مَن قال إن الذين فقدوا حماستهم للثورة السورية يمكن أن يكونوا موالين للنظام؟ هي قسمة غير عادلة. علينا أن نضع في اعتبارنا أن هناك من البشر مَن لا تروق له فكرة التغيير عن طريق الثورة.

لقد تقاسم الطرفان المتخاصمان المعادلة. أما أن تكون معنا أو تكون ضدنا. لا وجود لطرف ثالث. ربما تملي الظروف العصيبة التي تصنعها الحروب شروطا لا تمت إلى العقل بصلة. أليست الحرب نوعا من الجنون؟

لقد جُن النظام فلمَ لا تُجن المعارضة.

الثابت أن محاولة حقيقية لإنهاء الصراع من خلال السيطرة على حالة الجنون تلك لم تُبذل. كان العنف هو رسالة الطرفين، أحدهما إلى الآخر ولم يكن المجتمع الدولي مستعدا للإنصات إلى الطرفين معا، مجردين مما لحق بهما من سوء، بسبب اشتباك مصالح الدول من حولهما.

ما كان واضحا أصبح ملتبسا. تلك الحقيقة التي لم يشعر بها الطرفان اللذان بقيا سجينين صندوقي عزلتهما التي لم تسمح لهما باستعمال الأساليب السياسية المتاحة.

لقد فقد الطرفان وبسرعة القدرة على المبادرة، فكان كل واحد منهما يلقي على الآخر مسؤولية تدهور الأمور بما جعلهما سجيني فكرة أن السلاح هو الحل، وهي القناعة التي تحمست لها الدول التي انخرطت في الصراع، سواء تلك التي وقفت مع النظام أو تلك التي ناصرت المعارضة.

وكما أرى فإن الثورة السورية التي اندلعت شرارتها في آذار/مارس عام 2011 صارت حدثا في الماضي حين بدأت تلك الحرب. كانت حربا عالمية، من جهة تعدد القوى الدولية التي وقفت وراءها وإن لم تساهم بها بجيوشها إلا في وقت متأخر، حين قررت روسيا الدخول إلى الحلبة بطيرانها.

كانت حربا أدارها العالم بالوكالة.

بعد كل ما جرى لا ينفع إنكار تلك الحقيقة أحدا. فالكارثة التي ضربت الشعب السوري ينبغي أن تكون سببا موجبا للتوقف عن تزوير الحقائق وإشاعة الأخبار المضللة والانسياق وراء ما تروجه وسائل الدعاية الحربية.

في حقيقتها كانت الحرب السورية حرب مرتزقة.

لقد أنفقت مليارات الدولارات من أجل تمويلها ووضعت أجهزة مخابرات نفسها في خدمتها وفتحت دول حدودها وموانئها ومعسكراتها لتدريب واعداد مقاتلين قادمين من مختلف انحاء العالم ليكونوا مادة وحطبا لها وتفرغت وسائط إعلام مقروء ومسموع ومرئي وافتراضي من أجل تكريسها حدثا لحظويا، يبدأ المرء وينهي به يومه.

لو أن عُشر ذلك الحراك الهستيري قد استعمل من أجل أنهاء الحرب عن طريق منع استمرار العنف، لكانت تلك الحرب اليوم من المنسيات ولما اتسعت حدود الكارثة الإنسانية. غير أن شيئا من ذلك لم يقع.

كانت التعبئة تجري على قدم وساق. ففيما مد النظام يده إلى الميليشيات الإيرانية كانت تركيا تضخ إلى جبهات المعارضة مقاتلين مأجورين، في الوقت الذي تكفلت دول أخرى في دفع الأموال إلى مقاتلين سوريين، انساقوا وراء شعارات الثورة ليجدوا أنفسهم وقد تحولوا إلى إرهابيين.

كانت خيانة الثورة مبيتة. وهو ما لم يتعامل معه طرفا الصراع بطريقة جادة. فالنظام من جهته لم ير في الثورة إلا انتهاكا لشرعيته القائمة على الصمت، لذلك رحب في أن يرى المشهد المقابل وقد امتلأ بالمقاتلين الأجانب لكي تتأكد نظريته عن المؤامرة الكونية. اما المعارضة فقد كانت من جهتها قد رحبت ضمنا بذلك التضامن العالمي، من غير أن تنتبه إلى أن المسافة بينها وبين الثورة صارت تتسع إلى أن فقدت القدرة على رؤية أي أثر لتلك الثورة.

لقد شبعت الثورة موتا تحت وقع ضربات طبول الحرب.

بعد كل هذا أليس من حقنا أن نعتبر أن استمرار بعض المعارضين السوريين في الحديث عن الثورة هو نوع من الإصرار على الاستمرار في خيانة تلك الثورة المغدورة؟

 

فاروق يوسف