لقد شكلت قضية الصحراء المغربية منذ بداية السبعينيات خيارا استراتيجيا للمملكة المغربية، نظرا للتحديات التي أصبحت تواجه هذه الأخيرة والمرتبطة أساسا بفعل المساومة في موضوع السيادة الوطنية، فالخيارات التي كانت متاحة لصانع القرار منذ بداية المشكل محدودة ولم تترك له مساحة واسعة للتفاوض، حيث سرعان ما أعلن الملك الراحل الحسن الثاني في بداية الثمانينيات عن قبول الاستفتاء كخيار تكتيكي وجواب مرحلي عن سؤال تقرير المصير.

لقد كان قبول الاستفتاء حول الصحراء المغربية سيفا ذا حدين. فمن جهة أسكت كل الألسن التي كانت تطالب بحل مشكل الصحراء بطريقة تقرير المصير، (والاستفتاء نوع من أنواع تقرير المصير)، لكن الجهة التي رأت في نفسها منهزمة عرقلت قضية الاستفتاء حتى أصبح مستحيلا اليوم.

وعلى الرغم من ذلك، فقد تقدم المغرب مرة أخرى سنة 2007 بمشروع الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية والذي يعد الخلاصة التي تولدت عن مشروع الإستفتاء الذي اقتنع المنتظم الدولي بأنه أصبح مستحيلا.

وتقوم مبادرة الحكم الذاتي على التفاوض مع طرفين أعلنا عداءهما الواضح لقضية المغرب الوطنية، وافتعلا نزاعا سياسيا تمّ دعمه بقوة السلاح لفترة طويلة بدعوى ممارسة حق تقرير المصير لساكنة الصحراء المغربية -شكلا-، وفصل الأقاليم الجنوبية عن الوطن، لإقامة دولة "قزمية" عليها -عمليا-. وقد جاءت تلك المبادرة لتكريس حقيقة استحالة تطبيق مبدأ تقرير المصير بالشكل الذي ترغب فيه كلّ من الجزائر وجبهة البوليساريو، وبعد معاينة مجلس الأمن الدولي هذه الاستحالة، توجه نحو العمل على إيجاد حل سياسي توافقي يضع حدا لهذا النزاع الذي استمر أزيد من أربعة عقود.

إن قيادة ما يتم التسويق له إعلاميا بالبوليساريو تلجأ إلى التهديد باستخدام السلاح ضد المغرب، بين الفينة والأخرى، خاصة عندما تواجه في تكتيكاتها السياسية أو بعض استراتيجياتها التفاوضية طريقا مسدودا، أي أنها تستخدم هذا التهديد لابتزاز المغرب، وربما المجتمع الدولي أيضا، للحصول على بعض التنازلات التي تستطيع استخدامها للخروج من مأزقها التكتيكي أو السياسي الإستراتيجي. وهو ما تجلى مؤخرا في اعتراض عناصر مسلحة تابعة لجبهة البوليساريو فريقا من المراقبين العسكريين التابعين للمينورسو، وأطلقو عليهم طلقات نارية تحذيرية ببلدة تيفاريتي.

وعلى غرار صنيعتها، فإن الجزائر تحاول العودة إلى خطة ميتة أصلا حتى تتهرب من استحقاقات الحل السياسي، وهي التي لا ترغب أساسا في أن يتم التوصل إلى حل للنزاع المفتعل، بل إنها تعمل على تغذيته، بمختلف الطرق والوسائل حتى غير المشروعة منها، وهو ما يتجسد عمليا في صرف أزمتها الداخلية للمغرب وتعميق جراح المشكل المفتعل.

فإذا كانت الجزائر تراهن على مجموعة من الأوراق، كالنفط، في سبيل عرقلة مسلسل التسوية في المنطقة وتوظيفها لإغراء بعض الدول للانضمام إلى طروحاتها، فإن المغرب يملك بدوره مجموعة من الأوراق بإمكانه توظيفها باتجاه دحض مزاعم الخصوم وطروحاتهم. فهناك الإجماع الوطني حول هذه القضية والذي انخرطت فيه مختلف الفعاليات السياسية والثقافية والجمعوية، وهنالك كذلك أهمية وضرورة السير الجدي نحو تعزيز الحقوق والحريات وتكريس الممارسة الديمقراطية وتفعيل الجهوية واللامركزية، واستثمار العلاقات الجيدة للمغرب مع مختلف الدول العربية والإسلامية والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة وإقناع الأطراف التي طالما عبَّرت عن مواقف مناهضة للوحدة الترابية للمغرب، بأهمية وجود مغرب مستقر وقوي بالنسبة إليهم أيضاً، زد على ذلك العودة للحضن الإفريقي الذي شكل عائقا أمام مزاعم الجزائر وصنيعتها.

وعموما، إن موضوع الوحدة الترابية للمغرب ظل من المواضيع التي تكتسي حساسية بالغة في الدبلوماسية المغربية، إلا أن الانفتاح الذي انتهجه المغرب في مقاربة هذا الملف في السنوات الأخيرة كان له انعكاس إيجابي في السعي نحو وضع مقترحات حلول تحظى بارتياح شعبي أوسع، وبقوة منطقية أكبر، وهو الأمر الذي أصبح يفرض على الفاعلين في الدبلوماسية الموازية المغربية من برلمان ومجتمع مدني وجالية وفاعلين اقتصاديين وأكاديميين وإعلام وغيرهم، نهج دبلوماسية موازية أكثر ديناميكية، تعكس واقع تفاعل المغاربة مع قضاياهم المحورية، إضافة إلى تشكيل قوة اقتراحية جادة ومؤثرة، تشتغل بالموازاة مع الفاعل الرسمي، تسنده بمعطيات وتحاليل يكون بإمكانه الارتكان إليها، واعتمادها في قراراته. كما يلزم في هذا الإطار التحلي بالشجاعة في مقاربة جميع المواضيع المتعلقة بالدبلوماسية المغربية وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية، وقضية الثغور المحتلة، والبحث في سبل تطويرها ومعالجتها، واللجوء إلى النقد الموضوعي متى استلزم الأمر ذلك، وهو ما أكده صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة يوم 11 أكتوبر 2013 بقوله " قضية الصحراء ليست فقط مسؤولية ملك البلاد، وإنما هي قضية الجميع: مؤسسات الدولة، البرلمان، المجالس المنتخبة، الفعاليات السياسية والنقابية والإقتصادية، هيئات المجتمع المدني، وسائل الإعلام وجميع المواطنين".



عبد العالي بوحدو