اه اه صوت فتاة فقدت اباها في الحرب مع إيران، فأصبحت يتيمة منذ صباها، وفقدت زوجها في حرب الخليج، وأصبحت ارملة وهي ما زالت في ريعان شبابها، وفقدت ابنها الوحيد على يد الإرهاب، وأصبحت وحيدة بعد ان بلغت الأربعين من العمر.

هذه باختصار حياة الكثير من النساء العراقيات، اه بعد أخرى والم بعد اخر، صدى الموت لا يكاد يفارق اذنيها، التي اعتادت ان تسمع الاخبار السيئة، وترفض ان تسمع كل لحن جميل.

حتى الضحكة ان تجرأت وتقربت من شفاههن، سرعان ما يتذكرن الحزن والموت، فيرددن عبارة "ضحكة خير يا رب" لأنهن يدركن ان هناك خبرا مشؤوما ربما يطرق الباب في أي لحظة، ليخبرهن بأنهن قد فقدن عزيزا اخر. لنكن أكثر جراءة ونقول، ان الوطن احتاج قربانا اخر، وقد اختار عزيزا عليك.

المشكلة أن جميع الحكام يتحدثون عن قدسية الأرض، وضرورة الدفاع عنها بالمال والدم ان تطلب الامر ذلك، لكن لم نشاهد يوما أحدا من هؤلاء قدم ولده او ماله من اجل الوطن، بل على العكس يسخر كل شيء في الوطن من اجله هو وذويه.

جميع من يصل للسلطة، يتحدث عن جنة موعودة، لمن يستشهد وهو يدافع عن وطنه. لكن السؤال هنا، الا يستطيع الانسان الدخول الى الجنة، دون ان يسفك دمه؟ اليس تربية الأبناء ورعايتهم جهاد، اليس ترك امرأة شابة مع اطفالها، يحدث اخلال بالمنظومة الاجتماعية؟ ويعرضها لأخطار جمة، منها الوقوع فريسة بأيدي أبناء الشيطان.

جميعنا يرغب في الدخول الى الجنة، لكن أيضا من حق الجميع ان يحيا ويعيش مع من يحب، فيفوز بالدارين.

ليس هناك اعتراض على الشهادة، ولا شك بدخول من يدافع عن الوطن بالفوز فيها، لكن ان كان هذا الدفاع جاء عن شر قد قرر ان ينال من هذا الوطن، لكن الذي يحدث عادة، تزهق الأرواح ويسفك الدم من اجل اخطاء او رعونة الحكام وامزجتهم.

لقد مرت الأعوام، وانقضت السنين، ولا زال هاجس الخوف يطارد جميع النساء العراقيات، فكل ام او زوجة تعيش القلق كل يوم، منذ خروج رب الاسرة الى العمل لغاية عودته، وكلما طرق باب المنزل، يكون احتمال الخبر السيئ أحد الاحتمالات القوية، التي يداهم فكر المرأة.

أصبح الشعب العراقي يصنف الموت الى صنفين: موت من خلال القتل والإرهاب، وقد أصبح اغلب موتنا بهذا الشكل، وان سمعنا به كأنه امر طبيعي جدا، بل وتتداول جثة المقتول في البيجات ووسائل التواصل، فيراه الرجل والمرأة وحتى الأطفال في أحيان كثيرة، ولا يغادر المقطع الا حين إتمامه، وربما الكثير منا يشاهد المقطع وهو يتناول الطعام او يحتسي الشاي.

اما الموت الثاني ونسميه "موت الله" وهو ما يحدث من جراء مرض، او بصورة فجائية، وهذا الموت أصبح غريبا علينا، ونعجب كثيرا عندما نسمع ان فلانا مات دون ان يسيل دمه.

أصبح الشعب العراقي عنيفا جدا، ويمتلك قساوة القلب بسبب كثرة مشاهد القتل والموت، التي تحتل جزءا مهما من ذاكرته، منذ صباه وحتى مشيبه.

لذلك امنيتنا كشعب ان نفارق سفك الدماء، ونموت موتا طبيعيا، ولا نعلم متى تتحقق هذه الأمنية، لكن يبقى املنا في الله ان يحقق هذا الشيء.

خالد الناهي