لقد ساد الاعتقاد عند العديد من المهتمين بواقع المشهد الحزبي المغربي أن حزب التجمع الوطني للأحرار قد "دخل دوامة من الانحدار السياسي"، وتم الاعلان عن "فرملة صعوده". فهذا كلام غير موضوعي وحكم سابق لأوانه، وفيه تجاهل وتبخيس لتاريخ الحزب. فالتجمع الوطني للأحرار تجذر داخل المجتمع المغربي منذ أزيد من أربعين سنة، وأصبح رقما لا غنى عنه في واقع التوازنات السياسية للبلاد.

مما لا شك فيه أن الأحداث الأخيرة أثرت نسبياً على نشاط الحزب وعلى الوتيرة التي كان يسير بها مؤخراً، كما أنها كشفت عن خلل في "الذات التجمعية"، فهذا أمر طبيعي لأن الحزب يعيش مرحلة انتقالية، وهو يؤدي ضريبة تحديات هذه المرحلة، وضريبة سرعة وتيرة التغيير، والاعلان عن نواياه السياسية والانتخابية مبكراً.

والملاحظات المسجلة في المدة الأخيرة أنه برزت داخل الحزب دينامية لا يمكن الاستهانة بها، ارتفعت معها أسهم الحزب في بورصة المشهد الحزبي المغربي، وذلك بفضل مشروعه في اعادة بناء الذات، لأجل استعادة توهجه وقوة حضوره التنظيمي في عموم الجهات والأقاليم. فمشروع "مسار الثقة" هو علامة فارقة في طريق اعادة البناء، لكنه يبقى طريق مليء بالمنعرجات وطويل وشاق وغير معبد، فهو سيرورة ممتدة تتطلب الارادة السياسية، واستيعاب التحولات والتطورات التي عرفها المجتمع المغربي، مع الابتعاد عن الاعتماد على الحشد السريع والموالين، والتسرع وسوء التقدير، وأن يستعيد الحزب مكانته الحقيقية في دور الوساطة بين المواطن والدولة. كما هو مطالب أن يولي أهمية بالغة للفكر العميق والمتبصر في حياة الحزب، من أجل تخطي آفة الجمود الفكري وضعف التثقيف، فإعادة تفعيل التثقيف الحزبي يساهم في اعادة الوهج والدينامية للحزب. هذه الاختيارات لا مناص منها لتمكين الذات "التجمعية" من تجاوز الأعطاب التي تشكو منها.

وختاماً، على حزب التجمع الوطني للأحرار أن لا يخطئ ولا يحق له الخطأ في تقدير الأمور، وتكون ردود أفعاله لا تتناسب مع المرحلة، ولا يمكن له أن يفتح كل جبهات المواجهة والصراع دفعة واحدة. فحزب التجمع الوطني للأحرار هو بحاجة لتحالفات مع حلفاء يتقاسم معهم الهوية السياسية والفكرية، وأكبر رهان ينتظره في هذه المرحلة هو أن تكون ردود أفعاله تتناغم وتتناسب مع المرحلة الحالية؛ وفرصة مواتية للقطع مع الرداءة والجهل السياسي والمعرفي، فهاته المرحلة تمثل للتجمع فرصة تاريخية لتجاوز كل العقبات والعراقيل بكل نجاح ويخرج منها قوياً نحو إعادة بناء حزب قوي ومتطور من طراز جديد لا مكان فيه لكل ما هو رديء، وقادر على أن يساهم في تجويد العمل الحزبي والسياسي تكون لغته الوطن وهمه المواطن.

يحي الصغيري

*باحث في سلك الدكتوراه علوم سياسية