يعلم الجميع أن لصوص ثورة الشعب الجزائري وثروته دافعوا باسم مبادئ ثورة فاتح نوفمبر 1954 عن تحرر الأفارقة ، وباسم مبادئ ثورة فاتح نوفمبر تحالفوا مع دكتاتور إسبانيا الجنرال فرانكو لتحقيق حلمه قبل موته في صناعة دويلة في الصحراء الغربية تنفيذا لوصيته وتحقيق حلم الاستعمار والصهيونية والامبريالية العالمية للزيادة في تفتيت الدول العربية .

أولا : حكام الجزائر فقدوا صوابهم وشرعوا في طرد الأجانب :

واليوم ونحن في أواخر عام 2016 وبعد تآكل مبادئ الثورة الجزائرية داخليا وبيعها خارجيا في سوق النخاسة الإفريقية طيلة 54 سنة حتى أصبحت ثورة مُبَهْدَلَة ، وبعد انهيار أسعار النفط في السوق الدولية وانتقال الجزائر إلى الـتَّسول أمام الأبناك الدولية والتمرغ أمام أعتاب قصور دول الخليج من أجل بضعة ملايين من الدولارات يسدون بها رمق الشعب الجزائري ، رغم أن سلال قد ترك وراءه صحف الاستحمار الجزائرية  تشتم العائلات المالكة في الخليج العربي !!! ..اليوم ها هي جزائر بوتفليقة وعبد المالك سلال وفي ردة فعل جنونية - ونحن في ديسمبر  2016 - شرعت تحت تأثير الإحساس بالدونية والتخلف الفكري والفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يلاحقها طيلة 54 سنة ، شرعت في طرد آلاف الأفارقة من دول جنوب الصحراء في عمليات يندى لها جبين أحرار الجزائر ( يذكرنا شهر ديسمبر الأسود هذا بأخيه ديسمبر الأسود لعام 1975 حينما طرد بومدين 350 ألف مغربي كانوا يقيمون في الجزائر في عز فصل البرد ، وهذا دليل على أن حكام الجزائر حينما لا يقدرون على مواجهة الأقوياء فإن خصلة الدناءة المتأصلة فيهم تدفعهم للانتقام من العزل الضعفاء )  طردوا الأفارقة والعالم يتفرج بعد أن جمعت السود الأفارقة في معسكرات اعتقال حقيقية بتمنراست قبل ترحيلهم إلى شمال النيجر في ظروف لا إنسانية مات الكثير من جراء قساوة ظروف الترحيل هذه ، وكعادته يتحرك ملك المغرب ويرسل طائرات تلو أخرى محملة بالمساعدات الإنسانية للأفارقة الذين وصلوا شمال النيجر بعد أن طردتهم الجزائر بطرق همجية ، إنه الفعل النبيل الذي يقابل الخسة والدناءة التي طبعت سلوك حكام الجزائر دائما ..

ثانيا  : المحتجزون في تندوف يقولون للأفارقة " أنتم السابقون ونحن اللاحقون "

الصحراويون المحتجزون في مخيمات تندوف طيلة 41 سنة هم كذلك أجانب ، فهل سيلحقون بالأفارقة المطرودين ؟ لم يعد للنظام الجزائري خيار في التخفيف عن مشاكله الكارثية إلا بضرب الآخرين وأولهم الأجانب في الجزائر للتخفيف عنه ، كما أن المصائب التي توالت عليهم جعلتهم يفكرون في أجانب آخرين طال أمد الاحتفاظ بهم في الجزائر وهم ( الصحراويون المحتجزون في مخيمات تندوف ) ولعلهم أطلقوا عملية العد العكسي لإعادتهم  إلى وطنهم الأم المغرب في طبخة على نار هادئة خطط لها جميع أطراف النزاع : الجزائر المغرب موريتانيا جبهة البوليساريو وبموافقة الأغلبية الساحقة من دول إفريقيا وكثير من كبار دول العالم ... لكن كيف ذلك ؟

ثالثا: غرق الجزائر في المصائب حتى أذنيها لا ينكره إلا أعداء الجزائر في الداخل :

(1) الاحتقان الاجتماعي في عموم الجزائر مع انطلاق سياسة التقشف .

(2) الوضع الخطير في غرداية والذي وصل إلى مرحلة اللاعودة

(3) الإضرابات العامة التي تعم البلاد

(4) وفاة الصحفي محمد تامالت بالسجن بعد إضرابه عن الطعام زاد من الاحتقان الشعبي

(5) فضيحة الطرد الجماعي للأفارقة من الجزائر بطرق لا إنسانية

(6) الجزائر الفقيرة تعطي لموريتانيا 400 مليون دولار لتنظيم مؤتمر قمة عربي فاشل

(7) تمرغ عبد المالك سلال أما م أعتاب خادم الحرمين الشريفين من أجل بضعة ملايين .

(8) الجزائر تتسبب في تشتيت المؤتمر العربي الإفريقي بسبب تشبتها بحضور البوليساريو

(9) الجزائر تنظم أفشل تظاهرة اقتصادية إفريقية  تحت شعار " المنتدى الإفريقي للاستثمار والأعمال " فكان مهزلة كارثية بل تحول إلى " حمام جزائري للنساء "

هذا قليل من كثير مما يُعتبر دوافع ذاتية وموضوعية تجعل حكام الجزائر يفكرون جيدا في طرد البوليساريو من تندوف أو العمل على التخلص من ساكنة مخيمات تندوف كحل من الحلول الاستعجالية – ربما - للتفرغ لإنقاذ البلاد من الانهيار التام سياسيا واقتصاديا واجتماعيا

رابعا : إرهاصات جزائرية للتخلص من ساكنة مخيمات تندوف :

بدأت مضايقة ساكنة مخيمات الذل بتندوف منذ مدة طويلة بمحاصرتهم عسكريا في دائرة ضيقة لا يسمح لهم بالخروج منها إلا بتصاريح وبشروط مشددة ، وضاق عليهم الخناق أكثر بعد موت عبد العزيز المراكشي ، وبذلك وبغيره بدأت معالم إخراج الصحراويين المحتجزين بتندوف مثلا :

(1) لما مات عبد العزيز المراكشي كان الجزائريون يسمعون حكامهم يقولون : " طَيَّشْنَا قبرو  في الصحرا الغربية " !!! وكان ذلك فعلا  أول علامة تدل على أن أيام البوليساريو في تندوف أصبحت معدودة ، فقد رَمَوْا قبرَ زعيمهم ( طيشوه )  ودفنوه في قبرغريب في الخلاء لا هو في الجزائر ولا في موريتانيا بل في أرض خلاء في الشريط العازل بين المغرب والجزائر وموريتانيا ، وفي ذلك إشارة رمزية للباقي من البوليساريو ليستعدوا لإفراغ مخيمات تندوف ..

(2) عجز مجلس الأمن عن استصدار قرارات شديدة اللهجة تطالب المغرب بإعادة المكون المدني الذي طرده المغرب بعد زيارة النحس التي قام بها بان كي مون للمنطقة .

(3) في نهاية شهر غشت 2016 تم اختلاق حدث تحت عنوان " المغرب يخرق وقف إطلاق النار في الكركرات " وذلك بسبب تحرك المغرب لتعبيد طريق طولها أقل من 4 كلم بين المركزين الحدوديين الموريتاني والمغربي في منطقة الكركرات ، وقد تبين فيما بعد أنه مجرد ( طَعْم ) لاصطياد البوليساريو والتخلص منه وجَرِّهِ نحو أقصى جنوب الصحراء وتقريبه من مركز حدودي رسمي وهو : " مركز الكركرات " بين موريتانيا والمغرب ...

(4) الجيش الجزائري وبتواطؤ مع عسكر موريتانيا  يدفع البوليساريو إلى تحريك بعض سيارات الدفع الرباعي عبر الشريط العازل  نحو أقصى جنوب المناطق الصحراوية المحادية للحدود مع موريتانيا في منطقة قندهار المعزولة من السلاح قريبا جدا من الجيش المغربي المرابط غرب الجدار الأمني ، وقريبا جدا من مركز الكركرات الحدودي ...

(5) نشر صور لبضعة أشخاص يحملون كلاشينكوف على أنهم من البوليساريو قد اخترقوا الجدار الأمني المغربي في اتجاه المحيط الأطلسي ( وهذا كذب صراح ) !!!!

(6) تبين فيما بعد أن حقيقة الأمر هي أن موريتانيا هي التي سمحت لبضعة أفراد من البوليساريو للعبور إلى البحر عن طريق أراضيها للوصول إلى نواديبو ومنها إلى خرائب لكويرة وهي أرض صحراوية خلاء تحت سيطرة الجيش الموريتاني حسب الاتفاقية الموقعة بين المغرب وموريتانيا بعد انسحاب موريتانيا من وادي الذهب عام 1979 ، ولم يكن هناك أي خرق للجدار الأمني المغربي من طرف بضعة شباب قيل إنهم من البوليساريو يحملون كلاشينكوف..  

(7) مدينة لكويرة هي مدينة من مدن الصحراء المغربية بلا جدال ، وقصة تنازل المرحوم الحسن الثاني عنها للموريتانيين ذكرها المرحوم المختار ولد داده في مذكراته وهي أنه في حالة احتفاظ المغرب بمدينة لكويرة القريبة جدا من نواديبو الموريتانية التي تُعتبر الرئة الوحيد التي يتنفس منها الاقتصاد الموريتاني ، فإن تم ذلك فإن الاقتصاد الموريتاني سيموت نهائيا بموت مدينة نواديبو لأن الاقتصاد المغربي القوي جدا في مدينة لكويرة المغربية سيبتلع نواديبو  الموريتانية ويموت اقتصاد هذه الأخيرة واقتصاد موريتانيا بكاملها ، ويمكن تقصي الأمر وسماع كثير من القصص التي كانت ولا تزال تُحْكى عن ازدهار لكويرة قبل 1979 مقابل الحالة المزرية لنواديبو التي كانت تقتات من مخلفات لكويرة المغربية والتي أصبحت الآن خرابا يبابا ، وهي بمثابة هدية قدمها المغرب للموريتانيين .

(8) تبادل رسائل أكثر ودية بين بوتفليقة وملك المغرب وخاصة منذ رسالة التهنئة التي وجهها بوتفليقة  لملك المغرب بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب في 20 غشت 2016 وما بعدها والرسائل الجوابية لملك المغرب وخاصة رسالة بمناسبة ذكرى اندلاع ثورة فاتح نوفمبر 1954 الجزائرية .

(9) خلو الخطب الأخيرة لملك المغرب من الهجوم على الجزائر واتهامها مباشرة بأنها هي التي افتعلت قضية الصحراء وأن حلها بيد النظام الجزائري .

(10) مؤخرا بوتفليقة يستقبل عبد الحميد الإبراهيمي الذي لا شك أنه طرح عليه حلولا جذرية لإخراج الجزائر من الكوارث والمآزق السياسية والاقتصادية التي وضعت نفسها فيها ، وربما أبلغه بما كان قد صرح به في محاضرته في مدرسة الشرطة بالجزائر حينما قال بصريح العبارة " لا مبرر لاستمرار إغلاق الحدود مع المغرب "...وحينما نقول محاضرة في مدرسة للشرطة فهذه الأخيرة جهاز من أجهزة الدولة الجزائرية من المفروض أن لا علاقة لها بالسياسة لكن الإبراهيمي وجدها فرصة ولو في غير مكانها لإثارة بعض أخطاء النظام الجزائري ومنها العداوة المجانية ( للمَرُّوك ) والتي يمكن أن نتخلص منها بسهولة وفي نفس الوقت ستهدأ النفوس الأمارة بالسوء وستقل نسبة الجريمة .

السؤال هو : ماذا وراء الصمت المغربي والموريتاني من ظهور بضعة أشخاص يحملون  الكلاشينكوف يقال إنهم من البوليساريو يبعثون صورا من شواطئ المحيط الأطلسي ؟

خامسا : هل هو تدبير محكم لتحطيم خرافة الجمهورية الصحراوية الوهمية :

من المؤكد أن قرار تخلي النظام الجزائري عن خرافة " إضافة دويلة للدول المغاربية " جاء في سياق معين وحوادث متواترة كلها تؤدي إلى نتيجة واحدة وهي تخلص الجزائر من هذا الجسم الطفيلي المسمى البوليساريو ، خاصة وأن بوتفليقة قد شرع منذ مدة في انتقاد اختيارات سياسية واقتصادية واجتماعية كان قد اتخذها رؤساء الجزائر قبله ، ومن الأكيد أن تكون فكرة التخلص من البوليساريو الذي كان احتضانه من طرف الجزائر من الأخطاء التي ساهم بوتفليقة بنفسه في ارتكابها وبحماسة لكن جرت الرياح عكس ما تمناه الجنرال فرانكو وبومدين وبوتفليقة وغيرهم وها هو النظام الجزائري برمته يفكر في تفكيك بنية الجسم الغريب الموجود على أرض الجزائر... ( لم تكن خرجة عمار سعيداني بريئة حينما قال إذا تكلمتُ عن قضية الصحراء سيخرج الشعب الجزائري إلى الشارع ) وها هو قد أدى ثمن خرجته تلك ..

(1) نبدأ أولا بملاحظة مهمة جدا وهي السؤال : لماذا لم تفتح موريتانيا سفارة للجمهورية الوهمية بنواكشوط وهي تعترف بها منذ 1984 ؟ يمكن أن نتفهم عدم فتح تلك السفارة أيام حكام موريتانيا السابقين للجنرال ولد عبد العزيز باعتبار تمسكهم بالحياد الإيجابي ، لكن وأن تصل العلاقة بين موريتانيا والبوليساريو في عهد ولد عبد العزيز إلى ما وصلت إليه من متانة ومع ذلك لم تُفتح تلك السفارة فإن الأمر يدعو إلى الاستغراب فعلا  ...

(2) وقعت كل تلك الحوادث التي ذكرناها سابقا ( الكركرات – وصول البوليساريو إلى المحيط بتواطؤ مع موريتانيا وعبرها – لكويرة وما حل بجانبها – حركات وخطب البوليساريو الاستفزازية في منطقة الكركرات ولكويرة الخ الخ الخ ) كل ذلك وملك المغرب لم يقطع زيارة واحدة من زياراته ، فمن روسيا إلى الصين إلى دول شرق إفريقيا وغربها ويوقع عشرات الاتفاقيات لمشاريع استثماراتية اقتصادية ضخمة مع كبار دول العالم والدول الإفريقية المؤثرة في القرارات داخل الاتحاد الإفريقي ، أليس في ذلك ما يدعو للشك فيما يجري في أقصى جنوب الصحراء المغربية شرق الجدار الأمني وداخل الأراضي الموريتانية من حركات بهلوانية لبعض رموز ما يسمى الجيش الصحراوي وملك المغرب مع كل ذلك لم يحرك ساكنا

(3) لنفرض جدلا أن الدعاية الجزائرية وتخاريف البوليساريو التي رافقت ضجة ما يسمى الانتصار العسكري  في الكركرات أنها صحيحة أي إن المسمى الجيش الصحراوي قد حقق نصرا في احتلال الكركرات وبعدها لكويرة ، ألا يدعو ذلك للسخرية من حكام الجزائر وبيادقهم من البولبيساريو مثلا :

* كم هو عدد أفراد الجيش الصحراوي ؟ وما هو عتادهم ؟ وأين يتمركز هذا الجيش بعدته وعتاده في منطقة الكركرات أو في لكويرة؟

* كم هي المسافة التي قطعها هذا الجيش العرمرم انطلاقا من مراكزه القريبة من تندوف التي تَجَمَّعَ فيها طيلة 40 سنة ليصل إلى تخوم الكويرة المغربية وشاطئها على المحيط الأطلسي ؟

* ما هي الوسائل اللوجيستيكية التي رافقت هذا الجيش الصحراوي العرمرم في طريقه حتى يصل إلى احتلال لكويرة ؟

* هل يمكن أن يرى الجيش المغربي عن طريق الأقمار الاصطناعية وراداراته المتطورة جدا ومخابراته المشهود له بها دوليا ويقف مكتوف الأيدي ؟ فبهذه الوسائل المغربية كلها يمكن للجيش المغربي أن يرصد تحركا ضخما لجيش عرمرم ، قد يكون جزائريا أو صحراويا أو موريتانيا أو من المريخ  يشكل تهديدا حقيقيا للجيش المغربي غرب الجدار الأمني ومع ذلك يقف ملك المغرب وجيشه وشعب المغرب مكتوفي الأيدي لا يحركون ساكنا ؟؟؟؟؟؟ هذا شيء مستحيل إلا إذا كان الأمر شيئا آخر ..

سادسا : أكاذيب انتصارات الكركرات هي إعلان عن نهاية جمهورية الوهم :

إن نشر الأكاذيب تلو الأكاذيب حول انتصارات وهمية في الكركرات ولكويرة  ليست سوى خزعبلات تافهة لشرذمة من المُمَثِّلِين الفاشلين أطلقتهم المخابرات الجزائرية عددهم قليل جدا جدا لن يحرك شعرة في رأس قائد فرقة مغربية غرب الجدار الأمني المغربي ، فهل يمكن بهذه الشرذمة إعلان الحرب على المغرب الذي يُعتبر قوة عسكرية حقيقية في المنطقة وليسوا فرقة من الأرانب ؟ إذن لا بد من البحث عن مبررات مقنعة  تجمع هذه المتناقضات :

ملك المغرب وعامة المغاربة لا يعيرون أي اهتمام لتحركات هذه الشرذمة من البوليساريو التي تلهو بتواطؤ مع بعض الموريتانيين على طول الشاطئ ما بين نواديبو ولكويرة فرحين بأخذ صور لهم هناك وكأنهم في نزهة ، فهل العمل على إشعال نار الحرب بين الجزائر والمغرب لعبة من الألعاب الالكترونية  ؟ الجزائر والمغرب يعرفان جيدا ما يجري في سوريا والعراق واليمن وليبيا ولن يجرأ  أحمق من كلا البلدين على جَرِّ الشعبين إلى تدمير البلدين حتى ولو كان الجنرال سعيد شنقريحة الذي يكره ( المَرُّوك ) لدرجة الهوس المَرَضِي ، والجزائر لن تخاطر بأمنها الداخلي وهي تعيش أحلك أيامها الاقتصادية والاجتماعية وتعرف أن الحرب على المغرب لن تزيدها إلا خرابا على خراب قد تضيع فيها أرواح وتحترق فيها أسلحة هي أحوج لها اليوم أكثر من أي وقت آخر ، ثم من أجل ماذا ستدخل الجزائر هذه الحرب ؟ هل من أجل البوليساريو ؟...

إذا استثنينا الجزائر لم يبق سوى الكراكيز من عسكر موريتانيا الذين لم يستطعوا حماية الشعب الموريتاني نفسه من بطش مليشيات البوليساريو في غزوة  نواكشوط في يونيو 1976 التي عربد فيها البوليساريو مع كوماندو جزائري ، وهي الغزوة التي اغتيل فيها مؤسس البوليساريو الولي مصطفى السيد ...وكذلك معركة تشلة في يوليوز 1979 التي انهزم فيها الجيش الموريتاني أبشع هزيمة ... 

لا لا لا لا لا ... لن يقبل إنسان سليم في كامل قواه العقلية أن يستسيغ أن تقوم البوليساريو وحدها بحرب ضد المغرب ، فهذا منتهى العبث أو منتهى الحمق المؤدي إلى الانتحار ...إذن يبقى السؤال المعقول والمنطقي هو : لماذا فتحت الجزائر الطريق للبوليساريو للنزول نحو أقصى جنوب الشريط العازل بين الجزائر والمغرب وبين موريتانيا والمغرب ؟؟

سابعا : هل بدأ العد العكسي لإطلاق سراح الصحراويين المحتجزين بتندوف ؟

لعلكم اطلعتم على خبر في موقع الجزائر تايمز يقول بأن الجنرال بوشعيب عروب قائد المنطقة الجنوبية في الصحراء المغربية " قد أعلن عن قرارات بمثابة ثورة في جهاز الجيش بالمنطقة الجنوبية، وذلك مباشرة بعد التحركات الجزائرية الموريتانية الرامية إلى تنقيل جزء من مخيمات تندوف إلى منطقة الكركرات، حيث أصدر عروب مقررات بأن ثكنات عسكرية سيجري تغيير مقراتها وسيجري نقلها إلى نقط توصف بالسوداء، قريبة من منطقة الكركرات، قرب الحدود مع موريتانيا."... تقريبا نفس الخبر تناقلته مواقع البوليساريو لكن مع أملاح من الأكاذيب الموجهة لساكنة مخيمات تندوف  مثل قولهم :" وتأتي هذه التطورات ( أي تحركات الجنرال عروب ) كرد على الزيارة التاريخية التي قام بها السيد رئيس الجمهورية والقائد الاعلى للقوات المسلحة السيد ابرهيم غالي الى مقاتلي الجيش الصحراوي المرابطين بالكركرات وشواطيء المحيط الاطلسي."  طبعا هم مقاتلون صحراويون بطاقية الإخفاء ..( ومتى أحس الفيل المغربي بنملة البوليساريو ؟) .

إن العاقل المتتبع لتطورات حادثة الكركرات وصور بضعة أفراد قيل إنهم من البوليساريو على شاطئ مجهول يستنتج منه أن الأمر بالنسبة للمغرب لا يعدو أن يكون – في بداية الأمر -  لعب صبيان مراهقين يتفاخرون بنشر صور لهم بعضلات بلاستيكية في استوديو للتصوير ، لكن حينما يصل الخبر إلى استعمال تعبير دقيق جدا يقول : " تنقيل جزء من مخيمات تندوف إلى منطقة الكركرات " فهنا لابد من استحضار التفكير المستمر للشعب المغربي في طريقة استعادة الصحراويين الذين اختطفهم جيش بومدين عام 1975 ورمى بهم في شاحنات واتجهوا بهم نحو خلاء تندوف في أكبر عملية للنصب والاحتيال على المجتمع الدولي ، ومن هناك بدأت عمليات المتاجرة بأرواح الصحراويين المحتجزين في مخيمات الذل والعار بتندوف ، والبقية معروفة .. ثم كيف تلقى الناس خبر عملية تنقيل جزء من مخيمات تندوف إلى منطقة الكركرات ؟

(1) وقف كثير من المعلقين على خبر تحركات الجنرال بوشعيب عروب وكانت جل تعاليقهم تصب في اتجاه كونها تحركات تعتبر علامة من علامات الحرب مع الجزائر أو البوليساريو أو مع موريتانيا أو معهم جميعا ، وأصحاب هذا الرأي  يمكن تسميتهم بالفئة التي تتماشى مع عقلية  القطيع .

(2) وبعض المعلقين انتبهوا للتعبير الذي يركز على أن الجنرال المغربي بوشعيب عروب أصدر مقررات تقول بأن ثكنات عسكرية سيجري تغيير مقراتها وسيجري نقلها إلى نقط توصف بالسوداء، قريبة من منطقة الكركرات، قرب الحدود مع موريتانيا في إشارة للاستعداد لأي تهور من جانب البوليساريو . وهو رأي يمشي كذلك في اتجاه إعلان الحرب على المغرب وهو ما حاولنا الحكم باستحالته في سياق كل ما يجري في المنطقة المغاربية .

(3) لكن ولا أحد انتبه إلى أن يربط تقريب هذه الثكنات العسكرية المغربية إلى منطقة الكركرات وبالضبط للإشراف على بناء مراكز متقدمة في أقصى جنوب الصحراء المغربية لاستقبال وإيواء أكبر عدد من الصحراويين العائدين من مخيمات تندوف إلى وطنهم ، وقد يكون ذلك بتنسيق شديد السرية بين الجزائر والمغرب وموريتانيا والبوليساريو لتنظيم أكبر عميلة للعودة ولتنقيل ساكنة مخيمات تندوف نحو نقطة حددتها السلطات المغربية ويجب أن تكون  نقطة حدود مجهزة بأحدث الآليات التي يجب أن تتوفر في مراكز الحدود الحساسة ، وليس هناك نقطة حدود كانت نشيطة ولا تزال فعالة تربط موريتانيا بالمغرب غير مركز الكركرات الحدودي الجمركي الذي يشتمل على معدات متطورة جدا ( سكانير ) لتفتيش أكبر الشاحنات التي تعبر نحو أعماق إفريقيا محملة بالخضر وغيرها من المنتوجات المغربية التي قد تصل إلى جنوب مالي وغينيا كوناكري وكوت ديفوار بل حتى بوركينا فاصو ...

ثامنا : الجزائر تبحث عن الحفاظ على ماء الوجه ولو مرة واحدة في تاريخها :

منطقيا تعتبر أقرب نقطة حدود بين الجزائر والمغرب ، وبالضبط بين مخيمات لحمادة بتندوف  والصحراء المغربية هي نحو المحبس والحوزة ومنها إلى السمارة وهكذا ، لكن هذا السيناريو  ولا في الأحلام و من الصعب تصديقه بل من المستحيل لأن تحقيق هذا السيناريو  يحتاج  لتصالح عميق ، أولا يجب أن يكون تصالحا بين مكونات النظام الجزائري نفسه ( الجيش -المخابرات – مؤسسة الرئاسة – الآحزاب السياسية - المجتمع المدني الجزائري – الشعب الذي تلقى تربية بيداغوجية عنيفة جدا لاستعداء المغرب عنوة طيلة 54 سنة  الخ الخ  ) ...  وبعد ذلك المصالحة بين كل هذه المكونات الجزائرية من جهة وبين بنية البوليساريو المعقدة والتي كانت ولاتزال كأخطبوط يمسك بتلافيف مصارين مكونات النظام الجزائري حتى صار جزءا من بنية النظام الجزائري بل أصبح خطرا على النظام الجزائري نفسه ، لم يستطع بوتفليقة ولا غيره تفكيك أذرع هذا الأخطبوط  المتشابكة .. والجزائر اليوم في وضع لا تحسد عليه ، لأن وسائل الاستحمار الجزائرية لا تزال تنشر صفحات حول تقرير مصيرالشعب الصحراوي ، فكيف ستتحول الجزائر الرسمية بــ 180 درجة إلى الإعلان عن السماح للصحراويين المقيمين في تندوف بالعودة إلى وطنهم المغرب من أقرب نقطة حدودية انطلاقا من تندوف ؟ فهذا من عاشر المستحيلات لذلك فكر حكام الجزائر في حل يخفظ ماء وجههم ويكمن في تشجيع قادة البوليساريو على تنقيل الصحراويين المقيمين في مخيمات تندوف  إلى أقصى جنوب الصحراء في منطقة الكركرات تحت ذريعة تعمير المنطقة وفرض أمر واقع على المغرب هناك ...

وبالمقابل فالمغرب يفضل هو أيضا العودة الناعمة والسلسة لأهالي الصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف وبطريقة يتحكمون بها في كل شاذة وفادة أي تدقيق هويات الذين يحاولون العبور في اتجاه المغرب لأنه بهذه الطريقة سيتم غربلة الصحراويين المغاربة من غيرهم من المتشردين والإرهابيين وعديمي الهوية سواء من الجزائريين أو من المهاجرين السريين من جنوب الصحراء ....ونلاحظ من هدوء المغرب أنه يفضل عودة مواطنيه الصحراويين الحقيقيين من مخيمات تندوف عبر مركز حدودي له تجربة 25 سنة كمعبر حدودي مجهز تجهيزا متطورا وهو مركز الكركرات وحتى لا يتسرب كل من هب ودب إلى المغرب بصفة أنه صحراوي ، فلو فُتِحَتْ ثغرة بطريقة عشوائية لدخل منها عتاة المشبوهين من محترفي الجريمة المنظمة والعابرة للقارات من تجار السلاح والبشر والمخدرات الصلبة ، لذلك وبفضل يقظة الفرق الأمنية المغربية المشهود لها بالخبرة العالمية في مكافحة الإرهاب ستكون في نقطة واحدة لغربلة العابرين للمغرب وهي نقطة الكركرات .

تاسعا : الاتحاد الإفريقي لن يطرد البوليساريو من المنظمة !!!

طبعا لن يحتاج الاتحاد الإفريقي إلى طرد البوليساريو من منظمته لأن جمهورية الوهم ستتبخر قريبا جدا ، ولأن الصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف ينتظرون طيلة 41 سنة  الفرصة السانحة للفرار نحو وطنهم الأم المملكة المغربية وعبر منطقة حدودية واضحة ومجهزة بأجهزة تكنولوجية متقدمة يمكن من خلالها غربلةُ القادمين وتَـنْخِيلُهم بأدق عيون الغربال المغربي ... هنا يأتي الحديث عن ثكنات القرب العسكرية التي يجب أن تقترب من النقط السوداء والتي تحدث عنها قرار الجنرال بوشعيب عروب ، فهذه الثكنات ستكون بمثابة الحصون التي تحمي ظهر النقطة الحدودية التي ستستقبل عشرات الآلاف من الصحراويين العائدين إلى وطنهم ، وفي نفس الوقت ستحمي المخيمات المؤقتة التي ستستقبل العائدين داخل الأراضي الصحراوية غرب الجدار الأمني والتي لا بد أن تكون هذه المخيمات مجهزة بكل المرافق وعلى رأسها المستشفيات العسكرية الميدانية المغربية التي للجيش المغربي فيها تجربة لا تضاهيها سوى تجارب الدول المتقدمة ، دون أن ننسى المرافق الأخرى مثل المدارس المؤقتة ولوجستيك الإطعام بطرق عصرية ، كيف لا وقد استطاع المغرب في 1975 أي قبل 41 سنة تنظيم مسيرة تضم 350 ألف مغربي بوسائل بدائية ولا يستطيع استقبال بضعة آلاف من العائدين إلى وطنهم بعد 41 سنة اكتسب فيها تجارب متقدمة جدا في تنظيم الملتقيات الدولية التي يستطيع فيها استضافة عشرات الآلف من الشخصيات الراقية جدا وفي ظروف راقية جدا أيضا ؟ كيف لا يمكن للمغرب أن يستقبل العائدين من مخيمات تندوف مؤقتا في انتظار توزيعهم على المناطق التي هُـجِّـرُوا منها عنوة في داخل الساقية الحمراء ووادي الذهب ليعانقوا أهاليهم ويندمجوا في حياة كانت مستمرة رغم كيد الكائدين ...

عود على بدء

سيرحل الجميع عن الجزائر، سيرحل الأفارقة السود ، وسيرحل الصحراويون المحتجزون في مخيمات تندوف وكل الأجانب وسيبقى الشعب الجزائري وحده يعيش الخوف والجُبْنَ في مواجهة الطغاة المُتجبرين الذين يحكمونه طيلة 54 سنة ، سيبقى الشعب الجزائري وحده يعاني تحت حذاء العسكر والشياتة المدنيين ، سيعيش وحده متأبطا رعبه من النظام وملتحفا جٌبْنَهُ الذي أوصله لهذا الذل.

لقد كان للشعب المغربي ملكا اسمه الحسن الثاني رحمه الله قال للصحراويين المُغَرَّرِ بهم قولته الشهيرة " إن الوطن غفور رحيم " وقد جاء الوقت ليحتضن الشعب المغربي برمته إخوانهم وأخواتهم وأعمامهم وعماتهم  وكل أفراد عائلاتهم الذين غَرَّرَ بهم  جنرالات فرنسا الحاكمون في الجزائر وأغرقوهم في وَهْمٍ مستحيل التحقق وهو أنهم سيعملون على تنفيذ وصية الجنرال فرانكو ويصنعون لهم دويلة على أرض أمازيغية عربية مسلمة ، لكن الله وصبر الشعب المغربي أوصل حكام الجزائر إلى أن أصبحوا ينهشون لحم بعضهم البعض مما جعل الأجانب عن الجزائر مرعوبين من العيش في الجزائر ويفرون منها ...

فإذا كان للصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف وطنا غفورا رحيما هو المملكة المغربية ، فمن سيكون رحيما بالشعب الجزائري الذي باع حكامه مبادئ ثورة نوفمبر 1954 في سوق النخاسة الإفريقي ، فماذا بقي لهم في الجزائر يبيعونه في سوق النخاسة الدولي ...

 


سمير كرم خاص للجزائر تايمز