شهر رمضان، الكريم، أو الفضيل، أو غيرها من الأسماء التي تنهل من "الطوباوية الدينية" لا تعكس حقيقة ما يجري في الحياة اليومية خلال رمضان في المجتمع المغربي، قد يكون فيه من الفضل والكرم ما فيه، لكنها ليست صفات تنسحب كلّيا عليه، واسألوا النساء إن كنتم لا تعلمون !

إن ما يجري في شهر رمضان كلية، أكبر بكثير من مجرد محاولة اختزال كهته، فرمضان ظاهرة اجتماعية كلّية un phénomène sociale totale، استلهاما لتعبير الأنثروبولوجي الفرنسي "مارسيل موس". نعم فرمضان مركّب من الظواهر الأخطبوطية المتشابكة التي يصعب فصلها عن بعضها، ففيه النفسي والاجتماعي والاقتصادي والبيولوجي والتاريخي..وغيرها من المركبات والأبعاد. لذلك يعتبر السلوك الرمضاني معقدا ومتعددا يصعب حصره أولا، وتفسيره ثانيا، خصوصا من زاوية نظرية ضيقة..

لكل هذه الاعتبارات وغيرها، اخترت أن أتحدث هنا فقط عن علاقة شهر رمضان بإنتاج وإعادة إنتاج القيم الذكورية، والتي تتعدد مظاهرها بدورها، لكني سأزيد من التخصيص لأركز على حضور المرأة في رمضان بين المجالين العام والخاص، وأقصد بهما البيت والشارع.

فلنبدأ أولا من البيت، لن أجازف أبدا إن قلت أن المرأة (باختلاف وضعياتها العائلية) تتحول إلى مجرد خادمة في رمضان، تقضي أغلب وقتها في المطبخ تحضر ما لذ وطاب من الأطعمة باختلاف أشكالها وأنواعها لأن الأمر يتعلق بصائمين عن الطعام طيلة اليوم ينتظرون أطباقا مختلفة طعمها ولونها، ولو أنهما وجبتان في اليوم فقط، فالتحضير لهما يفوق عناءه عناء المعتاد من الشهور والأيام، وبعد أن تمتلئ البطون، تجد المرأة نفسها محاصرة مجددا بجبل من الأواني تنتظر التنظيف، وتنضاف إليها مهمة أخرى تتعلق بالأولاد الصغار ممن لا يصومون ويلزمهم وجباتهم العادية من فطور وغذاء..

المفارقة فيما سبق أن هذا العمل الشاق الذي يلصق بالمرأة يتم من منطق ذكوري يختزل المرأة في دورها التقليدي، أي الرعاية بشؤون البيت، وهذا الوضع يشمل فئة واسعة من النساء اللائي يشتغلن خارج البيت أيضا، وهنا يبرز التقسيم الاجتماعي الذكوري للعمل، فالزوجان يشتغلان معا خارج البيت ولكن طرفا واحدا ينضاف إليه عبئ الأعمال المنزلية دون الآخر وفق تمثل ذكوري سائد يعتبر العمل المنزلي من صميم أدوار المرأة، المرأة وفقط، تتساوى فيه جميع النساء باختلاف وضعياتهن. هذا فيما يخص المجال الخاص.

أما المجال العام، فتطرح مسألة أخرى تنم عن ذكورية تكشر عن أنيابها في رمضان، وهي المتعلقة بجسد المرأة في هذا الفضاء العام...من حيث شيطنة هذا الجسد واعتباره منبع الإثم والخطيئة، فأغلب النساء يعمدن إلى ترك مواد الزينة خلال نهار رمضان، ويحاولن ما أمكن تجنب اللباس الضيق المثير لغرائز الرجال..وهذا لا ينفي كون السلوك هذا نابعا من قناعات إيمانية/ثقافية لدى المرأة أيضا، فالمرأة نفسها استدخلت القيم الذكورية وأعادت ولازالت تعيد إنتاجها...إلا أن الأخطر هو المضايقات التي يمكن أن تتعرض لها النساء المخلات بهذه الضوابط الرمضانية في المجال العام، وهو ما يجعل المسألة تتجاوز خطوط القناعات الشخصية إلى الإكراه اللفظي والبدني...كل هذا يثبت ويعزز فرضية النظرة الذكورية إلى المرأة في رمضان، التي تختزلها في مجرد جسد هو مصدر الغواية والفتنة.

هكذا إذن تتحول المرأة في رمضان إلى آلة مطبخية تلبي طلبات البطون الجائعة، فيعاد إنتاج دورها التقليدي كربّة بيت، أو ينظر إليها كمجرد جسد هو مصدر فتنة وتهديد وإفساد لصيام الصائمين...ذكورية في منزلها وذكورية خارجه، حصار رمضاني هو إذن في انتظار حلول الليل الذي ترتفع فيه كل المحظورات...وتلك قصة أخرى !

رشيد لبيض