تتحول دول ومجتمعات ومؤسسات ومنظمات إلى أمم من المتسوّلين، تعتمد في مواردها على التسول، وتخطط مشاريعها وسياساتها حسب اتجاهات التسول، ..هكذا يتحول التسوّل إلى سياسة وتخطيط وثقافة وقيم، ونتحول إلى دول ومجتمعات تعتمد على المعونات والتسول.

ورغم أن 92 في المائة من الموازنة يمولها المواطنون، فإن التسول يحتل كل أفكارنا واتجاهاتنا؛ السياسات والمؤتمرات والتصريحات والخطط والخطب والزيارات والوفود والاستقبال والوداع والثقافة والأبحاث والتعليم والاتجاهات والأفكار، كلها تتبع التسول، ما الذي يجذب المانحين، وما الذي يقنعهم، وما الذي يعجبهم، حتى اجتذاب السياح والمستثمرين ليست أكثر من عمليات تسول، وفي ذلك، فإن الطبقات والنخب الصاعدة هي الأقدر على التسول. المتفوقون في التسول هم المؤهلون أكثر من غيرهم ليكونوا قادة الدولة والمجتمعات والمنظمات الاجتماعية والسياسية، والمؤسسات المتخصصة بالتسول أو الأقدر على التسول هي المؤسسات المتميزة والأنيقة.

لماذا يهيمن التسول على الفكر والسياسة والإعلام لأجل أقل من 8 في المائة من الموارد، وتغيب الموارد الأساسية والذاتية؟ بل لماذا تتعرض الموارد الأساسية للإهمال والخراب؟.. هناك فرصة لتطوير الزراعة لتستقطب أكثر من 20 في المائة من القوى العاملة ونسبة قريبة من ذلك في الناتج المحلي، وهناك فرصة لتطوير منظومة من الصناعات والتقنيات حول الزراعة في الغذاء والدواء والأثاث والسياحة، وهناك فرصة لتطوير الطاقة المتجددة والتقليل من النفط في النقل والبيوت والأعمال والمؤسسات بنسبة تصل إلى 80 في المائة، وهناك (وهذا ما سوف تجاهد الأوليغاركيا المهيمنة ضده حتى الشهادة) فرصة كبرى لمشاركة اقتصادية واجتماعية واسعة للمواطنين والبلديات والمحافظات في الماء والطاقة وتكرير المياه وتطوير البناء على نحو يقلل من التكلفة ويحسن الحياة.

وهناك فرصة كبرى لتطوير التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية من غير موارد إضافية، وهناك فرص لتحلية المياه بتكلفة معقولة تحل أزمة الاستخدام المنزلي ثم يمكن إعادة استخدام هذه المياه بنسبة تقترب من 90 في المائة في الزراعة، ونكون أيضا قد وفرنا وحمينا المياه السائلة والجوفية التي نحصل عليها من السماء!.. وفي ذلك فإننا قادرون على تخفيض فاتورة الواردات بنسبة كبيرة تحسن الميزان التجاري لصالحنا..

لم تعد أنظمة الماء والطاقة تلائم التطورات، وحان الوقت لإعادة تنظيم وإدارة وملكية الماء والطاقة على النحو الذي يوسع مشاركة المواطنين والبلديات ويطلق فرصهم في الحصول عليهما بسهولة، ويكفي مؤسسات وشركات الماء والكهرباء ما اكتسبته، وحان الوقت لترحل وتحل محلها أنظمة ومؤسسات جديدة ومختلفة متفقة مع الفرص والتقنيات الجديدة.

وأنظمة التمويل والمشاريع الصغيرة التي نسرف في الحديث عنها اليوم، تتحول إلى صيانة لطبقة وفئة ومؤسسات لم يعد لها حاجة، وحان الوقت لأنظمة تمويل ومشاركة جديدة لصالح المواطنين والأفراد والمؤسسات الصغيرة وليست لصالح البنوك والشركات والنخب الآيلة للسقوط والانقراض.

لا نحتاج لأجل التقدم والازدهار سوى الخيال والنية الحسنة.

ibrahim.gharaibeh@alghad.jo