علاقة بتصريحكم لأحد المواقع الالكترونية الذي قلتم فيه: "حاولت بكل ما لدي لكي يستمر الهيني في مهنته لكن الأمر خرج من يدي"، وأضفتم: "الهيني كان سيدخل المحاماة دون أن يعلم أحد، ولكن الذين يحومون حوله هم السبب فيما آل إليه".

إن هذا التصريح استفزني كثيرا ليس كرجل قانون ودفاع مؤتمن على الدفاع عن الحقوق والحريات والذود عنها فقط، وإنما أيضا كمواطن له غيرة على سيادة القانون واستقلال القضاء، فالمشكلة ليست في الشخص وإنما في القضية. فالهيني مواطن كسائر المواطنين، وحرصنا على إثارة قضيته في هذه الرسالة المفتوحة هو مرتبط بمدى تطبيق القانون في مواجهته كقضية شغلت الرأي العام الوطني والدولي باعتباره قاض سابق عزل دفاعا عن استقلال السلطة القضائية ولم يعزل عن فساد مالي وأخلاقي، لكنه لم يمتع بضمانات المحاكمة العادلة التي يتمتع بها باقي المواطنين، وهو ما يفسره تصريحكم اليوم.

ويحق لي أن أتساءل مع المتسائلين أين يتجلى دفاعكم عنه لاستمراره في رسالة القضاء، ودفاعه شاهد على مسرحية محاكمته التأديبية؛ بحيث كنتم طرفا وخصما.

السيد الوزير، كان عليكم أن تتحملوا مسؤولياتكم القانونية والأخلاقية لأنكم صرحتم سابقا بأنكم لم تحضروا لمداولاته، وكان من المعيب أن تحقروا ذكاءنا بأن تتلفظوا بما يطعن في قراركم بعزله غير مدركين لخطورته؛ لأن عدم حضوركم يوصم القرار بالبطلان.

والأكثر والأخطر من ذلك هو رمي الكرة دائما بملعب الغير في كل قراراتكم التي يستنكرها الرأي العام. ففي نازلة القاضي فتحي، رميتم كرة النار على الجمعيات المهنية القضائية، وها أنتم اليوم في قضية الهيني رميتم بالكرة في ملعب المحيطين في المنع من الولوج للمحاماة وفي ملعب الملك والمخزن تلميحا في عزله من القضاء، أليست لكم الشجاعة لقول الحقيقة. فإذا كنتم تحمّلون الملك المسؤولية المباشرة لعزل الهيني، فلتخرجوا للرأي العام بتصريح واضح تعلنون فيه براءتكم من القرار؛ لأن اللعب على الحفاظ على ماء وجهكم لا ينفع، كما أن الديوان الملكي مطالب بالتوضيح، لأن الملك هو الضامن لاستقلالية السلطة القضائية.

السيد الوزير،

فيما يتعلق بالشق الثاني من تصريحكم، أود أن أذكركم بأن العدالة شامخة مثل شموخ الحق، ولا نقبل أن تهان بربطها بأمور أو وقائع خارج سياقات موضوع الدعوى. فالقضاء يقضي بضميره والقانون ولا صلة للضمير والقانون بالمحيطين لأطراف الدعوى، وإنه لم يكن ليخطر ببالي أنه سيأتي يوم ليحاكم الناس خارج ساحات المحاكم بشكل يذكرني بالعهود الغابرة؛ حيث كان يحاكم الأشخاص على أساس قبيلتهم وحسبهم ونسبهم ولغتهم ونوع جنسهم ولون بشرتهم ومالهم ومستوى معيشتهم.

وقد رجعت إلى قانون حمو رابي وقانون الألواح الإثنى عشر وقوانين الشرائع السماوية، فلم أعثر على أي قانون أو حكم يؤسس لمحاكمة الناس على أساس محيطهم وأصدقائهم. ويحسب لكم ويسجل في تاريخكم أنكم أصحاب نظرية عدالة أو قضاء المحيط، عدالة لا تعترف بعلوية الدستور والقانون، عدالة القوي ضد الضعيف تحكمها الأهواء والمصالح وفيها يطلب من الضحية الالتزام بالصمت للنجاة والحصول على ما يطلبه.

إنها عدالة لا تعترف بحقوق الدفاع كحق دستوري تضمنه المواثيق الدولية؛ لأن الدفاع مجرم والصمت فضيلة وخيار سحري يعجب أهل الحل والعقد لوزارتكم، ويلغي طرق الطعن والوقوف أمام المحاكم، وحتى في حال ممارستها فالقضاة يكونون في صف من يلتزم الصمت؛ لأنه رجل صالح يؤمن بأن القانون مع غير الغوغائيين الذين يتسلحون بالثرثرة وكثرة الكلام ويكثرون من الاستدلال بالدستور والقانون والاجتهاد القضائي والمواثيق الدولية لكون رفع الصوت على الإدارة أو القضاء جريمة لا تغتفر؛ لأن المطالبة بالتطبيق السليم للقانون بمثابة تحد لا يطيقانه، فالجبن سلاح النصر والخنوع وسيلة لنيل الحقوق والاعتذار يضمن بلوغ الرضى الكامل.

السيد الوزير، إن استقلال القضاء يتنافى مع قضاء المحيط.

السيد الوزير، إن قضاء المحيط هو قضاء وصاية وتحجير ليس على أحكام القضاة فقط بل حتى على شخوصهم.

يمكن أن نقول لكم اليوم وغدا إن قضاءكم وعدلكم تحت اسم عدالة المحيط هو تشريع لدولة السيبة؛ حيث ينعدم القانون ويموت الضمير.

فهل يمكنكم السيد الوزير أن تكشفوا للرأي العام في تصريحكم المذكور عن حيثيات خفية لمحكمة الاستئناف بتطوان، وكأنكم حضرتم المداولة أو وجهتموها عن بعد، بأن قرار إلغاء تسجيله لمهنة المحاماة لم يكن أساسه القانون وإنما محيطه وعدم ركوبه موجة السرية.

فهل خطأ الهيني أنه لم يستشيركم كباقي القضاة مع من يذهب ومع من يجلس ومع من يتنفس ويسافر ويتزوج، ولمن يحكم، ولمن يتزلف، ولمن يشكر، ومن هم أولوا نعمته، فأي شريعة تؤمن بمحاسبة الناس عن أخطاء الغير؟

السيد الوزير، إن القضاء ليس ساحة للعب والمبارزة لهزم مواطن قاض حر ومستقل نشهد له بذلك، فلا هو بالشفار ولا النصاب ولا الخائن ولا بالعميل، عملته التي كان يتقنها هي الجهر بالحق وعدم الخوف فيه لومة لائم.

السيد الوزير، في خاتمة رسالتي أقول لكم إنكم بمقتضى تصريحكم لا تعتقدوا أنكم أهنتم الهيني، فقد اهنتمونا جميعا لأنكم حقرتم القضاء المستقل ومرغتم استقلاليته في الحضيض، وقرأتم السلام على شيء اسمه استقلال السلطة القضائية.

السيد الوزير

*رئيس سابق لجمعية هيئات المحامين بالمغرب