في حدث رياضي غير مسبوق ولا مألوف، أثار العديد من ردود الأفعال المتباينة عبر مختلف وسائل الاتصال والتواصل الإعلامية، واستغراب له المهتمون بالشأن الرياضي داخل البلاد وخارجها. أقدم بشكل مباغت أعضاء المنتخب الوطني للدراجين صباح يوم الجمعة 13 أبريل 2018 على رفض خوض منافسات المرحلة الثامنة من الطواف، الرابطة بين مدينتي أكادير والصويرة والتي تقدر مسافتها بحوالي 167 كلمترا، احتجاجا على الوعود الكاذبة وتردي أوضاعهم وسوء المعاملة، وسعيا منهم إلى لفت انتباه الرأي العام ووضع المكتب المديري للجامعة الملكية للدراجات أمام مسؤولياته التاريخية.

وجدير بالذكر أن هذه التظاهرة الرياضية ذات الأهمية البالغة، تدخل في حساب الدورة الواحدة والثلاثين لطواف المغرب المنظم ما بين 6 و15 أبريل 2018، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، وتندرج في إطار أجندة (أفريكا- تور) الخاصة بالاتحاد الدولي للدراجات. ويعتبر طواف الدراجات بالمغرب إشعاعا رياضيا عالميا، تشارك فيه عشرات الدول الأجنبية من القارات الخمس، ويكلف خزانة الدولة ميزانية ضخمة من أموال الشعب...

بيد أن الذي يؤسف له كثيرا، هو أننا ورغم ما عرفه المغرب من تطورات متلاحقة مازالت هناك عقليات متخلفة تتحكم في شؤوننا، ولم نستطع بعد وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، حيث أنه عوض أن يتحلى المسؤولون وفي مقدمتهم رئيس الجامعة الملكية للدراجات محمد بلماحي بما يلزم من هدوء وحكمة وتبصر، ويسارع إلى احتواء الأزمة في بدايتها وإثناء الدراجين على اتخاذ هكذا قرار غير محسوب العواقب، ومن شأنه أن يؤثر سلبا على صورة رياضتنا والمس بسمعة بلادنا في الخارج، لاسيما ونحن مقبلون على وضع ملف الترشيح لاستضافة أبرز تظاهرة رياضية "كأس العالم 2026" بروسيا، استشاط الرجل غضبا واعتبر انسحابهم على بعد جولتين من نهاية الطواف "خيانة وطنية" تستوجب إخضاع جميع دراجي المنتخب الوطني "أ" و"ب" للجنة التأديبية، ورفع دعوى لدى الشرطة القضائية قصد متابعتهم وإنزال أقسى العقوبات الحبسية، متوعدا بالتشطيب على أسمائهم من اللائحتين الوطنية والدولية للدراجين..

ولأن المغاربة عامة والرياضيين خاصة، بلغوا من الوعي ما لم يعد يسمح لهم بالاستكانة إلى سوء استغلالهم والتلاعب بشؤونهم والمصلحة العليا للوطن، لم يكتف أعضاء الفريق المغربي للدراجين بتلك الانتفاضة في وجه المسؤولين وامتناعهم عن مواصلة الطواف، بل إنهم رغبة منهم في تنوير الرأي العام والتصدي لمزاعم الرئيس وتهمته الجائرة "الخيانة الوطنية"، التي لا تستند إلى أي دليل مادي معقول، بادروا إلى عقد ندوة صحفية بمدينة الجديدة يوم الاثنين 16 أبريل 2018 ضدا عن محاولات المنع والقمع والتشويش، يرومون من خلالها الكشف عما يعانون من ظروف صعبة، يمكن إجمالها في الظلم والقهر والإهمال والتهميش والحرمان من أبسط المستلزمات الرياضية من خوذات واقية وأحذية رياضية منذ عدة شهور، فضلا عن غياب أبسط متطلبات الصيانة وإصلاح أعطاب الدراجات، وما تقابل به مطالبهم المادية واللوجيستية من استخفاف وتسلط ومحاسبة على كل حركاتهم وسكناتهم من قبل أعضاء الجامعة الوصية. مشددين على أن تمردهم لم يأت من فراغ، وإنما أملاه عليهم انعدام التواصل الهادف وهزالة المنح والأجور وما يتخبطون فيه من قرارات عشوائية مجحفة وسوء التدبير، فأرادوا بذلك تسليط الضوء على بعض الجوانب المظلمة، مناشدين أعلى سلطة في البلاد للتدخل العاجل ووضع حد للقائمين على شأن الدراجة المغربية، والعمل على معالجة الاختلالات القائمة وتحسين أوضاعهم والرفع من معنوياتهم لما فيه خير الوطن...

وإذا كنا هنا لا نتوخى البتة تشجيع الرياضيين في مختلف الألعاب الرياضية الجماعية والفردية، على مثل هذه الممارسات التي تتعارض مع أخلاقيات الرياضة والحس الوطني، لما لها من آثار سيئة، ولكونها لا تخدم بأي وجه من الوجوه المصلحة العامة للرياضة والرياضيين ببلادنا، فإننا نرفض بشدة تمادي المسؤولين في غيهم وإصرارهم الدائم على التملص من واجباتهم بشتى السبل والوسائل.

فمن العبث أن يتواصل السكوت عن استمرار هؤلاء "المسهولين" في تجبرهم واستهتارهم، وما يقومون به من افتراءات وتضليل وقلب الحقائق، بغرض تبرير إخفاقاتهم المتواترة وسوء تدبيرهم للمهام المسندة إليهم، ليس فقط في قطاع الرياضة بل بجميع القطاعات والإدارات، جاعلين من تهم "المؤامرة" و"خيانة الوطن" فزاعات لتخويف كل من يحتج ضد سياساتهم الفاشلة والعقيمة، والحفاظ على مناصبهم السامية ومصالحهم الذاتية... والحال أن الخونة الحقيقيين هم من نهبوا ولازالوا ينهبون خيرات البلاد والعباد في البر والجو والبحر... بدون حسيب ولا رقيب.

 

من نافلة القول أن فضيحة الجامعة الملكية المغربية للدراجات، التي تجاوز دويها حدود البلاد، أسقطت الأقنعة وكشفت عن الوجوه البشعة، وسيظل صداها يتردد في أذهان الرياضيين على غرار الفضائح السابقة، ما لم يتدارك الأمر أصحاب القرار بمعاقبة المسؤولين الحقيقيين، ممن كانوا سببا مباشرا في تمرد الدراجين وجعلهم ينسحبون من الطواف في مراحله الأخيرة، أولئك الذين لا يحسنون من عمل سوى سياسة الهروب إلى الأمام، والسعي إلى تكميم الأفواه عبر القمع وطعن الأبرياء في شرف الانتماء ورميهم بالتآمر والخيانة، في الوقت الذي يتعين تنفيذ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في حقهم وعدم الإفلات من العقاب. فهل من زلزال رياضي وشيك، يرد الاعتبار للرياضة الوطنية ككل ويحفظ كرامة الرياضيين؟ ذلك أملنا الكبير !



اسماعيل الحلوتي