واستعيدوا لثقة”

لم تفلح محاولات اقراع طبول فرض الوصايةعلى الريف وعلى الريفيين في اية فترة من الفترات التاريخية، وبالأحرى محاولات البعض ومن خلال الأحزاب المخزنية بنسخها القديمة والمتجددة، امرا يحيل الى سؤال مشروع يراود كل ريفي حر اليوم، وله من الراهنية التاريخية ما يبرهنه ويشرعنه وهو سؤال تنظيمي بالأساس يتعلق بالاطار التنظيمي الذي سيؤطر العمل الممانع الريفي ويمضي به نحو طرح قضايا الريف المصيرية مجالا وشعبا وبعيدا عن وصاية الآوفاق المخزنية، ذاك التنظيم الذي سيتسع لكل الارادات الريفية الحرة التي تنتسب لمدرسة الرئيس، مدرسة الحرية والمقاومة التي تلتقي قيميا مع كل التجارب الانسانية الاخرى التي ارتقت بشعوبها الى التحرر والرقي بها الى مصاف الشعوب المتقدمة.

ان الزمن الريفي اليوم، محتاج لعمل ومساهمات الجميع أكثر من اي وقت مضى، فالنزيف الذي اصاب الجسد الريفي على امتداد عقود التراجيديا الريفية، أوصلت الكثيرين الى اليأس وفقدان الثقة، اليوم يتبين أن الأجيال الجديدة التي مافتىء البعض يستصغر من دورها ومن حمولة تقاسمها للهم الريفي وقضاياه المصيرية تعلن للجميع وللعالم أنها مازالت على العهد، رغم محاولات حراس المعبد نشر أوهام التغيير وسطها وايضا الهاؤها بشعارات موسمية ابانت اليوم مدى حصانتهم منها، لذلك فكلنا أمل وعاقدون العزم على هذا الجيل النقي الغير الملوث بالتجارب الفاشلة من جهة وكذا تبعات الانكسارات والعذابات التي عاشها الريف ابان العقود السحيقة الماضية، أن يشق الطريق نحو المستقبل بثبات وعزيمة ومسؤولية.

في الأخير لا يسعني التأكيد على أن دواعي كتابة هذا المقال حول هاته الظاهرة لا تستهدف أشخاصا بعينهم بل أبداء الرأي كريفي حر بخصوص هاهه الظاهرة، فليتسع صدر الجميع للنقد من أجل البناء ومن اجل الريف.

 فريد أيث لحسن