لم يجد الجرح الليبي في محيطه الاقليمي المباشر من علاج له سوى إذكاء نيران طرف ضد بقية الأطراف .. لقد هيمنت وطيلة الخمس سنوات الماضية عقلية دبلوماسية ترى ضرورة أن تجري رياح الاقتتال بما تشتهييه سفنها ولا يهم حجم الدماء التي ستنزف من الجسد الليبي ولا ركام الجثث التي ستخلفها المواجهات أو الدمار الذي تحدثه.

لقد تفجرت في بلاد عمر المختار قنابل وضعها طيلة ثلاثة عقود نظام معمر القذافي الذي حكم ليبيا بالقهر والقبلية والحكم المطلق .وما أن وضع "الريع العربي" البلاد ضمن أجندته حتى طفت القنابل النائمة إلى السطح وشرعت في العبث بالخرائط البشرية والجغرافية والسياسية لتمزق ليبيا إلى قبائل متناحرة وقيادات عسكرية متطاحنة .

وفي كل محاولة للبحث عن وضع يوقف هذه المشاهد السوريالية كانت أنانية أنظمة أفرزتها الثكنات العسكرية وتوجد أقرب من وريد طرابلس ترى بأن حليفها المحلي يجب أن تكون له الحصة الأكبر في اي حل للأزمة الليبية. وعندما انطلق مسلسل الصخيرات بالمغرب في مارس 2015 وتحت إشراف الامم المتحدة .

كانت هناك عراقيل وضعتها أطراف إقليمية في وجه السيناريوهات المحتملة للحل . لكن حكمة الفرقاء الليبيين استطاعت بعد عشرة أشهر من المفاوضات إلى توقيع اتفاق يحمل اسم المدينة المتربعة على شاطئ الاطلسي .

وبالفعل تم الشروع في إعمال ما تم التوصل إليه . لكن روح الهيمنة الإقليمية المجاورة لم تنخرط بكل الجدية في دعم الاتفاق وبدأت تتحين فرصة إعادة صياغته على الاقل .وهو ما يحدث الآن من خلال "حرب" دبلوماسية تسعى إلى وضع "قطعتها " التي تساندها تمويلا وتسليحا في وضع أفضل على الرقعة السياسية الليبية.

إن الاساس والمهم هو أن يلتئم الجرح الليبي وأن تستعيد البلاد وحدتها ويعيش الشعب بسلام وهدوء وتشرع المؤسسات الشرعية في عملها . ذلك هو المؤمل والمنشود . وتلك كانت روح اتفاق الصخيرات الذي لازال صالحا كأرضية للحل . لقد حصدت المواجهات المسلحة عشرات الآلاف من الضحايا وهي تنذر باتساع نطاقها كي تمتد إلى خارج ليبيا مما يشكل خطرا على كل دول المنطقة بل وحتى الدول الاوربية المشاطئة للبحر الابيض المتوسط .

لذلك فإن المعالجة بعقلية العسكر التي ترى أن بناء الدولة الليبية يمر حتما من بوابة نياشين هذا الفصيل أو ذاك لن تكون إلا معالجة محدودة في الزمان والمكان .. إن الملف الليبي الذي وضع اتفاق الصخيرات خارطة طريق له يحتاج إلى دعم كل القوى الإقليمية والدولية . ودون شك في أن الخطوة التي أقدم عليها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريس بتعيينه الفلسطيني سلام فياض ممثلا له بهذا الملف هي خطوة تدعم الاتفاق .

وكل مبادرة تسير في هذا الاتجاه هي من أجل الشعب الليبي ووحدته الوطنية والترابية . وكل اتجاه عكس ذلك ما هو إلا توسيع للجرح الليبي والدفع الى المزيد من نزيفه.

مصطفى العراقي