ربما يعتبر وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب لسدة الحكم، تحديا إيرانيا بأبعاد مختلفة، لاسيما وانه مرتبط بملفات ثنائية ودولية، في ظروف هي الأشد تعقيدا في مسيرة العلاقات البينية، التي لم تكن في الأساس ذات طبيعة ودية منذ سقوط الشاه. فبعد أيام من تسلمه مقاليد الحكم، دعا ترامب مجلس الأمن لمناقشة التجربة الصاروخية البالستية الايرانية على قاعدة مخالفتها للاتفاق النووي الموقع في العام 2015، ما أثار جدلا وسلسلة تصريحات، وصلت إلى إعادة توتير العلاقات البينية بعد فترة تبريد استمر العمل عليها ردحا طويلا من الزمن، وبخاصة في الولاية الثانية للرئيس السابق باراك أوباما، التي تزامنت أيضا مع وصول الإصلاحيين في إيران إلى الرئاسة بشخص الرئيس حسن روحاني.

وفي واقع الأمر، إن التجارب الصاروخية البالستية الايرانية ستشكل مناسبة لفتح مجمل العلاقات على طاولة البحث من بوابة العقوبات المفروضة على طهران منذ قانون داماتو الأميركي العام 1996، وهي في الأساس مناسبة عابرة، فمن الممكن أن تجد واشنطن مناسبات أخرى للمضي في هذا السياق التصعيدي، سيما وأن خلفية التوتير هي موجودة ولا تحتاج أصلا لحجج ومبررات كثيرة، إلا أن الأهم في الأمر، هو حدود التوتر واستغلاله في ملفات إقليمية متصلة، وهذا ما يتبيّن بوضوح لدى قراءة بعض المواقف الروسية والأوروبية مثلا.

فالاتفاق النووي الموقع مع إيران وفقا للقرار الدولي 2231/2105، يشكل بيئة قانونية واضحة لجميع الأطراف، فيما يتعلق بالمطالب الدولية من إيران بخصوص البرنامج النووي، وهو غاص في التفاصيل الدقيقة، التي من الصعب التملص منها ولمدد زمنية طويلة، إلا أن الجانب المتعلق بالصواريخ البالستية تم ذكره في بندين ضمن الاتفاق، من باب عدم التوصل إلى إمكانية استعمال هذه الصواريخ إلى حاملات للرؤوس النووية، أي أن الاتفاق شمل هذا الجزء من نوعية الصواريخ، وليس الصواريخ بحد ذاتها، وهو أمر بطبيعة الأمر، لا تعيره الولايات المتحدة والمجتمع الدولي اهتماما كبيرا نظرا لطبيعة العلاقات الحذرة مع طهران، وبالتالي هذه الجزئية يمكن استخدامها في ملفات أخرى، وهذا ما عبّرت عنه موسكو تحديدا في سياق مناقشة الموضوع في مجلس الأمن. وعليه إن التوجّس الروسي في هذا الملف ينطلق على قاعدة ابتزاز ترامب في مجمل علاقات الولايات المتحدة وتعاملها مع أزمات منطقة الشرق الأوسط وغيرها من الأزمات الدولية.

فالإدارة الأميركية بنظر طهران وموسكو، تحاول حاليا فك الارتباط القائم بين موسكو وطهران من جهة، بهدف التأثير في التعامل مع الأزمة السورية أولا، وثانيا التأثير في تركيب النظام الإقليمي الشرق أوسطي مستقبلا، ودور إسرائيل فيه بشكل أساسي، ولاحقا الأدوار المكملة كتركيا، أو بعض الدول المركزية العربية كالسعودية ومصر مثلا. وبالتالي إن فتح ملف البرنامج النووي الإيراني، هو ذات طبيعة إستراتيجية تتعلق بسياسات مركبة إقليمية ودولية قادمة، وهذا ما يخيف تحديدا موسكو في سياق المنافسة القائمة مع واشنطن.

وإذا كان الأمر كذلك، وهو إلى حد بعيد، ما تؤيده وقائع ومواقف الدول المؤثرة في المنطقة، فإن التوتر الإيراني الأميركي، مرتبط ومرهون بمستوى استثماره في قضايا أخرى، وهي ذات طبيعة متشابكة ومتقاطعة مع الكثير من المصالح والحسابات التفصيلية، وبالتالي إن مصلحة الأطراف المتصلة بهذا التوتر، ستجبرها على التعامل ببراغماتية تفصيلية في هذا المجال، ما يعني إن حدود التوتر الأميركي الإيراني ستظل منضبطة في حدود السيطرة، ومن الصعب أن تشهد تصعيدا غير مألوف، يصل إلى حد الصدام العسكري المباشر، باعتبار التوتر أمرا مكلفا جدا للأطراف المباشرين وغير المباشرين كإسرائيل مثلا.

إن المفارقة الأكثر غرابة في توصيف العلاقات الأميركية الايرانية، أنها الأكثر عداوة والأشد صلافة في التعبير عنها بين الطرفين، إلا إنهما غالبا ما يجدان المساحة الكافية للتراجع، والتعامل بوسائل وأهداف براغماتية مفيدة، وبالتأكيد على حساب أطراف إقليميين آخرين، وهم كثر في الجوار الإقليمي لإيران.

 

د. خليل حسين

استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية