بفضل استقراره السياسي والاجماعي، تحول المغرب إلى قوة إقليمية وقارية وذلك بنهجه لسياسة خارجية ارتكزت على أسس ومبادئ قيمية، جعلت من بين وسائلها الانفتاح والتعاون مع مختلف الشركاء خاصة داخل القارة الافريقية وفي بلورة صيغ نموذجية للشراكة تجاوزت العلاقات الكلاسيكية المستندة على التحالفات والأقطاب والمصالح السياسيوية الضيقة، إلى شراكة وتعاون بناءة ومتكافئة محورها التنمية البشرية والاقلاع الاقتصادي إحدى أهذفها السامية من أجل تحقيق التنمية المستدامة لشعوب القارة الإفريقية التي ما فتئت أن خرجت من آفات المجاعات والحروب الأهلية، وما خلفتها من مآسي إنسانية كبيرة.


وانسجاما مع اختياراته المنفتحة على عمقه الإفريقي، تفاعل المغرب بشكل إيجابي مع مختلف القضايا التي تؤرق دول القارة الإفرقية سواء مدافعا عنها في مختلف المحافل والمنابر الدولية أو من خلال طرحه لمبادرات وحلول عملية، أو من خلال تبنيه لملفات إنسانية منها ملف الهجرة حيث عمل بكل شجاعة ومسؤولية، بإعلانه عن استقبال المهاجرين الأفرقة القادمين من دول جنوب الصحراء والعمل على تسوية أوضاعم القانونية كمرحلة أولى من أجل تمكينهم من الانخراط والاندماج داخل المجتمع المغربي الذي لم يكن يوما مجتمعا منغلقا على ذاته، وذلك مرده إلى مكانته الاستراتيجية واستيعابه لمختلف الثقافات والحضارات التي عرفتها منطقة البحر الأبيض المتوسط.


وأمام هكذا الوضع شهدت عدت مدن مغربية تدفقا لعدد كبير من المهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء، الذين استقروا داخل الأحياء الشعبية والهامشية، مما يثير معه طرح مجموعة من الاشكالات تتعلق بعملية الاستقبال وبامكانيات دمجهم في النسيج المجتمعي، خصوصا تلك المرتبطة بالدين واللغة والثقافة والتقاليد، إضافة إلى الإشكال المؤرق المتمثل في ادماجهم في سوق الشغل.


كما أن هناك مجموعة من الاشكالات التي يمكن أن يطرحها مع هذا الملف على المديين المتوسط والبعيد، وذلك بالحديث عن التركيبة الديمغرافية للساكنة لبعض المدن التي تعرف توافذ واستقرار عدد لابأس به من المهاجرين، إضافة ظهور لجيل جديد من المغاربة من أصول إفريقية جنوب الصحراء، والذي من المنتظر أن يحاول هذا الجيل الاحتفاظ بهوية أصوله سواء من خلال الاحتفاظ بالأسماء الشخصية والعائلية وممارسة العادات والتقاليد إضافة إلى معتقداتهم الدينية والمذهبية والتي قد تكون لدى بعظهم معتقدات وثنية، مما قد يطرح معه اشكالية حماية الأمن الروحي للمغاربة.


هذه الاشكاليات يتطلب التعامل معها وحلها تظافر جهود مختلف المعنيين بهذا الملف بشكل مباشر وغير مباشر ( الدولة، المجتمع المدني القطاع الخاص) في العمل المشترك وتوحيد الرؤى للتعامل بشكل استعجالي مع هذه المسالة من أجل مساعدة ومواكبة هؤلاء المهاجرين من التأقلم التدريجي وبالتالي الاندماج في النسيج المجتمعي.


إن البشرية عرفت عبر تاريخها لظواهر اجتماعية ساهمت بشكل كبير في تطورها وازدهار حظاراتها، وتعتبر ظاهرة الهجرة إحدى الظواهر التي ساهمت في ذلك، حيث تعتبر البلاد والشعوب المستقبلة لها إحدى معايير وتجليات ومظاهر الرقي والنضج الإنساني، إلا أنه وفي المقابل وفي ظل غياب الشروط الذاتية لدولة (القانونية والاقتصادية والاجتماعية)، يمكن أن تتحول هذه العملية إلى مأساة لدى كلا الطرفين مما قد تتولد وتتكون معه أفكار متطرفة هدامة من الكراهية والعنصرية والارهاب تنعكس بشكل سلبي على مسار التطور التاريخي للشعوب.

 

 عبد المنعم الصافي