ألا يزال الحق في المعارضة ممكنا في العالم العربي؟

ولكن متى كان ذلك الحق قائما؟

يوم كانت أنظمة الاستبداد التقليدية مهيمنة كان المعارضون يجتهدون في خلق فضاء افتراضي لكي يقيموا فيه، بعيدا عن القبضة البوليسية والإجراءات الأمنية التي تسعى تلك الأنظمة من خلالها إلى ضبط إيقاع حركة معارضيها.

كان استبداد السلطة ذريعة مقنعة لقيام كيانات معارضة في الخارج أو تحت الأرض. في المقابل فقد كان وجود تلك المعارضة ضروريا بالنسبة للأنظمة، من جهة كونه ذريعة للاستمرار في فرض ما يشبه حالة الطوارئ وفي تأجيل برامج التنمية البشرية.

لم يكن المعارضون العرب العلنيون يشكلون خطرا على الأنظمة الحاكمة، قبل أن يتم استحداث نظام الحماية الدولية الذي قادته الولايات المتحدة وحلفاؤها وهو ما أتاح لبعض الجهات المعارضة أن تنفض يدها من عهدها الوطني القديم ليبدأ عصر التعاون مع الأجنبي.

قبل ظهور ذلك النظام الأمني الذي تديره أجهزة المخابرات الغربية كانت المعارضات العربية، ذات النزعة اليسارية بالأخص تعيش حالة من الضياع والتشتت، دفعت أعدادا كبيرة من أفرادها إلى أن يركنوا إلى اليأس ويستسلموا للقنوط.

وإذا ما كان الغزو الأميركي للعراق بما صاحبه من بروز دور جديد للمعارضة، ينتقص من وطنيتها بسبب ولائها للمحتل قد أرسى قواعد جديدة للعبة السياسية في العالم العربي فإن قوى اليسار باستثناء الحزب الشيوعي العراقي ظلت محافظة على شرف انتمائها إلى مبادئها الوطنية في المعارضة. لذلك بقيت خارج العملية السياسية التي أقامها المحتل الأميركي في العراق.

لا يصلح ما جرى في العراق مقياسا للحكم على أحوال اليسار العربي المعارض. ما جرى في العراق لا يمكن اعتباره جزءا من التاريخ الوطني الذي صنعه العراقيون.

كان صعود التيارات الدينية في عراق ما بعد الاحتلال أمرا مفروغا منه بسبب ارتباطات تلك التيارات الغامضة، عير مسيرتها الحافلة بالأسرار. وهو ما أدى إلى تراجع قوى اليسار.

في تونس ظهر تيار اليسار قويا بعد ثورة الياسمين.

المفاجئ بالنسبة للآخرين أن ذلك التيار لم يكن من بين الوافدين إلى تونس بعد سقوط نظام بن علي، بل كان من المساهمين في الأداء اليومي للثورة. كانت رمزية النضال من الداخل تشكل واحدة من أهم مقومات وشروط قوة ذلك التيار الذي كان خطابه واضحا في وطنيته مقارنة بخطاب التيارات السلفية التي لم تطرح مشروعا وطنيا.

ولكن ما جرى في ما بعد كشف عن تدني شعبية ذلك اليسار في مواجهة تيارين. الأول مثلته حركة النهضة التي سعت إلى تجريد التونسيين من أعظم مكتسباتهم في العهد الوطني. أقصد حقوقهم المدنية التي نص عليها القانون والثاني وقد رسا القارب الثوري مضطرا على شاطئه، تمثله شرائح سياسية، هي من بقايا التفكير ببناء دولة مدنية. وهي شرائح لم تكن في ماضيها تنتسب إلى قوى المعارضة.

الآن بعد ست سنوات من التغيير الثوري تبدو المعارضة اليسارية كما لو أنها دخلت في حالة سبات. فبالرغم من أن تونس لا تزال تعيش حالة من الاحتقان السياسي بسبب فشل حزب نداء تونس الحاكم في الحفاظ على وحدته الداخلية فإن اليسار لا يملك حضورا مؤثرا في الحياة السياسية.

كان من الممكن أن يشكل وجود معارضة يسارية نوعا من الأمل بالنسبة للتونسيين، من شأنه أن يخفف من مخاوفهم من إمكانية عودة حركة النهضة إلى الحكم أو تسللها إليه عن طريقة شراكة، صارت ممكنة في ظل غلبة المنافع على المشروع الوطني لدى طاقم الحكم.

تونس التي تعيش حالة من عدم الرضا عن ثمار الثورة لا تجد في الحياة السياسية المتاحة ما يشكل لها طوق نجاة تنجو به من محنتها. لقد اختفى المعارضون كما لو أن تضحياتهم فقدت قدرتها على صنع المستقبل.

 

فاروق يوسف