أقام المغرب الدنيا ولم يقعدها من أجل تسلل بضعة عناصر من البوليساريو  بتواطؤ مع  النظام الموريتاني إلى منطقة الكركرات  في مارس 2017  ، وفي الحقيقة فهذه العناصر قد قطعت مسافة بعيدة جدا عن الرابوني أو مخيمات تندوف للوصول إلى أقصى جنوب الصحراء المغربية وما يتطلب  ذلك من  توفير لوازم   لوجيستيكية لولا  النظام  الموريتاني الذي سهل  عليهم عملية الوصول إلى أقصى  جنوب  الصحراء  لما استطاعت  شردمة البوليساريو الوصول  إلى  منطقة الكركرات ، و بعد  صدور قرار  مجلس الأمن 2414  فيما  يخص  موضوع الكركرات  اكتفى المغرب بتعلقيه على قرار مجلس الأمن وبأنه مرتاح  لهذا القرار وخاصة  أنه جاء صارما  من  حيث  صيغة ( الأمر ) التي تضمنها  القرار الموجهة  للبوليساريو  بمغادرة  منطقة الكركرات فورا  ....لكن ماذا حدث بعد صدور قرار مجلس الأمن 2414  فيما  يخص  موضوع الكركرات؟

ما كاد يجف حبر القرار 2414  حتى أعلنت البوليساريو عن  إقامة احتفالاتها في تفاريتي :

لقد تأكد  حكام الجزائر والبوليساريو أن روح  القرار 2414 الأخير لمجلس الأمن مستمدة  من  روح  وفلسفة  بيتر فان فالسوم الذي كان ممثلا للأمين العام الأسبق كوفي عنان ورؤيته  العميقة  لقضية الصحراء وخفاياها ، وهو الذي قال قولته الشهيرة أي ( فالسوم ) في أبريل 2008 " إن خيار الاستقلال الذي تطالب به البوليساريو خيار غير واقعي ، وأن خيار استفتاء  تقرير المصير الذي طرح سابقا  أمر تجاوزه الزمن " ...لا حظ  كثير من  المراقبين الدوليين  المهتمين  بقضية الصحراء أن القرار الأخير 2414  لسنة 2018  أعاد روح  وفلسفة  تقرير فالسوم  ورؤيته  لجذور  هذه المعضلة ، حيث جاء قرار مجلس الأمن 2414  لسنة  2018  يدعو إلى حل سياسي  يعتمد الواقعية وروح  التوافق ، كما  جاء  فيه كثير من التوبيخ بل تعنيف البوليساريو خاصة الفقرة الخاصة  بإخلاء منطقة الكركرات فورا وبصيغة تتضمن الأمر بسرعة الإنجاز الفوري ، بالإضافة  لسلسلة من الأمداح  الموجهة  لمنجزات المغرب في الصحراء المغربية بالإضافة للتعاطي مع  القضية بكامل الجدية  والعزم  التام  لحل هذه المعضلة  مقابل  تقريع  البوليساريو ، مع  الرفع  قليلا من  لهجته  عند مطالبة  الجزائر بأخذ أمر  التعاون  مع كافة  أطراف النزاع  لحل هذا المشكل  بجدية أكثر ...

 وكلنا يعلم جيدا  عقلية  قطيع الحركي أبناء وحفدة  فرنسا  الحاكمين في الجزائر ، فما كادوا  يشمون  رائحة  قاموس بيتر فان فالسوم  في هذا القرار أي (  الحل السياسي الذي يعتمد الواقعية وروح  التوافق ) قلنا ما كاد  حكام الجزائر يشمون رائحة  اعتماد التوافق والواقعية من بين سطور  القرار الأخير حتى ركبتهم  عنجهية الجاهلية  وقرروا  الدفع  بالمشكل إلى أقصى درجات التعقيد من خلال المؤشرات التالية  :

1) تكثيف الجزائر للمناورات العسكرية  وبالذخيرة الحية  لاستعراض  القوة  التي يعلم الله نجاعتها

2) التكرار  لدرجة الملل " على أنهم لا علاقة لهم  بجبهة البوليساريو " وهو كذب لا يجرأ عليه  حتى  الصبيان خاصة وأن العالم أصبح  يعرف جيدا خفايا  هذا المشكل الذي طال بسبب  عراقيل حكام الجزائر .

3) بقدر  ما  يصر  حكام الجزائر  على أنهم لا دخل لهم في قضية الصحراء  بقدر  ما يكشف الله  أكاذيبهم  وعلى التوالي :  سقوط طائرة بوفاريك المحملة  بميلشيات البوليساريو  مع تأكد  كثير من الملاحظين على أن  سقوط الطائرة كان بسبب حمولتها  الزائدة من العتاد العسكري الذي لم يتم  ربطه جيدا مع هيكل الطائرة  مما جعل العتاد العسكري  يتحرك في  جوف الطائرة  عند الإقلاع وتفقد  توازنها  لتسقط  وتفضح  نوايا  ومؤامرات حكام الجزائر ومناوراتهم ومكائدهم وما يدبرونه  للمغرب كرد  فعل  على القرار الأممي 2414  الأخير أي الدفع بالمشكل إلى المزيد من التعقيد وليس إلى الحل .

4) ما كاد يجف حبر السيل العرم  الذي  كُتِبَ عن سقوط  طائرة بوفاريك  حتى برزت  معالم  واضخة جدا  لظهور " فيروس حزب الله " في إحدى قنصليات  إيران في  الجزائر وما تلا  ذلك من  عواقب بعد أن تأكد المغرب بالحجج  الدامغة أن  ظهور عناصر حزب الله  في المنطقة المغاربية  لم يكن عرضا بل  كان ضمن  نسق مخطط  منذ 2016  وقد يكون قبل ذلك ، خاصة في مجال تدريب البوليساريو على  حفر خنادق  تحت  الجدار الأمني  المغربي  الذي  قهر  عسكر الجزائر  وسبب  لهم   عقدة  مضافة  لركام العقد  الاقتصادية والاجتماعية التي يعانون منها  تجاه المغرب  طيلة 56 سنة  من التخلف  التي تميز معيشة  شعب فقير بلده غني  من حيث  الموارد الطبيعية  مقابل المغرب  الذي لا يملك  ولو عشرها  واستطاع مع ذلك غزو  دول إفريقيا  اقتصاديا .

5) من كل ذلك نستنتج أن حكام الجزائر لا يهمهم  حل هذا المشكل ولا  التخفيف من معاناة   الصحراويين المحتجزين في مخيمات الذل والعار بتندوف بقدر ما يهمهم  تحقيق مصالحهم  الاستراتيجية  وهي  فصل الصحراء المغربية عن  الوطن الأصلي المغرب والإطلالة على  المحيط الأطلسي ، لذلك  فبعد صدور القرار 2414  الذي  خيب  آمالهم  زادوا  في سرعة  إثارة القلاقل  في المنطقة المغاربية  وشجعوا  البوليساريو على الاحتفال في تيفارتي  يوم الأحد 20 ماي 2018  بحضور بعض ما يسمى  بالجهات الأجنبية  على أرض  تعتبرها  الأمم المتحدة  شريطا عازلا  بين  المغرب والحدود الجزائرية والموريتانية ، شريطا خاليا من السلاح ، وتبعد  تفاريتي عن مخيمات تندوف بحوالي 400  كلم  تسمح  السلطات  الموريتانية دائما  بخرق حدودها  عند العبور  من  تندوف  سواءا إلى  بئر لحلو  أو تفاريتي  وذلك  في  مؤامرة  محبوكة  بين  حكام الجزائر والنظام الموريتاني .

لماذا مرت احتفالات البوليساريو في " تفاريتي " تحت شعار للأمم المتحدة :  ضبط النفس "

إن إصرار  كل من الجزائر  وموريتانيا على هذا التحدي  المتمثل في  دفع البوليساريو لإحياء  تلك الاحتفالات  في تفاريتي وليس  في المخيمات ولا حتى في بئر  لحلو القريبة نسبيا من  تندوف ، هذا الإصرار  وهذا التحدي من طرف  الثلاثي ( الجزائر – موريتانيا – البوليساريو )  ويجب أن نضيف حتى  تواطؤ  عناصر المينورسو ، تحدي  البوليساريو  هذا  لاشك  يخفي أشياء كثيرة  تغيرت  بعد  صدور قرار مجلس الأمن 2414  ستظهر  فيما بعد ، قد تكون مثلا : مشروع مخطط  للتسوية  يطبخه  الممثل الجديد للأمين العام للأمم المتحدة  السيد  كوهلر مع  هذه العناصر الأربعة ( الجزائر – موريتانيا – البوليساريو – المينورسو ) ومن المغامرة  القول باعتبار المغرب  مساهم في هذا المشروع  المحتمل ، وقد يكون اختبارا  لدرجة ضبط النفس ورباطة الجأش لدى  المغرب في مثل هذه  المواقف ...

والغريب أن مجلة إلكترونية  للإنفصاليين تلك المسماة ( المستقبل الصحراوي )  أوردت  في عدد 20 ماي  2018  بيانا  لغوتيريس  حول تنظيم  احتفالات  البوليساريو يوم 20 ماي  2018   بتفاريتي  يقول  بيان غوتيريس   : " دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى أكبر قدر من ضبط النفس في الصحراء الغربية، محذراً من أي تغيير في الوضع القائم في هذه المنطقة المتنازع عليها بين المغرب وجبهة بوليساريو.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة في بيان له إن “الأمين العام يتابع من كثب تطور الوضع في الصحراء الغربية”، دون أن يوضح الأسباب التي دفعته إلى إصدار هذا البيان.
وأضاف البيان أنه “طبقاً لآخر قرار أصدره مجلس الأمن الدولي حول الصحراء الغربية في نهاية أبريل(نيسان) الماضي وفي سبيل الحفاظ على جو ملائم لاستئناف الحوار برعاية مبعوثه الخاص هورست كوهلر فإن الأمين العام يدعو إلى أكبر قدر من ضبط النفس”، وشدد على أنه لا يجوز أي تحرك من شأنه أن يغيّر الوضع القائم " ....انتهى بيان غوتيريس  حول استفزاز  الجزائر والبوليساريو للمملكة المغربية  الذي نشرته مجلة المستقبل الصحراوي الانفصالية ، ذلك  البيان الذي أصدره  غوتيريس أثناء عمليات وأنشطة  البوليساريو  من أجل تغيير الوضع القائم .... واشرب البحر  يا غوتيريس !!!!!

ومن خلال بيان غوتيريس  يتبن لنا ما يلي :

1) يحذر البيان من أي تغيير في الوضع القائم في هذه المنطقة المتنازع عليها بين المغرب وجبهة بوليساريو... ومع ذلك تقوم  البوليساريو بتحدي الأمم  المتحدة  وذلك بتغيير الوضع القائم  بالطبول والمزامير والخطب  التي تمجد  تغيير  معالم  الوضع  القائم .

2) وحينما يكتفي الأمين العام  للأمم المتحدة  بتوجيه  طلب  إلى المغرب  يدعوه فيه  إلى" ضبط النفس" في ذلك الوقت  تؤكد  البوليساريو أن  ذلك لايعنيها  من خلال  تعليق البوليساريو  الذي يقول " دون أن يوضح الأسباب التي دفعته إلى إصدار هذا البيان " .....( أي أن طلب ضبط النفس موجه فقط للمغرب  الذي يعتبر منطقة تفاريتي تدخل  حسب خرائط الأمم المتحدة  ضمن المنطقة العازلة  ) في حين  لايعني البوليساريو  طلب ضبط النفس إما لأنها  قد أعلنت الحرب على المغرب  وبذلك تكون قد تجاوزت مرحلة ضبط النفس  إلى إعلان الحرب  ، أو إنها تعتبر تلك الأنشطة التي  تقوم بها  في تفاريتي لا تدخل في باب تغيير الوضع القائم منذ 27  سنة ...ومع ذلك لابد من ملاحظة أنه  كيف يمكن تفسير  سكوت  البوليساريو 27  سنة  دون  تغيير  الوضع القائم ،  وبتعبير آخر أنها كانت  لاتعتبر ذلك من حقها إلا بعد مرور  27  سنة ؟  فماذا  حصل  قبيل  إصدار القرار 2414  وبعده  ؟  فهل  تغيرت المعاهدة أم هو  تفسير جديد  لاتفاقية وقف إطلاق النار تفتقت عنه عبقرية  حكام الجزائر بعد 27  سنة ؟

3) تنشر البوليساريو ادعاءاتها  من أنها  غيرت الوضع القائم  أو أنها  ستغيره ( هكذا فمرة تقول إنها  فعلت ذلك منذ  السبعينيات من القرن الماضي  ومرة  تذكر بصيغة المستقبل  أي ستفعل  ذلك ) تقول مثلا :"  وذلك ببناء مقرات إدارية في بلدة بئر لحلو المحررة لرئاسة الأركان العامة للجيش الصحراوي، وتشييد مقر لرئاسة الجمهورية ببلدة التفاريتي الطاهرة، وهي المناطق التي تبعد عن الجدار  المغربي بحوالي 80 كليومتر ( نفهم أن ذلك مخطط له في المستقبل ) ... ثم تتناقض البوليساريو مع نفسها وتقول  " وهذه  المناطق  كانت تمارس عليها الدولة الصحراوية سيادتها الكاملة دون نقصان  فيحميها جيشنا المغوار ويقيم بها الالاف من أبناء شعبنا في بلديات (بئر لحلو والتفاريتي وأمهيريز وميجك وأغوينيت والدوكج)، تضم مدارس ومستشفيات وأبار مياه وغيرها من مقومات الحياة، وتقيم فيها الذكريات والمناسبات الوطنية، وتستقبل فيها الوفود والشخصيات الدولية (بان كيمون مثلا  ) ويعتمد بها السفراء... انتهت  ادعاءات  البوليساريو  حول  المناطق العازلة ... فما الذي تغير ياترى!؟ .... للوهلة الأولى  يبدو هذا الكلام مجرد  هرطقة  واضحة تجمع  الأحلام  بالمتمنيات مع  كثير من الرعونة  التي قد تفضي  إلى ما  لاتحمد عقباه ، وأحيانا  يبدو كلامها أنه ينطوي على أشياء كثيرة  قد  تظهر  في المستقبل  القريب .

ألا تزال البوليساريو تحلم  بمفاوضات مع المغرب وقد  تَحَدَّتْ العالمَ  وغيرت الوضع القائم بالقوة ؟:

لا يمكن لأي طالب  مبتدئ  في دراساته العليا  في العلوم السياسية أو القانونية أن  يتصور أن  القرار الأممي 2414  الذي  حَرّمَ  على البوليساريو  بالواضح  المساس  بالوضع القائم الذي كان  يوم  توقيع  اتفاقية وقف إطلاق النار عام 1991  سيسمح لها  بإقامة  أنشطة  سياسية  واستعراضات عسكرية  في المنطقة  العازلة  ولايزال  حبر قرار  مجلس الأمن  المذكور لم  يجف بعد ؟  فما يبدو  للوهلة الأولى  من هذه  الوضعية  أن الأمم المتحدة  لم يعد لها  تأثير أو أية قيمة  في تدبير النزاعات  بين الدول ، وأنها  أصبحت مجرد مطبعة  لطبع تقارير وقرارات  فاقدة التأثير على الوضع القائم  في أي نزاع ، وأن هذه  الهيأة أصبحت صفرا على اليسار ، وعليه يكون المغرب  بعدم تدخله العسكري أثناء  خرق البوليساريو اتفاقية وقف إطلاق النار  بالدخول  بكثافة  في المنطقة العازلة  قد  اتقى  شر إراقة الدماء   مجانا  مع شردمة لا يستحق أن يأخذ  ألاعيبها  بجد  ، والعقلاء يرفضون  ادعاء البوليساريو  أن  تلك المناطق التي دخلتها  لا تشملها  اتفاقية وقف إطلاق النار لسبب بسيط : وهو  لماذا  انكمشت  قيادة البوليساريو طيلة  27  سنة  في الرابوني ولم  تصبح هذه المناطق محررة  إلا  في الأيام  الأخيرة  ولم  تطلق رصاصة واحدة  مع المغرب  لتحريرها  لأن الجيش المغربي لم يخرج قط  من  وراء  جداره الأمني  ؟  فمن  أي جيش  حررت  البوليساريو هذه  الأراضي  لولا  أنها  وحليفتها  قرروا  خرق  اتفاقية  1991  والمغامرة  لمعرفة  رد  فعل  المملكة المغربية  وحدود  رباطة جأش  الجيش المغربي على هذه الحركات الصبيانية  التي  يعرف العالم أنها  خرق سافر للاتفاقية  المذكورة ...

الأسئلة المطروحة اليوم هي :

1) السؤال الأول : هل  رضي المغرب  بهذا الوضع  وأنهى  هذا الأمر  ووجع  الرأس  حيث  ترك  البوليساريو تخرق وقف إطلاق النار  في ذلك المثلث شمال الصحراء ( بئر لحلو – تفاريتي وما بينهما ) بالإضافة إلى المناطق الموريتانية  المشاعة  للجميع  والقريبة من تفاريتي مثل عين بنتلي وبير ام غرين  الموريتانيتين  ، وهكذا  يجد المغرب سببا  قانونيا  للتملص  دائما وأبدا  من أي مفاوضات مع البوليساريو بدعوى تغيير البوليساريو للوضع القائم ، لأن البوليساريو  وحلفاءه  قد وجدوا  حلا  لهذا المشكل ، فعلى أي شيء  سيفاوض المغرب البوليساريو وقد  وجدوا  مع  حلفائهم الجزائر وموريتانيا  وبتواطؤ  مع المينورسو الحل  الذي  سيبقى  عائقا  أمام  أي تفاوض مع المغرب ، لأن المغرب  لن يقبل الجلوس مع  البوليساريو طالما  لم  ينفذ هذا الأخير  قرارات  مجلس الأمن  بالعودة  إلى  مخيمات تندوف  وإعادة  الوضع كما كان .

2) السؤال الثاني :  هل يعلم المغرب – مسبقا -  بقرارات قد تم  اتخاذها من طرف  الدول العظمى  لوضع  حد لهذا العبث  الجيواستراتيجي  لحكام الجزائر  وقرروا  إنزال  حل  لا  يخرج عن  شرط المغرب  وهو " ضرورة  أن  يكون حلا  تحت السيادة المغربية " ... فكما قلنا سابقا  فقد أقام المغرب الدنيا ولم يقعدها  بسبب بضعة  عناصر من البوليساريو تسللوا إلى  منطقة الكركرات في مارس 2017  واعتبروا ذلك نصرا كبيرا ، لكن  حينما احتج المغرب على ذلك  أصدر  الأمين العام للأمم المتحدة  الجديد غوتيريس   أمرا  بعودة  البوليساريو إلى  تندوف ، في البداية  تلكأ  البوليساريو  في تنفيذ القرار وسمى انسحابه  ( بإعادة الانتشار )   لكن لما جاءتهم أوامر  جنرالات الجزائر بالعودة إلى ديارهم  بتندوف  عادوا  يجرون  ذيول الخيبة  إلى  مخيمات تندوف وهو الأمر الذي جر عليهم  سخط ساكنة  مخيمات الذل بتندوف ، وقرأنا  أثناء ذلك كلاما واقعيا  من بعض كتاب البوليساريو مثل المقال الشهير بعنوان " النصر الكاذب يولد هزيمة  مؤكدة "  في إشارة  لترويج  قيادة البوليساريو أنهم حققوا انتصارا باهرا  حينما وصلت بضعة  سيارات  رباعية الدفع  إلى الكركرات ، وحينما  نزل عليهم  أمر  غوتيريس  عادوا  من حيث أتوا  وفعلا  كان نصرا كاذبا  تولد عنه  هزيمة نكراء على المستوى الدولي....  ربما يكون  المغرب قد استجاب  لنداء  غوتيريس المعروف ببيان " ضبط النفس " عندما  دخلت البوليساريو إلى تفاريتي وأقامت احتفالات  سياسية  وعسكرية  وأطلق خطباء البوليساريو العنان  لكلام  يوحي بأنهم  غدا  سيبدأون في بناء  المنشآت العسكرية والإدارية  والمدارس والمستشفيات في تلك المنطقة  في  بادرة  واضحة  لاستعدادهم للخروج من تندوف أو  التخفيف  من  وجودهم  فيها ....إذن لماذا  امتثل المغرب  لأمر  غوتيريس  بضبط النفس  أمام  حالة  هي أخطر من  حالة  وصول  بضعة  عناصر  البوليساريو  للكركرات ؟

عود على بدء :

 تعالوا  نفكر  قليلا  فيما جرى ويجري  في كامل  التراب  الصحراوي  أي الساقية الحمراء ووادي الذهب من شمالها إلى جنوبها  ومن شرقها إلى غربها ... ألا يمكن أن نفصل النزاع بين  الجزائر والمغرب  على  الصحراء  من جهة  وبين  حاجيات  الساكنة الصحراوية  على العموم من جهة أخرى  وخاصة تلك  المجموعة  التي خطفها  ذات يوم  بومدين  وحملها على شاحناته العسكرية  ورمى بها  في فيافي تندوف وتركها  تعيش  بين العقارب والأفاعي طيلة 43  سنة ؟ ألا يحق  لهذه  الفئة من الصحراويين أن يرفع عنها  العالمُ  كله - بما فيه  المغرب - الظلم  الإنساني  من حيث  توفير  الحد الأدنى  للعيش الكريم  وهنا لا بد من التذكير بما جاء  في إحدى  خطب ملك المغرب  بمناسبة  الذكرى 40  لتحرير الصحراء  حيث  شن العاهل المغربي  هجوما على الجزائر، كاشفا أنها "حولت سكان مخيمات تندوف إلى متسولين للإعانات الإنسانية".و تساءل الملك : كيف تترك الجزائر 40 ألف شخص، في المخيمات، دون أن توفر لهم، طيلة 40 سنة، السكن اللائق"، مضيفا أن "عدد سكان المخيمات، لا يتجاوز  عددهم سكان حي متوسط في العاصمة الجزائر".وواصل الملك  رسائله الاستنكارية صوب الجزائر قائلا :  "كيف تقبل الجزائر التي صرفت المليارات، في حربها العسكرية والدبلوماسية" بترك سكان مخيمات تندوف، في "هذه الأوضاع اللا إنسانية؟"، قبل أن يؤكد أن الجزائر حولت الصحراويين في تندوف، إلى "غنيمة حرب ورصيد للاتجار غير المشروع" ... انتهى عتاب ملك المغرب على بوتفليقة ...

صحيح أن ساكنة مخيمات تندوف تستحق رفع  المذلة والهوان عليها ، وتستحق أن  يوفر لها حكام الجزائر  الحد الأدنى  للمعيشة اليومية ، لكن يبقى السؤال هو أين  يتم توفير ذلك وكيف ؟  فهل  يجب تطوير معيشة ساكنة  مخيمات تندوف  نحو الأفضل  في المكان  الذي  وضعهم فيه  بومدين ؟ أم  سيضرب  النظام الحالي عصفورين بحجر واحد : الأول : إخراجهم من تندوف  ومواجهتهم مع المغرب والأمم المتحدة ، والثاني الدعوة إلى إعمار  منطقة  بئر لحلو وتفاريتي  بحجة  تحسين معيشة  الصحراويين  الذين كانوا يعانون في المخيمات .

هذا كلام جميل وإنساني وتنموي  اجتماعي يهدف إلى رفع  الظلم  المعيشي  لساكنة عاشت 43  سنة  في الخيام البالية ، لكن ، ووراء كل لكن  مطرقة  تشق الرأس : لكن  لماذا  الاستعراضات العسكرية  للبوليساريو في احتفالات تفاريتي  إذا كان هدفهم  هو رفع الظلم المعيشي على ساكنة  الذل في مخيمات الذل ؟  فهل – بالله عليكم – يحتاج  الوضع  إلى المزيد من  الأكاذيب والتخاريف والخزعبلات ، نعم  تلك الاستعراضات المسماة عسكرية  ليست سوى حركات  بهلوانية صبيانية  من تدبير كبار  الهرمين  الخرفين  المصابين بالهتر  والخرف  العقلي الحاكمين في الجزائر  والجاثمين على  صدر الشعب الجزائري  والذي  لو  فتحنا  رأس كل واحد منهم  سنجد فيه  دبابة أو صاروخا  أو على الأقل  بندقية كلاشينكوف ، فهي جماعة  للشر فعلا  فحتى  لو أراد  أحدهم  أن  يفعل  خيرا  يفعله  بالعنف المبالغ فيه  والتنطع  المقيت ...

إذن ليست هناك رغبة  في تحسين معيشة  ساكنة  مخيمات الذل بتندوف ، بل هناك مخططات للزيادة في تعقيد المشكل لأن  حكام الجزائر يستحيل أن يدفعوا  بالمشكل نحو الحل خاصة وأن  جماعة البوليساريو لا  كلمة  لها  بل هم قطيع  يدفع به  نظام الجزائر  نحو  المزيد  من  العذاب ... فكيف لحكام الجزائر الذين  يكرهون  شعبهم وهو الشعب الجزائري  ويسرقون أمواله بمئات الآلاف من ملايير الدولارات ، كيف ننتظر من هؤلاء الحكام  أن  يسعوا  في الخير  لساكنة  مخيمات الذل ...

 فغدا  سيخرج قرار أممي صارم  بعدم  المساس بالوضع القائم  ويبقى  احتفال البوليساريو  بتفارتي مجرد  زوبعة في فنجان  وذكريات  تلوكها الألسن ، وسيعود الجميع من حيث  جاءوا  ويبقى  احتفالهم  خالدا  لكنه  تحت شعار " ضبط النفس " لا أقل ولا أكثر ...

لقد سمع المغرب من غوتيريس  بيانه الذي يدعوه فيه إلى " ضبط النفس" ، وفعلا  ضبط المغرب  نفسه إلى أقصى الحدود قياسا  بالضغوط التي كانت  أقل  من ضغوط  تفاريتي  وأعني خروقات الكركرات ، وكأن غوتيريس  يقول للمغرب   : اضبط أنت  نفسك  ولا  تدخل في  مواجهة مع هؤلاء لأنني أعرف أنهم مجرد  بيادق مدفوعين من طرف  شيوخ  سفهاء فشلوا في تدبير شؤون وطنهم رغم غناه  ، وما حركات  البوليساريو في تلك المنطقة العازلة سوى  زوبعة في فنجان ....

   ومع ذلك يبقى السؤال  الملح : هل ستكون  احتفالات البوليساريو في تفاريتي يوم 20  ماي 2018  منعطفا  قويا في  قضية الصحراء أم  سيكون  نصرا كاذبا  سيولد  هزيمة  مؤكدة ؟

رغم ما قيل وما سيقال  ستبقى تلك الأنشطة السياسية  والعسكرية  التي جرت في تفاريتي  خرقا سافرا  لمعاهدة وقف إطلاق النار الموقعة  عام 1991  من طرف البوليساريو ، ولا شك ستبقى  مُدَانة  بقوة ومحفورة  في قرار  مجلس الأمن  المقبل الذي  سيخرج للوجود في نهاية أكتوبر  2018  المقبل إن شاء الله ...

أما  حلم المفاوضات مع المغرب  فعلى البوليساريو  أن  ينسى  ذلك  نهائيا  لأنه اختار أن يمشي في طريق  رسمها له حكام الجزائر ألا وهي طريق  الزيادة  المُطَّرِدَة  في تعقيد المشكل لأن  ذلك  يخدم مصالح  المتصارعين على الحكم في الجزائر دائما وأبدا سواءا  قبل بوتفليقة أو ما بعد بوتفليقة  أو ما بعد بعد  بوتفليقة فهكذا خلقهم الله  للصراع على الحكم  منذ  ترك بينهم الجنرال دوغول خلفاؤه ... وطالما  البوليساريو  يمشي  في طريق  تغيير  معالم  الوضع الذي كان قائما  في المناطق العازلة  فلن يحلم  بقبول  المغرب  للتفاوض مع البوليساريو أو  غيره  أبدا ....

 

 

سمير كرم خاص للجزائر تايمز