قد لا يعلم الكثير منكم أن هناك شريحة من الناس تؤمّن لقمة عيشها بالعمل تحت الأرض.. و أنا واحد من هؤلاء حيث أعمل في منجم للفضة... و أنا في عمق الأرض مرتديا زيي المنجمي حاملا لمصباحي الكهربائي واضعا فوق رأسي خوذة مميزة...

في عرض أقرب ما أكون فيه جنديا في ساحة معركة... أتفقد أحوال العمال مركزا على الرفع من مردوديتهم و إخضاعهم لقانون جائر تنهجه هذه الشركة التابعة لمجموعة شركات مناجم الأحادية القطب...

جلست في مكان على شكل غرفة عمدت فيه أن أطفئ مصباحي للتعرف على المعنى الحقيق للظلام الدامس الحالك الذي يخافه البعض و يجتنبه الكثير...أحسست حينها بغياب جسدي من كل مكنوناتي ولم يبق مني سوى روح يجول بفكره في خبايا هذا السواد...صدقوني هنا علمت ان الذات تحضر محسوساتها العضوية بوجود نوراني محظ و تختفي بغيابه لتجد نفسك تطفو بك في هلوسة مع واقع لا تعيه...

سائلا نفسي أيمكن لجسدي ان يخونني و انا في موقفي ذاك و هو اكثر ما احتاج اليه من غيره...احاول جاهدا أن ألمح شيئا يريح فضول عيناي لكن دون جذوى...ألهمني ذلك الشعور...أحسست بتحرر من قيود اللغة المجتمعية العقيمة...التي تؤاخذك على ابسط الامور...لتجد نفسك في قفص العقبات و حقل المعاناة و تذمر الفشل و غصب الشرف لتنهال بعدها عليك بتساقطات القدر و فقر المشاعر...

و خذلان النظام...و بيع لوهم الصغر من الأحلام...و تحاول بعدها في قالب هزلي ان تخفف عنك و تقول لك كفاك في الدنيا زاهدا...و إياك و الخوض في مفاتنها...و لتعلم أنك كما تدين تدان...لتنبهر انك تُدان من غير أن تدين...و تُلام من غير أن تُذنب...في ترسيخ لمبدأ "القانون لا يحمي المغفلين" في إشارة الى أن المغفل هنا هو الذي لا يملك الحماية التي تُكتسب من شرف إسمك أو علو مقامك أو فحش غناك...

كان شعور التحرر من هذه الأغلال التي نعيش تفاصيل قيودها فوق الأرض شعورا راقيا...حملني بين ذراعي الامل و ضمني في حضن الراحة و محمود العمل...حينها استوعبت كيف استطاع احمد المرزوقي و رفاقه النجاة من ظلمات تزمامارت...لقد بلغوا بمحسوساتهم معانقة هذا الشعور الجميل الذي خطفهم من عالم حقير يجيد لغة السوط و العصا و يتربع عرش الطغيان و جبروت الأنا.

نبيل أفركاش