بأسلوبه الشعبوي قرر اردوغان أن تكون تركيا رقما صعبا في المعادلتين الإقليمية والدولية. لقد كذب مرات عديدة وهو يحاول أن يبتز إسرائيل رغبة منه في تمثيل دور البطل المتمرد، الغيور على مصالح الفلسطينيين.

غير أنه في الوقت نفسه استغل موقع تركيا الجغرافي لتكون ممرا لتنفيذ المشروع الغربي في سوريا متأملا أن تكون لتركيا حصتها في سوريا مثلما لإيران حصتها في العراق.

لم يكن الغرب ليخيب آمال الرئيس التركي لولا أن سوريا ليست كالعراق.

فالعراق كان قد وقع تحت الاحتلال عام 2003 وهو لذلك بلد فاقد السيادة. اما سوريا فإنها بالرغم من كل ما شهدته من حروب استثنائية لا تزال دولة ذات سيادة.

سيادة سوريا هي التي وهبت رئيسها فرصة استدعاء الروس ليكون لهم دور في حرب، كانت تركيا أول المساهمين فيها.

ولو لم يرتكب اردوغان حماقته في اسقاط الطائرة الروسية لما وجد نفسه وحيدا في مواجهة الدب الروسي. لقد أخطأ اردوغان في حساباته فظن أول وهلة أن مغامرته ستُحرج الغرب وتدفعه إلى اتخاذ موقف متعاطف من شأنه أن يخفف من حدة الغضب الروسي.

أما حين شعر باليأس من إمكانية جر الغرب كله إلى التلاسن مع روسيا قرر أن يضغط عن طريق الاستسلام للإملاءات الروسية بل زاد عليها حين وضع نفسه في خدمة روسيا باعتباره وكيلا مفوضا عن الجماعات المسلحة المقاتلة في روسيا.

كانت تلك واحدة من حماقات الرئيس الاخواني الذي اعترف علنا بصلاته الوثيقة بتلك الجماعات في محاولة منه لدفع الغرب إلى استرضائه من أجل التستر على المعلومات المخابراتية والأمنية التي يُمكن أن يشكل الكشف عنها فضيحة للغرب كما أعتقد اردوغان نفسه.

ما لم يحسب له اردوغان حسابا أن تكون المحاولة الانقلابية المزعومة التي تعرض لها نظامه سببا في أن يُعطي الغرب له ظهره بعد أن أشاعت أجهزة المخابرات الغربية بطريقة غير مباشرة المعلومات التي تؤكد أنه كان بنفسه مدبر ذلك الانقلاب.

كان كل شيء بالنسبة للغرب واضحا.

فالرجل المهووس بالسلطة كان يخطط لاستعادة السلطنة العثمانية على طريقته الخاصة، وهي طريقة يعتبرها مناصروه معاصرة لما تنطوي عليه من علاقات متشعبة بالغرب لم يكن موقع ثقة بالنسبة للديمقراطية الغربية.

لسوء حظه فإن لجوءه إلى روسيا كان بمثابة حدث سار بالنسبة للغرب. وهو ما دفعه إلى التفكير في طريقة اعتقد أنه سيقض من خلالها مضجع أوروبا. لقد لجأ اردوغان إلى الإيقاع بأوروبا من خلال تحريض مواطنيها من أصول تركية على الانقلاب على الدول التي أوتهم ووفرت لهم سبل العيش الحر الكريم التي فقدوها في بلادهم الأصلية.

حماقة اردوغان الأخيرة لن تكون إلا سببا لوقوع انتكاسة لم يتوقعها لشعبيته وسط الاوروبيين الأتراك بالرغم من خروج الالاف منهم للتظاهر احتجاجا على الإجراءات التي اتخذتها دول أوروبية لمنع الترويج الاردوغاني لتعديلاته الدستورية التي تهدف إلى تغيير وجه تركيا العلمانية.

ذلك السلوك المزدوج لدى الأوروبيين الأتراك لن يكون مريحا بالنسبة للدول الأوروبية التي ستضطر إلى معالجته بطريقة قانونية لن تكون مريحة بالنسبة لمؤيدي اردوغان وأتباعه.

في مواجهة ذلك الوضع الشاذ والمتوتر لن يكون لدى اردوغان ما يقدمه لأولئك المناصرين والأتباع. لذلك فإن نجاحه في توسيع الفجوة بينهم وبين مواطنتهم لن يكون طويل الأمد، ذلك لأن أولئك الأتباع سرعان ما سيستيقظون على ضرورة حفاظهم على مقومات وامتيازات مواطنتهم الممكنة والميسرة بشرط التزامهم بواجباتها.

بالتأكيد سيخسر اردوغان حربه الشعارية ضد أوروبا، غير انه كما هو متوقع لن يهدأ ولن يكف عن ارتكاب حماقاته. وهو ما سيؤدي بتركيا إلى مواجهة أزمات اقتصادية قد تطيح بجزء مهم مما شهدته من ازدهار بسبب علاقتها بالاتحاد الأوروبي.

 

فاروق يوسف