المناسبة شرط، والمناسبة هنا هو اقتراب اليوم العالمي لحقوق الإنسان، ومع اقتراب هذه المناسبة، تتكاثر الأقلام ومعها الحقوقيون المطالبون والمدافعون عن حقوق الإنسان ببلادنا، وعلى رأسها تلك الحقوق المرتبطة بالحريات الفردية.

إن موضوع حرية المعتقد كحق من حقوق الانسان، الذي تركز عليه هذه "الأقلام الحقوقية" مسألة واضحة ومحسومة على المستوى النظري والذي أكدته جميع الشرائع السماوية والوضعية، حيث جعلت المعتقد من الخصوصيات الفردية والجماعية، غايته تغذية الروح والسمو بها بعيدا عن المؤثرات المادية والسياسية، مما يمثل معه المعتقد أحد أسمى المكونات اللامادية في تركيبة الإنسان.

ومما لا شك فيه أن الحديث عن اليوم العالمي لحقوق الإنسان هو حديث عن تراكم لسيرورة تاريخية من المطالب الحقوقية التي رفعها الإنسان الفرد ثم الجماعة في تطورهما وفي علاقتهما ببعضهما البعض على مر التاريخ في سياق تشكل المجتمع من صيغته البسيطة إلى المركبة التي تعتبر الدولة إحدى تجلياته. هذه السيرورة التاريخية التي حملت في طياتها مآسي وحروب اتخذت أوجها مختلفة بين مستويات عدة منها الأهلية والإقليمية والكونية ولعل التاريخ البشري حافل بالأمثلة من مختلف المستويات المذكورة.

إن منظومة حقوق الإنسان كما أعلنها الميثاق العالمي في 10 دجنبر 1948، ما هي إلا انعكاس للمشهد العالمي الذي أفرزته الحرب العالمية الثانية من نظام عالمي جديد فرضته الدول المنتصرة على الأنظمة الشمولية النازية والفاشية .... وبالتالي على باقي دول العالم، من جهة، وإعادة مأسسة المنظمات والمواثيق الدولية من جهة اخرى.     

إن الهدف الأساسي من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وباقي المواثيق الدولية هو ذلك التصور الذي طرحه المنتظم الدولي في محاولة توحيد القانون الدولي وفرض احترامه على مختلف الدول ولتفادي تكرار الحروب والمآسي،  ولكل ما من شأنه تهديد السلم والأمن الدوليين وذلك بالنظر إلى القوة التي أصبحت تمتلكها الدول من أسلحة الدمار الشامل وقنابل نووية وهيدروجينية وبيولوجية ....، حيث لا يُتصور نتائج قيام حروب كونية قادمة في حالة استعمالها.

وفي هذا الصدد، وجب التمييز في مجال العلاقات الدولية بين العلاقات بين الدول و القانون الدولي ، فإذا كان هذا الأخير عبارة عن مجموعة من القوانين والمعاهدات والاتفاقيات والأعراف التي تنظم السلوك الخارجي لمختلف الفاعلين (دول منظمات دولية ...)، فإن العلاقات الدولية تنبني على فلسلفة المنفعة والمصالح المتبادلة، حيث تكون المصالح السياسية للدول حاضرة بشكل قوي بل وأساسي وتعمل في كثير من الأحيان على ضرب كل المفاهيم والمواثيق والمعاهدات الدولية بما فيها معاهدات حقوق الانسان عرض الحائط.

والمغرب كجزء لا يتجزئ من المنظومة الكونية في تفاعلاته وارتباطاته، تعاطى بمسؤولية وبوعي ملموس مع مختلف الحريات الفردية في المجتمع من خلال إقراره واحترامه للمواثيق الدولية باعتباره عضو نشيط في منظمة الأمم المتحدة وباقي المنظمات القارية والإقليمية، وكذا من خلال بلورة هذا الالتزام على المستويين الدستوري والمؤسساتي في تعاطيه مع حقوق الإنسان في سيرورة تراكمية، بعيدا عن المزايدات والضغوطات التي تحاول بعض الدول والمنظمات الدولية أن تفرضها عليه بخلفيات سياسية أو كورقة ضغط.

كما يعتبر المغرب عبر التاريخ من النماذج التي أعطت درسا لمختلف شعوب ودول العالم في مجال حرية المعتقد وتعاطيه مع الأقليات الدينية، من خلال مؤسسة إمارة المؤمنين باعتبارها المسؤولة عن حماية "الأمن الروحي" للمغاربة المتمثل في وحدة الدين الإسلامي ووحدة المذهب والعقيدة من جهة، وضمان حرية المعتقد وحقوق الأقليات الدينية، وما المؤتمر الذي احتضنه المغرب حول "حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية الإطار الشرعي والدعوة إلى المبادرة" بمدينة مراكش نهاية شهر يناير 2016، إلا دليل على التزام وانخراط المغرب في حماية حقوق الانسان في حرية المعتقد والأقليات الدينية.

كما أن الإشكالات المرتبطة بهذا الموضوع لا تنحصر في إطارها النظري فحسب، بل ترتبط بالممارسة الواعية لهذا الحق، فماهي العلاقة القائمة بين حرية المعتقد كشأن فردي أو جماعي، وبين عقد مؤتمرات مشبوهة يكون الهدف منها تغيير التركيبة العقدية لشعوب معينة، أو خلق أقلية دينية جديدة، عبر الاستعانة في ذلك بإمكانيات مادية ولوجستيكية وإعلامية هائلة؟، ولماذا تقوم دولة علمانية بتنصيب نفسها مراقبا وحكما في مجال حرية المعتقد لدى الشعوب الأخرى وإصدار تقارير سنوية تستغل في ابتزاز دول، بل وتبنى عليها سياسات ومواقف؟، وما علاقة حرية الدين والمعتقد في خلق أقليات دينية وتسليحها كمليشيات وجعلها أدوات وخلايا نائمة لزعزعة استقرار دول وخلق فتنة طائفية لدى أخرى، أليس من حق الشعوب أن تعمل على حماية أمنها الروحي لضمان استقرارها الاجتماعي في مواجهة المعتقدات المتطرفة والمنحرفة التي تولد العنف والكراهية، علاوة على حماية أمنها الغذائي والمائي والصحي والمناخي...؟.

 

عبد المنعم الصافي