ألا يمكن قراءة تصرفات أخنوش فور تزعمه حزب التجمع الوطني للأحرار في المغرب  منذ الدقائق الأولى لتوليه زعامة حزب الحمامة في المغرب على أن كل تصرفاته  كانت تصب في الدفع بالمغرب إلى الحرب الطائفية فيما بين مكونات المجتمع المغربي أطيافه وأعراقه  ؟

معلوم أن عزيز أخنوش أمازيغي من جنوب المغرب من منطقة تافراوت أو ما يعرف بمنطقة سوس ، ويعتبر من الأمازيغيين الشوفينيين المتعصبين للأمازيغ ، ومعروف عنه كذلك انتماؤه للحركة الماسونية العالمية .

أولا : دستور المغرب ومكونات المجتمع المغربي :

من أشهر ما تميز به دستور 2011 المغربي أنه يعترف بمكونات المغرب الست وهي المكون العربي والأمازيغي والأندلسي والإفريقي والحساني واليهودي وربما يكون الدستور المغربي هذا هو الوحيد الذي يعترف بمكونات مجتمعه كلها صراحة بين الدول العربية عموما والدول المغاربية على الخصوص ،كما تميز دستور 2011 المغربي بكونه يعترف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية ثانية بعد اللغة العربية وينص دستورالمغرب صراحة على تفتح المغرب على جميع اللغات الحية في العالم نظرا لموقعه الجيواستراتيجي.

ثانيا : أمازيغ المغرب  :

معلوم أن أمازيغ المغرب يتكونون من ثلاث عناصر أساسية وهم ( ريافة ) في شمال المغرب والقاطنين بجبال الريف عموما ويتحدثون لهجة متفرعة عن اللغة الأمازيغية وهي الريفية ، وهناك ( زَيَان ) وهم سكان جبال الأطلس المتوسط ويتحدثون لهجة متفرعة عن الأمازيغية وهي ( الزيانية ) وبعض الكتب تسميها الأمازيغية ، وهناك ( الشلوح ) أو ( سواسة ) وهم سكان الأطلس الصغير ويتحدثون لهجة متفرعة عن اللغة الأمازيغية وهي ( تشلحيت ) .. وكل هذه اللهجات هي متفرعة عن أصل واحد هي الأمازيغية التي يمتد الناطقون بها من واحة سيوة شرقا بالصحراء الغربية ( الحقيقية ) وهي صحراء مصر إلى المحيط الأطلسي غربا ، كما نجد انتشار هذه اللهجات المتفرعة عن الأمازيغية في السهول أيضا بحكم ظاهرة الترحال في كافة أرجاء المغرب من طنجة إلى لكويرة وفي سهول وسواحل البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي .

ثالثا : عزيز أخنوش يتخطى الخطوط الحمراء :

لم يجرؤ أي سياسي مغربي أو عالم أكاديمي قط أن يفتح سيرة التفرقة بين مكونات المجتمع المغربي إلى أن خرج أخنوش بكل نزق وتهور ورهق سياسوي ، وكانت أول كلماته للذين صوتوا عليه كرئيس لحزب التجمع الوطني للأحرار – بمن فيهم غير الأمازيغ - ، كانت أول كلماته بالأمازيغية حيث قال " أغراس أغراس " ويعني الطريق المستقيم ... وينشر الشوفينيون المتعصبون من أمازيغ المغرب وخاصة ( سواسة ) و ( ريافة ) مقولة تجري بينهم جريان الكلمات السرية وخاصة في تجمعاتهم الخاصة ، ينشرون مقولة مفادها " يجب علينا نحن ( الأمازيغ ) أن نطرد العرب حفاة عراة إلى الجزيرة العربية كما جاءوا منها إلينا "!!!

لقد كان الصراع بين الطوائف العربية والأمازيغية في المغرب خفيا غير ظاهر للعيان ، لكن بعض الدراسات الاجتماعية تؤكد أن الصراع الظاهر على السطح هو بين العنصر الأمازيغي والعنصر الأندلسي أي أهل فاس ، بحكم أن العنصر الأمازيغي يعتبر نفسه هو الأصل في المنطقة المغاربية وهو صاحب الأرض وأن الفاسيين جاءوا للمغرب من الأندلس إثر عمليات الطرد التي تعرض لها المسلمون على يد المسيحيين المتطرفين وهروبا من محاكم التفتيش المعروفة في إسباتيا في القرن الخامس عشر... وبحكم الواقع الذي لا يمكن إنكاره هو أن الأندلسيين أو الفاسيين كانوا أغنياء حقا وحقيقة لأنهم حملوا معهم إلى المغرب ثروات هائلة مكونة من القطع الذهبية والفضية والأحجار الكريمة ، وفي بعض كتب التاريخ التي تتحدث عن هذا الهروب الجماعي للمسلمين من الأندلس نجد معلومات مبهرة عن الثروة الهائلة التي عبر بها الأندلسيون البحر في السفن ونقلوها على البغال إلى ربوع المغرب ( طبعا بعضهم قصد الجزائر وتونس ) ولايمكن أن نغفل ذكر اليهود الأندلسيين الذين لقوا نفس مصير المسلمين الأندلسيين ، نقول بحكم هذا الواقع الذي لا يمكن إنكاره وهو ثراء العنصر الأندلسي وتميزه حضاريا على العنصر الأمازيغي من ساكنة المغرب الأصليين الذين كانوا لا يتقنون سوى الرعي والزراعة باختصار قد كان الفرق شاسعا بين العنصرين ، حيث تذكر كتب التاريخ والحضارة أن الأندلسيين كانوا – بالإضافة إلى ثرائهم المادي – كانوا يتقنون عددا من الحرف والمهن جاؤوا بها من الأندلس مع إتقان فنون الحرب التي فُرضت عليهم للدفاع عن أنفسهم أمام الصليبيين الإسبان الذين طردوهم ، وطيلة الستة قرون التي مرت على المغرب كان الامتزاج والتزاوج والمصاهرة هي الأساس في عملية التساكن التي ولدت مغربا جديدا فريدا من نوعه يشكل فسيفساء متناسقا وجميلا ، لكن الشوفينيين من الأمازيغ المتعصبين لعنصريتهم المتخلفة وهم – من حسن الحظ قلة قليلة جدا جدا – وعلى رأسهم المدعو عزيز أخنوش أقسم أجداده على أن يجمعوا ثروة تفوق ثروة الفاسيين ، وفعلا استطاعت عائلات أمازيغية وخصوصا من أمازيغ ( سوس ) أن يكونوا من بين أغنى أغنياء المغرب إن لم يكونوا من بين أغنياء العالم ، لكن أخنوش وهو يتسلم قيادة حزب التجمع الوطني للأحرار ظهر على أصله ودفعه فرحه الطفولي بل الصبياني بهذه القيادة إلى سلوك عاد به إلى أصله حيث أعلن حقده وكراهيته للفاسيين علانية وصراحة وبدون خجل ولا وجل ، وبذلك يكون قد تجاوز الخط الأحمر الذي لم يستطع لاسياسي مغربي ولا عالم أكاديمي أن يجاهر به وجاهر به أخنوش وهو العداوة المطلقة لكل ما هو أندلسي فاسي .

العنصرية والمطامع السياسية لدى أخنوش تعري إحساسه بالدونية :

لقد فضحت مطامع أخنوش السياسية وعنصريته المقيتة إحساسه الدفين بالدونية الحضارية ، وقد تجلى ذلك في سلوكات صبيانية ظهرت منذ انتخابه على رأس حزب التجمع الوطني للأحرار ، تجلت في نزقه وطيشه وشطحاته المتهورة والبعيدة عما يجب أن يكون عليه السياسي من رصانة واتزان خصوصا أثناء عمليات التفاوض على تشكيل حكومة  قد حسم الملك أمر تعيين رئيسها وهو عبد الإلاه بن كيران من حزب العدالة والتنمية الذي حصل على الرتبة الأولى  بعدد 125 مقعد من أصل 395 ، وقبيل المفاوضات حول تشكيل الحكومة المغربية قام أخنوش بحركاته الصبيانية التي اعتقد أنه بها وبأمواله  سيقلب المعادلة ويصبح رئيسا للحكومة ضدا على الدستور المغربي والأعراف والأخلاق السياسية ، وقد ظهر سلوكه ذلك في :

1) تمسكه بالتحالف لدرجة الاندماج مع حزبين أمازيغيين تفوح منهما رائحة العنصرية الأمازيغية ، الأول وهو معروف عنه أنه حزب أمازيغي منذ تأسيسه عام 1959 وهو حزب الحركة الشعبية برئاسة محند العنصر ( وقد حصل في انتخابات 7 أكتوبر على 27 مقعد من أصل 395 ) وهو حزب لا يخفي دفاعه عن حقوق الأمازيغ ، جميع الأمازيغ في المغرب ويرجع له الفضل مع بعض الحركات الأمازيغية في الريف في الضغط على الدولة لتعترف بالأمازيغية كلغة رسمية في المغرب ... والثاني وهو حزب صنعه المخزن المغربي عام 1983 وهو الاتحاد الدستوري (وقد حصل في انتخابات 7 أكتوبر على 19 مقعد فقط من أصل 395 )  يوجد اليوم على رأسه محمد ساجد وهو أمازيغي عنصري شوفيني من قبيلة أخنوش .

2) اشترط في أول لقاء له مع رئيس الحكومة عبد الإلاه بن كيران عدم إشراك حزب الاستقلال وهو حزب اشتهر بكونه حزبا للفاسيين الذين يمقتهم أخنوش ويناضل من أجل إقصائهم من المجالات الاقتصادية والتجارية وكذا السياسية ، وهي حركة من أخنوش تدل على عنصرية محضة لا تمت بصلة للسياسة ولا أخلاق السياسة

3) وجد أخنوش في تصريح أمين عام حزب الاستقلال حميد شباط الذي قال فيه بأن موريتانيا كانت تاريخيا تابعة للمغرب ،وجد فيه حجة على شباط  حيث اعتبر ذلك ضربة قاضية لحزب الاستقلال وإبعاده من الحكومة إلى يوم القيامة .

4) بعد ذلك رفع أخنوش سقف مطالبه التعجيزية أمام رئيس الحكومة بفرض حلفائه أجمعين وبضرورة الاستحواذ على أكبر نسبة من عدد المناصب الوزارية بين الأحزاب الثلاثة ( التجمع حصل على 37 مقعد + الحركة  حصلت على 27 مقعد + الدستوري حصل على 19 مقعد أي بمجموع 83 مقعد من أصل 395 مع التذكير بأن العدالة والتنمية وحده حصل على 125 مقعد ، وفي هذا المنطق الخنوشي دليل قاطع على الجهل بأبجديات الديمقراطية وأخلاق السياسة وأعرافها ، وذلك بصناعة واقع وهمي مخالف لنتائج الاقتراع المباشر.

5) تَنَطُّعُ أخنوش وعنصريته وجهله بالسياسة ( لأنه هو رجل التجارة الفلاحية ) جعلته يتوهم أن نتائج الأرقام التي حصل عليها كل حزب في انتخابات 7 أكتوبر 2016 لاقيمة لها أمام ثروته والتكتل الأمازيغي الذي صنعه ضد ابن كيران ، كل هذه الأوهام جعلته لايعترف بالانتخابات ونتائجها ، وفي نظره القصير فلتذهب اختيارات الشعب المغربي التي جاءت بها صناديق الاقتراع لتذهب إلى الجحيم .

رابعا : أخنوش لا يرضى بغير رئاسة الحكومة :

لما ضمن أخنوش أن سنارة العنصرية التي رمى بها لحزبي الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري قد حققت الهدف وهو إخراج السياسة من فن البحث عن التقارب الممكن بين بعض الأحزاب في البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتشكيل حكومة منسجمة وقوية ، إخراج السياسة من كل ذلك إلى اللعب والعبث والتلاعب والخداع والمؤامرات والمراوغة والتذاكي المبتذل ، قلنا لما ضمن لنفسه ذلك الهدف ظن المسكين أنه اقترب من أن يكون رئيسا للحكومة بالتلاعب بالدستور الذي لا يفهم منه ولو سطرا واحدا ( متى كان له الوقت ليفهم مضامين الدساتير وهو الذي كان يلهث وراء المال ) ، لقد اعتقد أنه جمع 83 مقعدا وأن الحزيبن الحليفين جعلا منه رئيسا لهما وهذا يكفيهم ليقلبوا الحقائق الدستورية التي تنص على أن رئيس الحكومة يكون من الحزب الذي وليس من الأحزاب التي ... لقد اعتقد أخنوش أنه بهذه الترهات قد أضاف تأويلا آخر لمفهوم الدستور قريب جدا من مفهوم إلياس العماري صاحب حزب الأصالة والمعاصرة الذي حصل على 102 مقعد حيث أطلق العنان لخياله وقال لمن يحيطون به إن الدستور يقول : إذا فشل صاحب المرتبة الأولى وهو ابن كيران في تشكيل الحكومة فعلى الملك أن يعين صاحب المرتبة الثانية وهو إلياس العماري لتشكيل الحكومة ، وهذا كذب وبهتان لايختلف على جهل أخنوش بأن جمع ثلاثة أحزاب حصلت على 83 مقعد فقط تعطيه الحق في تشكيل حكومة برئاسته ، لأنه لن يرضى لنفسه بغير رئاسة الحكومة !!!

عود على بدء :

الذين يتحرقون على المصالح العليا للوطن هم الذين ينظرون للسياسة من باب الأخلاق ، أما الذين قضوا حياتهم منذ الطفولة وهم يقيسون كل شيء بمقدار ما يملك الآخرون من أموال فهم يحولون ما عند الآخرين من أخلاق إلى مقدار من المال فيحكمون عليهم من خلال ذلك ، وبما أن الأخلاق لا تساوي شيئا في سوق المال فإن أخنوش قد أقنع الذين رفعوه إلى سدة رئاسة التجمع الوطني للأحرار بأنه بأمواله قادر على أن ينجح فيما فشلت فيه صناديق الاقتراع ، أقنعهم بأنه قادر على أن يقلب بأمواله رقم 37 إلى أكثر من 125 ... ولتحقيق هدفه وظف لعبة قذرة و دنيئة وهي العنصرية والعرقية التي يمقتها الشعب المغربي منذ قرون وقرون ، لعبة لعبها المستعمر الفرنسي عام 1930 سميت بالظهير البربري وأفشلها امتزاج الدماء المغربية لجميع مكونات المجتمع المغلابي في فصيلة واحدة هي ( الشعب المغربي ) ... إن المحاولة الفاشلة لأخنوش في أن يربح رئاسة الحكومة بالدناءة العنصرية قد تجلب على المغرب حربا أهلية ستحرفه هو  به قبل غيره  ...أما سياسيا فقد فضحه ابن كيران وأحرقه نهائيا حيث أخرجه من أي تحالف حكومي ..لقد احترق أخنوش سياسيا قبل أن يبدأ ..

سمير كرم خاص للجزائر تايمز