لا أحد يأمل في تغيير ميزان القوى في سوريا بسبب ضخ روح جديدة في الحرب المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات هناك.

وهو ما فعلته الضربة الثلاثية التي وجهت إلى سوريا لمناسبة الكيماوي.

كانت الحرب على وشك أن تنتهي بعد أن تم إخلاء الغوطة الشرقية من الجماعات الإسلامية التي غادرت في اتجاهات مختلفة وفي مقدمتها ادلب، شمال البلاد حين قررت الولايات المتحدة أن الوقت لم يحن بعد لطي صفحة العذاب السوري.

من المؤكد أن الضربة التي فتحت الباب مجددا لتدخل الولايات المتحدة المباشر في الحرب كانت موجهة إلى روسيا بشكل أساس. وهو ما دفع روسيا إلى القول بإن تلك الضربة لم تتجاوز الخطوط الحمراء.

كما لو أن ضرب سوريا بالصواريخ مسموح به في حدود معينة.

ذلك ما يمكن فهمه بشكل سطحي من التعليق الروسي. وهو ما يضعنا أمام أصول جديدة للعبة ما أن تتضح حتى يلفها الغموض ثانية في البلد الذي صارت روسيا تراهن على وجودها قطبا عالميا من خلال استمرار هيمنتها العسكرية عليه.

لقد صار واضحا أن روسيا لو تخلت عن سوريا فإنها ستخسر الكثير من مكانتها العالمية وستُهزم أمام الغرب. بل أن العالم سيعود بعد ذلك إلى الخضوع لسيطرة القطب الواحد. وهو ما يدفع الصين إلى الوقوف إلى جانب روسيا في مجلس الأمن.

الخطوط الحمراء التي أشار إليها الرد الروسي إذاً لا يُقصد بها منع الولايات المتحدة وحلفاؤها من توجيه ضربة إلى المواقع الروسية والإيرانية والسماح بذلك إذا ما تعلق الأمر بالمواقع السورية.

ما ذهب إليه الطرف الروسي يتعلق بالأساس بمنع العبث بميزان القوى على الأرض. وهو ما حدث في الماضي مرات عديدة.

فحين كانت قوى المعارضة تنهار أو تضعف في واحدة من الجبهات تتم تقوية شوكة المعارضة في جبهات أخرى، بحيث تتمكن الجماعات المسلحة من تعويض ما خسرته بسرعة وبما يبعد شبح الإحباط عن تلك الجماعات التي صارت على يقين من أن هناك مَن يمد لها حبل النجاة كلما شارفت على الغرق.

ولكن تغييرا ما ضرب المزاجين الإقليمي والعالمي بعصفه انعكس سلبا على تلك المعادلة، كان الروس هم الطرف الذي استفاد منه وليس بخافية على أحد مساهمتهم في صنع ذلك المزاج.

وإذا ما كان الروس قد تفادوا الوقوع في الفخ الذي نُصب لهم حين لم ينجروا إلى المستنقع السوري بجيوشهم مكتفين بنشاطهم الجوي فإنهم فرضوا خرائطهم على الأرض من خلال حليفتهم إيران وميليشياتها.

لقد قاتل الروس الجماعات المسلحة بجماعات مسلحة تابعة بطريقة أو بأخرى لهم. هذا من جهة.

من جهة أخرى فإنهم صنعوا شيئا أشبه بالمعجزة حين دفعوا تركيا مضطرة إلى أن تتخلى عن دورها القديم باعتبارها ممرا تعبويا للجماعات المسلحة يغذيها بالأموال والرجال والسلاح.

كان احراز ذلك التقدم قد تطلب التضحية بالطيار الروسي الذي اسقطت القوات التركية طائرته. وهو الخطأ الذي شعر ارودغان بسببه أنه يقف وحيدا أمام الدب الروسي بعد أن أظهر الغرب عدم اكتراثه بالحرج التركي.

كانت حلب نقطة جوهرية في تحول مسار الحرب إلى ما يشير أنها قد حسمت لصالح الروس غير أن إجلاء الجماعات المسلحة من الغوطة كان بمثابة اعلان عن نصرهم النهائي في حرب أداروها بطريقة غير تقليدية ولم تكن كلفتها عالية ذلك لأن خسائرهم لا تذكر مقابل ما حققوه من أرباح.

وهو ما استفز الغرب ودفعه إلى التصرف بانفعال تهريجي، بحيث رتبت مسألة الكيماوي بطريقة مرتجلة لكي تأتي الضربة الصاروخية فتخلط الأوراق ثانية وبالأخص لدى المعارضة التي توهم البعض من أطرافها بأن الولايات المتحدة وحلفاؤها يسعون إلى الدفع بالحكومة السورية ومن ورائها الروس إلى التوجه مباشرة إلى جنيف من أجل إحياء العملية السياسية.

لم يفهم أولئك المعارضون أن تلك الضربة لم تقع من أجل خلاص سوريا بل إنها وقعت من أجل تأجيل ذلك الخلاص. وهو ما فهمه الروس مطمئنين إلى أن الغرب لم يتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعوها.

 

فاروق يوسف