تكاد جميع البرامج الحوارية تتناول لقاء القمة بين بوتين وترامب ومحاولة الإجابة على سؤال: هل خرج بوتين منتصرا؟ وقد أجاب جميع الخبراء بأنه من المبكر الحكم لأننا لا نعرف على ماذا اتفقوا، وعندما ترشح مزيد من المعلومات، سوف نتمكن من الحكم على نتيجة هذه الملحمة التي جرت ولا تزال تجري بين وكلاء الطرفين من حروب وويلات وكوارث.

ولكن وعلى الرغم من التكتم وإجابة الرئيسين بوتين وترامب إجابات مختصرة ومغلفة بعبارات عامة تحتمل معان كثيرة، إلا أنه يمكن القول أن بوتين انتصر بشدة على الولايات المتحدة في معظم الملفات الخلافية بين الطرفين كجزيرة القرم وأنابيب الغاز وسوريا، ولم يعد سرا أن سبب حرب سوريا هو مد الأنابيب عبرها لتصدير الغاز إلى أوروبا، والذي يبدو أن روسيا وايران فازتا به وبشار الأسد باق في السلطة وجزيرة القرم حسم أمرها منذ أمد عندما جرى استفتاء شعبي في الجزيرة حول الاستقلال وأظهرت النتائج أن الشعب لا يريد الاستقلال عن روسيا لأن 70% من سكان الجزيرة من أصل روسي ويتكلمون الروسية ويريدون الانتماء إلى روسيا. وحتى في مجال التجارة الحرة التي ظلت تفرضها الولايات المتحدة على دول العالم بالسوط، أصبحت لا تريدها وتخاف منها لأنها هزمت أمام طوفان الصناعات الصينية، وباتت تريد أن تحمي نفسها، واستعادت قوانين فرض الجمارك والضرائب، وهي اليوم تستجدي روسيا لحلول وسط لا تقصم ظهرها.

الخوف الآن هو أن ترد الولايات المتحدة اعتبارها على أكتاف العرب، وتدفعهم لحمايتها وخوض الحروب بدلا عنها. من خلال زيادة إنتاج النفط، وقبل ما يقرب من ثلاثة عقود، أوعزت لصدام حسين أن يغزو الكويت، لكي ينهار العراق، وسوف تسعى بكل مفكريها ومخططيها لإيجاد ثغرات تزج العرب فيها لتحمي نفسها، لأنها لا يوجد غير العرب منقذا لها.

لا شك أن الأنظمة العربية لديها مفكروها ومخططوها، وعليهم أن يحذروا ولا يكونوا طوع أمر الولايات المتحدة، فهي خائفة جدا وإسرائيل خائفة جدا، وهذه نقطة يجب الاستفادة منها، وعليهم ألا يتصرفوا وكأنهم ضعفاء كالغريق الذي يتعلق بقشة، ويقبلون بالإملاءات دون مقابل. إن الموقف الأميركي لم يعد كالسابق، فقد لعبت روسيا بشكل فعال هذه المرة، لأن لديها مصلحة كبرى، فهي تريد السوق الأوروبي لتصدير الغاز وتريد أن تتجه ايران إلى أوروبا من منافذ أخرى كسوريا وألا تنافسها بالاتجاه شمالا في تصدير الغاز، وهذا التقسيم يضمن استفادة الطرفين. وإزاء هذا الوضع، وجد ترامب نفسه خاسرا. وإذا ما تفاوض الطرفان، فسوف يتفقون على تقسيم يرضي ترامب إلى حد ما، ولكن ربما تميل كفة الميزان لصالح روسيا.

إن الذكاء في عقد التحالفات ينقذ البلاد من شتى المخاطر، وهناك دول قوية غير الولايات المتحدة التي لا يهمها سوى أمن إسرائيل وتحقيق أقصى فائدة مالية ممكنة، وهي اليوم تصارع لتنقذ نفسها، ولم يرفع ترامب شعار "أميركا أولا" من فراغ، بل من مخاطر عديدة تواجهها الدولة، وعلى العرب أن يستثمروا هذا الوضع.