الجزائر( كدولة ) ظاهرة فريدة من نوعها بين جميع دول العالم من حيث اللغز الذي يحيط بنظام الحكم الشبح فيها ، فلا أحد عرف أو سيعرف ذلك منذ نهاية ما يسمى ثورة فاتح نوفمبر 1954 ، لا أحد يعرف من يحكم في هذه البلاد طيلة 56 سنة ، ويبدو أننا سنبقى كذلك إلى آخر الزمان ، وكل ما يهرف به  الخائضون في هذا الموضوع ويَدَّعون بل و يجزمون بأن الجناح الفلاني هو الحاكم في البلاد سواء مدنيا كان أم عسكريا ، فكلهم – معارضة وموالاة ، أفرادا أم تنظيمات –  فهم مشعوذون ومُدَّعُونَ يضربون أخماسا في أسداس ويرجمون بالغيب وليس لهم مثقال ذرة من مصداقية ، فبعضهم يَدّعِي بلا خجل أن الرئيس ومحيط الرئيس هو الحاكم ، وهذه جماعة أخرى بلا وجل تَدَّعِي أن  جماعة من الجنرالات هم الحاكمون وهم العمود الفقري للنظام  وليس الرئيس سوى دمية  يتلاعبون بها ولا أحد يستطيع مجابهتهم ، وآخرون يلوكون أخبارا  يَدّعُون  فيها أنهم حصلوا عليها من ( مصادر موثوقة ) بأن الجنرال الفلاني قد تمت إقالته  ، لكن بعد أيام  نسمع أن هذا الجنرال نفسه قد تمت ترقيته ، أو يدعي أن الجنرال الفلاني سَيُحَاكَمُ ، وبعد بضعة أيام  نسمع عن وجوده في بلد أوروبي يتجول  بين أزقتها ، وآخرون كم رددوا  أن الصنم الفلاني هو ربُّ  الجزائر وله جماعته التي تحميه ، فإذا به  يتحطم  كما  تحطمت آلهة قريش بعد دخول الرسول ( ص ) إلى مكة ، ولن نستغرب إن سمعنا أنهم أعادوا بناء نفس الصنم  وعاد ربّاً  للجزائر مرة أخرى ومعه جماعة أخرى ... لا يخجل هؤلاء المتطفلون على الموضوع في الجزائر فيهرفون  بما لا يعرفون ، لأن الشيء الوحيد المؤكد هو أن دولة الجزائر التي كانت تحتلها فرنسا التي قررت أن تجعل منها مقاطعة فرنسية ، هذه الجزائر  لم يقرر الشعب بعدُ  مصيره  فيها  ، ومن المؤكد كذلك أن لا أحد اليوم يعرف  من يحكم  في الجزائر قطعا ، وكل تخمين في هذا الأمر هو مجرد  تصريف أكاذيب وتخاريف وخزعبلات ، لأن النظام الجزائري يعتبر من أكبر الألغاز  في الدنيا قد ينكشف عن أكبر أكذوبة نعيشها بل عشناها  طيلة 56  سنة  وقد تبقى إلى يوم القيامة ...

ولتتبع خيوط  ظهور ملامح تكوين  دولة الجزائر قبل ثورة نوفمبر 1954 وما بعدها  لابد من الغوص في محطات  مرت منها  الجزائر و الشعب الجزائري حتى يظهر لنا جليا  أن النظام  الحاكم في الجزائر هو  لغز بلا شك ولا ريب  ، إنه  لغز لا يعرف  خفاياه إلا الذين حضروا  مفاوضات إيفيان بعد نهاية ثورة فاتح نوفمبر 1954 ...    

أولا : هل أقبرت ثورة فاتح نوفمبر 1954 رُوحَ الانْتِمَاءِ للمنطقة المغاربية لدى الجزائريين ؟

هذه فرضية  سنحاول إثباتها أو دحضها ، أي سنحاول فيما يأتي من فقرات أن نؤكد أن ثورة فاتح نوفمبر 1954 أقبرت  فعلا روح الانتماء للمنطقة المغاربية لدى الجزائريين أم لا ....

ملاحظة لا بد منها : لا يستوعب عمق هذا  الموضوع الصادم للجزائريين  إلا الذين كانوا في سن الثانية عشرة  على الأقل  عند قيام ثورة  فاتح نوفمبر 1954  أي الجزائريين من مواليد 1942  وما قبلها مثلا ، لكن يمكن أن  يستوعب مغزى هذا الموضوع  أولئك  الذين وُلِدوا  خلال الثورة  أو بعدها  بقليل وسمعوا عن حقائق الثورة  من أقاربهم  من شرفاء الشعب الجزائري الذين عايشوا  ورأوا  بأعينهم  كيف تم تحريف مسار ثورة فاتح نوفمبر 1954 ، لأن استقلال  الجزائر المفترض كان عام 1962 إذن هؤلاء  ولدوا  في فترة  كانت  قريبة من سنوات  ثورة  الشعب الجزائري ضد المستعمر الفرنسي والتي دامت 08  سنوات فقط  ، 08 سنوات في عمر الشعوب هي رَمْشَةُ عينٍ ، وأعني ما جرى خلال هذه السنوات الثمانية  من تطورات  إما خلال شهور وسنوات الثورة  أو ما جرى في تركيبة رجال الثورة الجزائرية أنفسهم من الداخل ، لقد وجب  التنبيه  بهذه الملاحظة  لأن  الجزائريين من مواليد  الستينات وما بعدها  كانوا قد دخلوا - نهائيا -  هم وآباؤهم في طاحونة  نظام مافيا الكوكايين التي  ابتلعتهم  وطحنتهم طحنا ، أما الباقي فقد جثم على صدورهم  الحَرْكِي وكابرانات  فرانسا  وحفدة الجنرال دوغول  ، وبذلك اكتمل  مشروع  دوغول  الذي خططه  لجزائر ما بعد خروج  الجيش الفرنسي منها  لتستمر دواليب  الأجهزة الفرنسية  داخل دواليب الأجهزة  الحاكمة في الجزائر بتلقائية  وسلاسة و بصفة نهائية  إلى اليوم ، وكان من أهم أهدافها  الاستراتيجية  قطع  أواصر وروابط  الشعب الجزائري مع بقية  شعوب المنطقة المغاربية  نهائيا ، حتى يكتمل  مشروع  فرنسا الاستراتيجي في الجزائر التي أقسم الشوفينيون الفرنسيون  أن تبقى الجزائر  فرنسية وإلى الأبد ، وقد تم لهم ذلك  فعلا ونجحوا  في مشروعهم بنسبة كبيرة جدا...

ثانيا : المجتمع المغاربي قبيل قيام ثورة فاتح نوفمبر 1954 :

كان المجتمع المغاربي بدوله الخمس التي بدأت تظهر معالم  حدودها  مع المستعمر الفرنسي  والإسباني والإيطالي  في المنطقة  المغاربية ، كان هذا المجتمع المغاربي مجتمعا واحدا لا يمكن التمييز بين خصائص ومميزات كل مجتمع عن الآخر بين دول المنطقة المغاربية الخمس ( ليبيا – تونس – الجزائر – المغرب – موريتانيا ) فاللغة العربية واحدة والدين الإسلامي على المذهب السني المالكي واحد ، والعادات والتقاليد واحدة ، لأن المنطقة  لم تعرف الخوض في مزالق ومتاهات المذاهب الأخرى ، ولأن  فطاحل العلماء في المشرق – في تلك الفترة  المقدرة ما بين نهاية القرن 18  والنصف الأول من القرن  20  ، كان هؤلاء العلماء  المشارقة قد أمسكوا  بزمام الأمور بعزم  من الوسط  ولم  تصل الأمور لديهم إلى  التطرف نهائيا  حيث بقي الإسلام  الوسطي المعتدل هو الطاغي في المشرق العربي  رغم بزوغ  حركة الإخوان المسلمين بتشجيع الاستعمار الإنجليزي في المشرق ، لكن ومن لطف الله و رضاه  سبحانه وتعالى  ظلت  المنطقة  المغاربية  برمتها محافظة على نقاء وطهارة الدين الإسلامي الوسطي المعتدل المتسامح  طيلة  القرن 19 والقرن 20  وما بعدهما  ولا تزال شعوب هذه المنطقة  تكافح  ضد  التطرف  والانزلاق عن  جادة  الإسلام النقي الطاهر الوسطي المعتدل المتسامح ، وغالبا  ما كان  التأثير في المغاربة  يأتيهم من علماء مصر والشام – في الفترة المذكورة -  أكثر من غيرهما  لأنها منطقة كانت  قطب  الاجتهاد الديني على يد علمائها الأجلاء نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الشيخ  محمد عبده ( وهو ليس محمد بن عبد الوهاب مؤسس الوهابية في السعودية ) وجمال الدين الأفغاني والشيخ محمد رشيد رضا  اللبناني الأصل والمصري الإقامة والوفاة ، ولايمكن أن لا نذكر الشيخ عبد الرحمان الكواكبي الشامي الأصل المتوفى في القاهرة  لأنها كانت عاصمة  العلوم الشرعية  والأدبية  والسياسية  عموما ، هؤلاء الفطاحل هم غيض من فيض جمعنا  منهم  المصري إلى الشامي حتى نجمع  بين الاجتهاد في العلوم المذكورة  بين  المصري ولا نغبط  الشامي حقه ، قلنا  كل هؤلاء وهم  على سبيل المثال  وليس الحصر كان لهم تأثير في علماء  جامعي الزيتونة والقيروان بتونس  وجامع  القرويين بفاس المغرب ، وهكذا كانت أواصر العلم  تزداد  متانة  بين دول المنطقة المغاربية  إضافة إلى أواصر اللغة والدم بالمصاهرة والترحال بين مدن هذه الأقطار المغاربية بسهولة ( حيث لم تكن هناك حدود كما سبق الذكر) سواءا  للتعلم أو التجارة أو ممارسة كافة الأنشطة الاجتماعية  في ذلك الوقت مما  جعل  المجتمع المغاربي مجتمعا واحدا  منصهرا في بوثقة  واحدة  يصعب التفريق بين الليبي والجزائري وبين التونسي والمغربي أو الشنقيطي والعكس بالعكس بين جميع أفراد هذا المجتمع  الواحد الموحد بقوة الجغرافيا  والتاريخ  والدين واللغة  شاء من شاء وكره من كره ، لأن هذه هي الحقيقة ، وغيرها  كذب  وبهتان و تخاريف وتزوير للتاريخ لغاية  التفريق .ويمكن التذكير ببعض الجمعيات الإسلامية و بعض علماء المنطقة المغاربية الذين تجايلوا أي عاصر بعضهم بعضا  في ذلك الوقت وكانت بينهم  الأواصر لا تنقطع أبدا نذكر من الجزائر قبل 1962  :  جمعية علماء المسلمين برئاسة الشيخ عبد الحميد بن باديس وعبد الرزاق قسوم وكان من أعضائها محمد البشير الإبراهيمي –الطيب العقبي – مبارك الميلي وغيرهم وقد كان شيوخُها الكبارُ متفقين على أن تأسيس هذه الجمعية يعود إلى عام 1913 ومن أهم مبادئها محاربة الاستعمار الفرنسي بنشر مبادئ الإسلام السليم الذي ينمي الوعي بالهوية الجزائرية والشخصية الوطنية التي ستكون عقيدة قوية لمجابهة الاستعمار الفرنسي بالقوة ، كما كان من أهم مبادئها تكفير الذين يطالبون بالتجنيس الفرنسي . ومن تونس قبل الاستقلال نذكر منهم : الشيخ الفاضل بن عاشور – محمد الطاهر بن عاشور – محمد الشاذلي النيفر- الشيخ محمد الخضر حسين – محمد الحبيب بلخوجة وغيرهم كثير. ومن المغرب قبل الاستقلال  نذكر منهم : الشيخ محمد بن أحمد الرافعي - أبا شعيب الدكالي -المختار السوسي -محمد بن العربي العلوي –عبد الله كنون – علال الفاسي وغيرهم كثير.ومن علماء موريتانيا قبل الاستقلال  نذكر محمد بن الحسن الحضرمي – محمد بن أبي بكر الحاجي الوداني –الحاج الحسن ولد أغبدي الزيدي – محمد بن سعيد اليدالي – أحمد البديوي المجلسي – عبد الله أحمد الشنقيطي وغيرهم كثير .. ولا يمكن أن ننكر على علماء المنطقة المغاربية  الذين ذكرناهم اجتهاداتهم  الكثيرة  والقيمة  مثل نظرائهم في المشرق العربي ، وذلك بتمسكهم  بالإسلام  الوسطي المعتدل  ولم  تصل الأمور لديهم إلى  التطرف حيث بقي الإسلام  النقي الطاهر هو الطاغي في المنطقة  المغاربية إلى اليوم  ولله  الحمد .. وبقيت شعوب المنطقة المغاربية  بدولها الخمس قبل ثورة نوفمبر 1954  الجزائرية  متلاحمة  ومتراصة  فيما بينها  إلى نهاية  ثورة نوفمبر 1954  الجزائرية ...لكن :

ثالثا :كيف كانت علاقة المجتمع الجزائري بشعوب المنطقة المغاربية قبل ثورة نوفمبر 1954 ؟

عند رجال وكهول دول  شمال إفريقيا  وبالجزائر على الخصوص قبل 1954  كان لا يدور بخلدهم شيء اسمه  الحدود  بين دول المنطقة المغاربية ، وهذه حقيقة  لا يعرفها في الجزائر  ولا يشعر بها اليوم  ونحن في 2018  إلا الشيوخ الذين تجاوزوا الستين ولا يزالون على قيد الحياة وهم بلا شك  فئة قليلة جدا جدا  في كل الدول الخمس ( ليبيا – تونس – الجزائر – المغرب – موريتانيا ) ، حقا لقد تمنيت لو تُـنَـظَّمُ  ندوة مغاربية  لا علاقة  لها بأي نظام حاكم  في إحدى هذه الدول ،  ندوة  يحضرها رجال من هذه الدول الخمس يكون أصغرهم  لايقل سنه عن 70  سنة  وأكثر ، بشرط أن يكونوا  لا يزالون يتمتعون  بذاكرة  قوية  كما  يتمتعون  بروح  الموضوعية  والواقعية  والشفافية  ، تمنيت  - حقا - أن يجتمع  عدد منهم  ليسجلوا للتاريخ  كيف  كانت علاقة الانتماء بين الشعب الجزائري المسلم من جهة وبقية  شعوب  المنطقة المغاربية  بدولها الأربع الأخرى من  جهة أخرى ، الشيء الأكيد أن كل الجزائريين المسلمين  - في هذه الندوة الافتراضية - سَيَتَّـفِـقُونَ على أن قوة الإحساس بالانتماء والارتباط  بينهم كجزائريين  وبين بقية شعوب الدول الأربع  قبل 1954  ، وأكرر قبل  1954 ، كان  إحساسا  واحدا ، ولهم هدف واحد وهو : الوحدة  والتوحد والاتحاد و الانتماء لأرض واحدة  هي  المنطقة المغاربية بدولها الخمس ، لم يكن هناك  مثقال ذرة من شك في ذلك ، لقد كانت  المنطقة المغاربية  التي تقابلها  في ذلك الوقت  منطقة المشرق العربي – كما ذكرنا -  كان تقابلا تنافسيا  من أجل الاجتهاد في تطوير وسائل  نشر الوعي  بين  شعوب  المشرق والمنطقة المغاربية  ومنها  الشعب الجزائري  المسلم طبعا ، وبذلك كان الارتباط  بين الشعب الجزائري وبقية  شعوب  دول المنطقة المغاربية ( وأكرر قبل  1954 ) يزيد متانة  لأنه كانت  للجميع  في المنطقة المغاربية  مرجعية واحدة  هي علماء الدين الأتقياء الشرفاء  في المنطقتين أي ( المشرق العربي والمنطقة المغاربية )  ولذلك كانت وحدتهم  شديدة التماسك سواءا  من أجل طرد الاستعمار الإنجليزي في الشرق أو طرد الاستعمار الفرنسي والاسباني والإيطالي في المنطقة المغاربية. ....كان المستعمر الفرنسي مرعوبا من هذه العلاقة الوطيدة  بين شعوب  المنطقة المغاربية  الخمس قبل  1954 ، وكانت عين المستعمر الفرنسي على الجزائر وحدها  في هذه المنطقة يخطط لنزعها من منطقتها وعزلها عما يحيط بها من جوار ليضمها إلى مستعمراته التي كان يسميها  مستعمرات ما وراء البحار ، لذلك  كان من الطبيعي أن يحرص هذا المستعمر أشد الحرص  للعمل على  قطع  جميع أواصر العلاقات : الدموية والدينية والاجتماعية والاقتصادية  والثقافية  وجميع الأنشطة التي تجمع  الشعب الجزائري المسلم  مع  بقية شعوب المنطقة المغاربية  الأربع  التي تحيط  بالجزائر ( ليبيا – تونس – المغرب – موريتانيا ) ، وكان ذلك من طبيعة عمل المستعمر الفرنسي حتى لا تتكامل أواصر تلك الدول لتصبح قوة  لا تقهر ضده  خاصة وأنه قد  حدد  هدفه  الاستراتيجي ألا وهو اقتطاع  الجزائر من محيطها  المغاربي لضمها  نهائيا  إلى  بقية مستعمراته  فيما وراء البحار مثل ( غويانا الفرنسية – بولينيزيا الفرنسية – غوادلوب الفرنسية – مارتينيك الفرنيسة – ريونيون الفرنسية – سان مارتان الفرنسية  وغيرها )  ، وجعل المستعمر من أهدافه  مقاومة كل اتصال بين شعوب هذه المنطقة التي كانت كلها  تحت مراقبته الصارمة ، لكن مع ذلك  كانت الشعوب الخمسة شعبا واحدا  قبل 1954  وكان من الغريب أن تجد  جزائريا يفرق بينه وبين تونسي أو مغربي أوليبي والعكس صحيح .

رابعا : فماذا حدث في الجزائر قبل ثورة فاتح نوفمبر 1954  الجزائرية ؟  

كانت قد اجتمعت لدى شعوب  الدول الخمس في المنطقة المغاربية عبر القرون  كل عناصر الإحساس العميق بالانتماء للوطن الواحد والأرض الواحدة  وهي المنطقة المغاربية بكاملها وذلك قبل ثورة نوفمبر 1954 الجزائرية  :

1)  قبل ثورة نوفمبر 1954 الجزائرية  تعمق الإحساس بالانتماء لأرض المنطقة المغاربية ، بل تعمق الإحساس بذوبان الحدود ومَحْوِهَا في الخريطة الذهنية لشعوب المنطقة المغاربية بدولها الخمس ومنها الشعب الجزائري طبعا  .

2)  قبل ثورة نوفمبر 1954 الجزائرية  تَعَمَّقَ الإحساس بوحدة المصير المشترك لدى شعوب المنطقة المغاربية بدولها الخمس في ظل الكفاح الموحد ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني والإيطالي.

3)  قبل ثورة نوفمبر 1954 الجزائرية تعمق الإحساس بالانتماء لدين واحد وهو الإسلام وعقيدة واحدة وهي المذهب السني المالكي بين كل شعوب المنطقة المغاربية بدولها الخمس إلا النادر الشاذ ، والشاذ لا يقاس عليه .

4)  قبل ثورة نوفمبر 1954 الجزائرية تعمق الإحساس بالانتماء للغة واحدة هي اللغة العربية لغة القرآن الكريم لكن دون التنكر للغة الأم التي هي الأمازيغية  المتشرة من أعماق جنوب ليبيا إلى أعماق جنوب المملكة المغربية  ولن يستطيع أحد  سلخ  هذا العنصر من هوية  شعوب المنطقة المغاربية ، وفي احترام تام للأعراق التي جَاءَتْ من الأندلس أو جاءت من أعماق إفريقيا لأن ذلك كان قد تبلور في بوثقة واحدة  أغنى ثقافة شعوب المنطقة بدولها الخمس في انسجام ووئام  حقيقي 

وبانتشار هذا الوعي بين شعوب المنطقة  المغاربية  قامت نهضة  فكرية موحدة  قبل ثورة نوفمبر 1954 في الجزائر ..وما دام الأمر الذي يهمنا هو السؤال : ماذا حدث  في الجزائر قبل ثورة فاتح نوفمبر 1954  الجزائرية ؟ فإننا سنركز على ما حدث في الجزائرفقط..

طبعا  كان لثورة الفاتح نوفمبر 1954  ما قبلها وما بعدها ، و يصعب علينا – طبعا - أن نتتبع  جميع  محطات  نضال الشعب الجزائري  منذ  دخول الاستعمار عام 1830  إلى  1954  وحتى لا ندخل في متاهات وسراديب ما قبل قيام ثورة  1954 فإننا يمكن أن نقف عند بدايات استشعار الشعب الجزائري بضرورة التخلص من  الاستعمار الفرنسي في الجزائر بفضل انتشار الوعي بين شعوب المنطقة المغاربية ومنها الجزائر طبعا ... ولا يفوتنا الحسم في قضية أساسية وهي أن  هدف  طرد الاستعمار من المنطقة المغاربية  بدولها الخمس كان  بمنهجيتين  متوازيتين : طريقة  المقاومة  المسلحة  وطريقة المواجهات السياسية التي تكلفت  بها  الأحزاب السياسية في مرحلة من مراحل الكفاح ضد المستعمر في المنطقة المغاربية ، ولم تخرج الجزائر عن هذه الطريقة . وغالبا ما كان للأحزاب السياسية  دروعا  للمقاومة  المسلحة ..

 وبخصوص الجزائر فقد عرفت مقاومة المستعمر بالسلاح منذ بدايات الوجود الاستعماري على أرض الجزائر ، وسنحاول  أن  نقف على محطات  حاسمة  للمقاومة الجزائرية للاستعمار الفرنسي يمكن تلخيصها  فيما يلي :

1)   مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري ( 1832 – 1847 ) ويكفي ما قيل فيها سواءا من التاريخ المزور أو التاريخ  المُحَكَّمِ أي الذي تَحَكَّمَ فيه وكتبه شرفاء يتقون الله  ولا يخافون  في الحق لومة لائم .

2)   ثورات عارمة للشعب الجزائري منذ أصدر المستعمر قانون الأهالي عام 1871  وهذا القانون هو عبارة عن مجموعة إجراءات تعسفية مورست على الشعب الجزائري ..

3)   مقاومة الشيخ بوعمامة ( 1881- 1908 ) ويقال ربما تكون أطول ثورة شعبية  جزائرية ومع ذلك كانت أقل تأثيرا  بالنسبة  لما سبقها من الثورات .

أما مقاومة  الأحزاب  السياسية  الجزائرية  قبل  ثورة الفاتح نوفمبر  1954  فيمكن  تلخيص أهمها في ظهور الأحزاب الجزائرية التالية :

 

1)  منظمة نجم شمال إفريقيا التي تأسست في فرنسا على يد الحاج علي عبد القادر حفيد الأمير عبد القادر الجزائري ، وهي في الأصل منظمة أسسها العمال المهاجرون الجزائريون والتونسيون والمغاربة  في سنة 1926 ، وقد كان الحاج علي عبد القادر الجزائري عضوا في الحزب الشيوعي الفرنسي وكان ذلك سببا في أن ترى الحركة العالمية الشيوعية ضرورة أن  يقوم الحاج علي عبد القادر الجزائري بتكوين حزب يضم  كل العمال المهاجرين من شمال إفريقيا العاملين في فرنسا ، وقد كانت المنظمة في الأصل  منظمة لائكية هدفها  الدفاع عن مصالح الشريحه العمالية المهاجرة من شمال إفريقيا  إلى فرنسا ، والنضال المشترك ضمن طبقة العمال الفرنسيين.لكن التونسيين والمغاربة انسحبوا من هذا الحزب عام 1927  ليصبح منذ ذلك التاريخ حزب نجم شمال إفريقيا حزبا للجزائريين وحدهم . وكان من أهم الشخصيات التي انضمت لهذا الحزب مصالي الحاج لكنه كان يخالف  الحاج علي عبد القادر الجزائري في مبادئ الحزب لأن مصالي الحاج كان لا يؤمن باللائكية وكان جزائريا ذا نزعة وطنية له رغبة قوية في دفع الحزب إلى خوض النضال السياسي والمطالبة الصريحة باستقلال دول شمال إفريقيا بكاملها وعلى الخصوص ( الجزائر وتونس والمغرب ) لقد  كان الإحساس بالانتماء للمنطقة المغاربية بكاملها قويا عند مصالي الحاج مما جعل معركة المطالبة باستقلال دول المنطقة المغاربية في قلب  وروح  منظمة  نجم شمال إفريقيا ، لأنه قد  ظهر الوازع الديني الإسلامي والنزعة العربية الإسلامية مع  مصالي الحاج  كمبدإ  أساسي قوي لمحاربة الاستعمار، ولأن مصالي الحاج كان قد  تأثر كثيرا بأمير البيان العربي  شكيب أرسلان وهذا التأثر  ظهر خاصة في الخطاب الذي ألقاه في بروكسيل عام 1927  الذي أظهر فيه حقيقة هوة الخلاف الكبيرة   لحزب نجم شمال إفريقيا مع الحزب الشيوعي الفرنسي مما أدى إلى انسحاب نجم شمال إفريقيا من الحزب الشيوعي الفرنسي  عام 1928 ، وهو الأمر الذي وجدته السلطات الفرنسية  مبررا  لحل  حزب نجم شمال إفريقيا  عام 1929  بحجة أنه يهدد الدولة الفرنسية .   

 

2)  حزب الشعب الجزائري : انتقل نشاط  مناضلي حزب نجم شمال إفريقيا  المنحل في فرنسا ، انتقل نشاطهم إلى الجزائر حيث أسسوا حزب الشعب الجزائري في مارس 1937 والذي يعتبر امتدادا لنجم شمال إفريقيا ، وتقوى هذا الحزب بالتحاق مصالي الحاج به في جوان من نفس السنة وانتخب على الفور رئيسا للحزب الذي أصبح حزبا  لكل الجزائريين بسبب برنامجه الذي كان يتجنب استفزاز  المستعمر الفرنسي مثل  تبني شعار " لا اندماج لا انفصال لكن تحرر " وكانت مطالب هذا الحزب الجديد تتلخص في : احترام اللغة العربية والدين الإسلامي – إنشاء حكومة مستقلة عن فرنسا – إنشاء برلمان جزائري – إلغاء قانون الأهالي – ضمان حرية الصحافة ، ولما أصبحت شعبية هذا الحزب كبيرة  وأصبح يهدد الوجود الاستعماري في الجزائر قررت السلطات الفرنسية حله عام 1939 وألقت القبض على زعيمه مصالي الحاج وحكمت عليه بالأشغال الشاقة ، لكن جذوة  هذا الحزب ظلت مشتعلة طيلة مدة الحرب العالمية الثانية .

 

3)  حركة انتصار الحريات :  كان لمجازر 08 ماي 1945 التي ارتكبها المستعمر في بعض المدن الجزائرية ، وإطلاق سراح مصالي الحاج عام 1946 ، كان لكل ذلك أثر في نشأة حركة انتصارالحريات ، حيث اجتمع أطر حزب الشعب المنحل عام 1939 وعقدوا اجتماعا في ديسمبر 1946 لإحياء مبادئ حزب الشعب على أن يبقى هذا الأخير حركة سياسية سرية .. احتفظت حركة انتصار الحريات بنفس برنامج حزب الشعب وعرف ببرنامج حركة الانتصار للحريات الديمقراطية وتمحور حول أهداف معينة تمثلت خصوصا في العمل على إلغاء النظام الاستعماري وإقامة نظام وسيادة وطنية وإجراء انتخابات عامة دون تمييز عرقي ولا ديني وإقامة جمهورية جزائرية مستقلة ديمقراطية واجتماعية تتمتع بكامل الصلاحيات تربط الجزائر بمدها الطبيعي العربي والإسلامي والإفريقي. وكانت هيكلة وتنظيم حركة الانتصار تعم كامل التراب الجزائري بصفة محكمة وشاملة..

 

من أهم الملاحظات على ما جاء في الفقرة السابقة أن منظمة " نجم شمال إفريقيا " كانت قد تأسست  وسط  الحزب الشيوعي الفرنسي ، وأن حفيد الأمير عبد القادر الجزائري المدعو الحاج علي عبد القادر كان شيوعيا  حتى النخاع ، ومعلوم عند الجميع العداء الذي تحمله الشيوعية للدين عامة وللإسلام على الخصوص ، فأي خير يرجى من جزائري شيوعي يعمل بين مناضليه الشيوعيين الفرنسيين مما جعل الجزائري المسلم الوطني مصالي الحاج أن يسحب  حزب نجم شمال إفريقيا  من الحزب الشيوعي الفرنسي الذي كان  المدعو الحاج علي عبد القادر الجزائري عضوا  فيه  بل  ومتشبتا به مما عجل بالخلاف بينه  وبين  مصالي الحاج الذي قرر الانسحاب من هذا الحزب ( الشيوعي )  لأنه يعلم جيدا أن الأهداف والمرامي تختلف اختلافا جذريا مع  الشيوعيين وهذا الأمر موثق في كتب التاريخ التي تحترم نفسها ... وهل تنتظر من جزائري شيوعي يعيش في فرنسا حتى أصبح فرنسيا أكثر من الفرنسيين أن ينشأ لديه إحساس بالانتماء لوطنه الأصلي الجزائر ثم الانتماء للوطن الأكبر المنطقة المغاربية ؟ والدليل الثاني أن التونسيين والمغاربة في المهجر الذين كانوا في حزب نجم شمال إفريقيا حينما كان فيه المدعو حفيد الأمير عبد القادر الجزائري الشيوعي  قد خرجوا من هذا التنظيم  حينما علموا أنه  تنظيم شيوعي ، انسحبوا بعد سنة من تأسيس حزب نجم شمال إفريقيا أي عام 1927 ، إذ لايمكن لتونسي تأثر بعلماء جامع الزيتونة أو جامع القيروان المذكورين أعلاه ، وكذلك لمغربي تشبع بمبادئ علماء جامع  القرويين بفاس أن يستسيغوا  شعار الشيوعيين " الدين أفيون الشعوب " وكذلك لن يستطيع جزائري حر تشبع بروح الدين الإسلامي أن يبقى ضمن مكونات هذا الحزب الشيوعي ، فكان انسحاب مصالي الحاج من الحزب الشيوعي الذي احتضن " منظمة نجم شمال إفريقيا " وقد لقي مصالي الحاج المصير المذكور سابقا بعد ثلاث سنوات من تأسيس المنظمة المذكورة... مما سبق ذكره  نلاحظ أيضا أن الجزائريين  قبل ثورة نوفمبر 1954  كانوا متشبتين بالدين الإسلامي واللغة العربية وكل مقومات الهوية الجزائرية التي لا تختلف نهائيا عن مقومات إنسان المنطقة المغاربية  حتى وهم  خارج الوطن ، أما داخل الوطن فهم يعيشون في مِيَاهِهِمْ  الطبيعية مثلهم مثل أي مواطن في دول المنطقة المغاربية الخمس . ومن الملاحظات على ما قيل سابقا أن الجزائريين كانوا يؤمنون باستقلال الجزائر وكل دول المنطقة المغاربية الأربع الأخرى ، لأن لها  كلها نفس مقومات الشخصية الوطنية ويجب أن تناضل لتحقيق  هدف الاستقلال ضمن وحدة  الشخصية  المحدة وضمن وحدة المصير المشترك لشعوب المنطقة المغاربية .ويمكن جمع كل الملاحظات على ما قيل فيما سبق عن تأسيس الأحزاب الجزائرية المذكورة أن خيطا واحدا  كان ينظم مبادئها الأساسية وهي الهوية العربية الإسلامية والدفاع المشترك عن استقلال وحرية المنطقة المغاربية برمتها واسترجاع كرامتها . لكن لا يمكن أن نغفل الخلافات التي كانت بين أعضاء هذه الأحزاب الجزائرية  وهو ما سيظهر جليا  عندما  ستبدأ  بل وخلال ثورة الفاتح نوفمبر 1954 .

 

خامسا : ماذا حدث في الجزائر أثناء ثماني سنوات من ثورة الفاتح نوفمبر 1954 ؟

 

لما قرر الجزائريون أن يقوموا بثورة ضد المستعمر الفرنسي بدأ  قادة هذه الثورة  ثورتهم  بعدة صراعات فيما بينهم كانت بدايتها منذ عام 1953 وقيل قبل ذلك ربما في عام 1950 ، إلا أن الأغلبية الساحقة  تؤكد أن هذه الصراعات بين أعضاء ثورة نوفمبر  تجلت منذ ظهور الأزمة التي عصفت بحركة انتصار الحريات الديمقراطية عام 1953 والتي كانت لها انعكاسات كثيرة بعيدة المدى وأثرت في تاريخ الجزائر القريب والبعيد ، بل تطورالأمر من صراع حول  تسيير حزب واختلاف حول موعد انطلاق العمل المسلح ضد المستعمر إلى اقتتال وتصفية بين الجزائريين أنفسهم ، إن لعنة الصراع على الزعامة في الجزائر بين الجزائريين  لها جذور في تاريخ  دولة الجزائر أو على الأقل منذ اجتماع اللجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية يوم 18 مارس عام 1950 لأنه في هذا الاجتماع تفجرت لعنة الصراع على زعامة هذا الحزب الذي غابت فيه تربية روح التوافق وحلت محلها  الأنانية والنرجسية ، وقد أثر ذلك في مسار الثورة  التي تخبطت فيها طيلة 08 سنوات و لا تزال  الجزائر تعاني من الأنانية  والنرجسية وتضخم الأنا إلى اليوم ( 2018 ) رغم  انتهاء ثورة نوفمبر 1954  التي من  المفروض أن تبدأ بعدها  تربية  الجزائريين على  التواضع وروح التوافق وتحمل المسؤولية ..

 

وبالعودة  لانطلاق ثورة  نوفمبر 1954  الجزائرية  كانت لها  محطات مرت منها سنذكر أهمها وهي كالتالي :

 

مجموعة 22   ظهرت  في 23 جوان 1954  في اجتماعها الأول الذي ستتفجر فيه  خلافات القادة الذين عرفوا باسم جماعة 22 التي ظهرت بعد أن بلغ تصدع  حركة انتصار الحريات مداه وخرجت للوجود لجنة تسمى " اللجنة الثورية للوحدة والعمل " التي لم تعمر طويلا ، وكان اسمها يدل دلالة قاطعة على التأكيد على ( الوحدة ) نظرا  لتعمق الخلاف بين كثير من رجال ( الثورة ) وكذلك الدعوة للعمل بدل ضياع الوقت في البحث عن حلول لمرض السعي وراء الانفراد بالزعامة وهو مرض مزمن لدى أي جهاز أو تنظيم جزائري فالكل يريد أن يكون هو الزعيم الأوحد ، وهذا المرض ظهر بين الجزائريين منذ 1950 كما سبق الذكر ، كان اجتماع مجموعة  22  الذي ترأسه الشهيد مصطفى بن بولعيد بعد أن حصل على إجماع قهري ، لكن الذي كان يتحرق للإسراع بقيام ( الثورة ) هو الشهيد المرحوم  محمد بوضياف الذي كان من بين مجموعة 22 الأوائل الذين أسسوا للثورة ولم  يسعى للزعامة لأنه كان رجلا عمليا ، وإذا استعرضنا أسماء هؤلاء الثوار 22 الذين أسسوا لقيام  ثورة  فاتح نوفمبر 1954  التي أسست أول لبنة  لهذه الثورة لن تجدوا فيها أسماء  الرؤساء بنبلة وبومدين وبوتفليقة ، لماذا ؟  فلائحة  المجموعة 22 المعترف بها عند جميع المناضلين الحقيقيين  تضم أسماء ( إلياس دريش ، باجي مختار، عثمان بلوزداد، رمضان بن عبد المالك، مصطفى بن عودة، مصطفى بن بو العيد، العربي بن مهيدي، لخضر بن طوبال، رابح بيطاط، الزبير بوعجاج، سليمان بو علي، بلحاج بوشعيب، محمد بوضياف، عبد الحفيظ بوصوف، ديدوش مراد، عبد السلام حبشي، عبد القادر لعمودي، محمد مشاطي، سليمان ملاح، محمد مرزوقي، بو جمعة سويداني، زيغود يوسف. )  ، إلا أن مجموعة 22  كلفت محمد بوضياف تبليغ أحمد بنبلة ومحمد خيضر وحسين آيت أحمد الذين كانت السلطات الاستعمارية قد طردتهم من الجزائر واستقروا مؤقتا في القاهرة ، أما بومدين وبوتفليقة فقد كانا  مختبئين في المغرب بالدليل والحجة ولم يكونا  قط  من المهتمين بشؤون  الجزائر وشعبها ولم  يكونا  قط  من  مؤسسي الثورة عند انطلاقها لأن المؤكد أن هذين الشخصين ( بومدين وبوتفليقة )  كانا من الملتحقين  بالثورة  متأخرين  وهم ضمن المجموعة المشكوك في أمرها أي مجموعة  خالد نزار ودفعة لاكوست  التي اخترقت الثورة وحرّفتْ مسارها .ومن هنا ندرك  كثيرا من المقالب  ضد رجال الثورة التي ستظهر أثناء الثورة ... بعد نقاش طويل قررت مجموعة 22  اندلاع الثورة في فاتح نوفمبر 1954 وكذلك كان.

 

مؤتمر الصومام : انعقد في 20 أوت 1956  أي بعد سنتين من انطلاق الثورة التي أعلنتها  مجموعة 22... وأول ملاحظة على هذا المؤتمر هو أن الحاضرين لهذا المؤتمر قد اعترفوا كلهم بمجموعة 22  واعترفوا بما خرجت به من قرارات تهم تنظيم الثورة وكيفية تزويدها بالرجال والعتاد . دعا لهذا المؤتمر عبان رمضان الذي جاء به كريم بلقاسم الذي ادعي أنه ابن عمه ... في هذا المؤتمر تفجر الخلاف بين السياسي والعسكري وتم الحسم  بتوحيد النظام العسكري والسياسي ( وهذه أكبر كذبة  في تاريخ الثورة الجزائرية  لتعلموا جيدا أن الأكاذيب بدأت عند بعض قادة الثورة منذ القديم وهم الذين سيحرفون مسار الثورة  نحو مصالحهم  الضيقة ،بل هم الذين قتلوا  مبادئ الثورة في المهد ، وسيأتي الحديث عن كل ذلك في السطور الآتية وهي الحقائق التي دفنت كل أملٍ في النهوض بجزائر 2018  ) لكن ما كاد المؤتمر ينتهي حتى ظهر الخلاف مرة أخرى بين السياسي و العسكري وهكذا ظل الخلاف قائما إلى يوم القيامة وهو ما يعاني منه الشعب الجزائري لحد الساعة ونحن في 2018 ، أليست هذه فضيحة تعتبر مقوماتها من البنية  العضوية  لكل من يتحمل أية مسؤولية في الجزائر !!!  إن من الدلائل على عبثية  التعامل مع مثل هذا الموقف الحساس أي التمسك بما هو عسكري  و احتقار ما هو سياسي في الجزائر هو أن المرحوم  بوضياف  تبين له أنه وجد نفسه رجلا  بين بعض الصبيان المتهورين  حيث قرر الرحيل إلى الخارج  بعد نهاية هذا المؤتمر ، لكنه عاد بعد أن عاد له الأمل في  جدية بعض قادتها  لكن عودته كانت إلى حين ...

 

مؤتمر طنجة : انعقد بمدينة طنجة المغربية ما بين 28 و 30 أبريل 1958  وبما أن هذا المؤتمر قد جمع الأحزاب السياسية جبهة التحرير  من الجزائر وحزب الدستور الجديد من تونس وحزب الاستقلال من المغرب ، فإن قادة الثورة الجزائرية ( خاصة العسكريون الذين سينقلبون فيما بعد على كل ما هو مدني سياسي في هذه الثورة )  قد اعتبروا هذا المؤتمر مجرد  واجهة  للمستعمر الفرنسي حتى يستغلوه ( أقصد المُنقلبون عن التيار السياسي داخل الثورة )  حتى يستغلوا ذلك  في مخطط  خلط الأوراق  بين تونس والمغرب من جهة  وفرنسا  من جهة أخرى ، وضرب بعضهم ببعض ( لابد من التذكير أن هذا المؤتمر كان في وقت قد نالت  كل من تونس والمغرب استقلالهما من فرنسا  كل واحدة  بطريقتها )  ولذلك فأعداء التيار السياسي في  الثورة  الجزائرية  أي ( التيار العسكري داخل الثورة  الجزائرية )  لم يؤمنوا  قط بمقررات هذا المؤتمر المنعقد بطنجة وخاصة تلك  ( البْلَا بْلَا بْلَا  في نظرهم  المتغطرس  لأنهم يحملون السلاح ) بمعنى أن التيار العسكري داخل الثورة كان يعتبر مقررات  مؤتمر طنجة مجرد كلام  فارغ  من مثل : "  توحيد المغرب العربي - تأسيس مجلس استشاري للمغرب العربي ينبثق من المجالس الوطنية المحلية - قيام اتحاد فيديرالي  للبلدان المشاركة  في هذا المؤتمر - الحرص على استئناف التواصل بين المسؤولين المحليين بصفة دورية - تأسيس أمانة دائمة مكونة من أعضاء هذه الدول الثلاث " وكل ما حاول هؤلاء الساسة للدول الثلاث في المنطقة  المغاربية....

 

سادسا : ماذا بعد مؤتمر طنجة 1958 :

 

سيكون لمؤتمر طنجة  1958 ما بعده وخاصة  الموقف الاحتقاري للجناح العسكري داخل ثورة الفاتح نوفمبر 1954  لكل ما له علاقة بهذه الثورة  من جهة ودولتي تونس والمغرب  من جهة أخرى ، لقد  ذهب بعض العسكريين  إلى حد تبخيس العمل الجاد لهذين الدولتين المغاربيتين ( تونس والمغرب )  اللتين دعمتا الثورة الجزائرية بالمال والعتاد والمواقف السياسية  في المحافل الدولية ، ولا تزال هذه النزعة التبخيسية  تهيمن على عقول الجناح العسكري في الثورة الجزائرية  المفترى عليها إلى الآن ، والتي ذهبت إلى حد  تخوين  دولتي المغرب وتونس وشعبيهما  بل والعمل ( عمدا ) على نشر الكراهية  بين الجناح  العسكري داخل الثورة  والدولتين اللتين  تجرعتا  المرارة من أجل  دعم  الثورة الجزائرية  عموما  بقيادييها  السياسيين  والعسكريين ، وذلك بتمرير السلاح عبرالحدود  لثوار الجزائر ، وقليل من ثوار الجزائر هم الذين يعترفون  بذلك ، وقد كانت كلما حلت أزمة  بين فرنسا من جهة  وتونس والمغرب من جهة أخرى  استغلها  الجناح العسكري في الثورة الجزائرية  ليس لضرب  فرنسا  بل  لدفع هذه الأخيرة  ( في مشهد سريالي استفزازي ) لدفع المستعمر الفرنسي للمزيد من اقتطاع أراضٍ من تونس والمغرب تمهيدا  لخطة  استراتيجية  ستظهر ملامحها  فيما بعد ، لقد كانت تونس والمغرب  معنيان  بالقضية الجزائرية  خاصة وأن فرنسا  كانت عازمة على عزل الجزائر عن محيطها المغاربي كما سبق ذكره واعتبارها  فرنسية  وإلحاقها  بمستعمراتها الآنفة الذكر .. لقد كان لإفلاس سياسة فرنسا الداخلية قبل تسلم الجنرال دوغول السلطة ، وما تتالت عليها من مصائب كان أولها إصرار الشعبين التونسي والمغربي بعد استقلالهما على تدعيم  الثورة الجزائرية مما جعلها  تضغط على تونس بحملات عسكرية متكررة ( حملة ساقية سيدي يوسف على تونس في 8 فبراير 1958 ) والتي ذهب ضحيتها  تونسيون وجزائريون ،وكذلك تحالف فرنسا مع إسبانيا  في محاربة جيش التحرير المغربي في الصحراء المغربية وكان ذلك في 10 فبراير من سنة 1958 حينما اتحد الجيش الفرنسي مع الجيش الإسباني وشنوا هجوما على جيش التحرير المغربي في  الصحراءالمغربية  في عملية أطلق عليها اسم "إيكوفيون" التي تعني المكنسة باللغة الإسبانية ، وكان الجيشان الفرنسي والإسباني مدعومين بالمدفعية الثقيلة والدبابات والطائرات الحربية . وذلك لسد باب النيران التي كانت تفزع الفرنسيين من جنوب المغرب لأن الحرب كانت تجري على مقربة من مستعمرتها المفضلة وهي أرض الجزائر التي كانت تخطط  لفصلها عن محيطها المغاربي وإلحاقها بفرنسا نهائيا...

 

وبعودتنا لما كان يخطط له الجناح العسكري الجزائري داخل الثورة  لا بد من الوقوف عند :

 

البيان رقم 1 الذي أصدره بومدين في 15 جويلية 1961 الذي انقلب فيه على الحكومة المدنية المؤقتة :

 

لقد هيمن الجناح العسكري  داخل ثورة  فاتح نوفمبر1954 برئاسة هواري بومدين وقام بانقلاب على الحكومة  المدنية السياسية المؤقتة برئاسة  فرحات عباس ، وقد جاء في هذا البيان : في يوليو 1961 أعلن العقيد هواري بومدين استقالة قيادة هيئة الأركان العامة لجيش التحرير الوطني التي تضم إلى جانبه الرواد: علي منجلي، أحمد قايد (سليمان)، رابح زرّاري (عزالدين)·.... لقد كانت مفاوضات إيفيان مع فرنسا تسير وفق ما يتفق عليه الساسة داخل ثورة  فاتح نوفمبر1954 ، وحينما تخيل بومدين وجماعته أن الأمور ستسير وفق مصالح النخبة السياسية  داخل جماعة ثورة  نوفمبر 1954  وبعد انتهاء المفاوضات مع فرنسا وانتهاء ثورة نوفمبر 1954  ستتحول الأمور كلها بيد السياسيين المدنيين الجزائريين  بعد الاستقلال ، قام بهذا الانقلاب على الشرعية الثورية  التي قسمت المهام بين السياسيين والعسكريين ، وهناك نقطة مهمة جدا في هذا الموضوع وهي أن جنرالات الجيش الفرنسي في الجزائر لم يعجبهم  سير مفاوضات إيفيان مع القادة السياسيين الجزائريين وتوجهاتها  فقام هؤلاء الجنرالات  بانقلاب عسكري ضد الجنرال دوغول  بتاريخ 22 أبريل 1961 ، وهم الجنرالات الفرنسيون الذين سيشكلون منظمة الجيش السري المعروفة باسم (OAS ) ، ولا يمكن بتاتا أن تخفى حتى على البلداء هذه  الطفرة النوعية في سير العلاقات بين ما تسمى( ثورة فاتح نوفمبر 1954 )  بعد انقلاب الجناح العسكري داخلها في  15 جويلية 1961  وإصدار بومدين للبلاغ رقم واحد أي  الطفرة النوعية  في العلاقة  بين جماعة بومدين الجدديدة  داخل  ثورة نوفمبر  ومنظمة الجيش السري (OAS )  في الجزائر والذين انقلبوا على الجنرال دوغول وهو في باريس أثناء مفاوضات إيفيان... وفور هذا الانقلاب على دوغول  تغير الوفد الجزائري إلى مفاوضات إيفيان بعد  إصدار بومدين البيان رقم واحد ... لقد قتل بومدين وجماعته  كل أهداف الثورة الجزائرية وقدمها  هدية  للمستعمر الفرنسي لأن وفد بومدين في مفاوضات إيفيان رضي عنه  حتى الجنرال دوغول خاصة إذا عرفنا أن الجنرالات الذين قاموا بانقلابهم المزعزم  ضد  الجنرال دوغول قد تم العفو عنهم فيما بعد ، أي عندما  تشكلت بنود اتفاقية إيفيان كما أراد الجنرال دوغول أو لنقول كما أرادت فرنسا  أن تكون عليه الجزائر بعد ما يسمى  استفتاء تقرير المصير  الملغوم بل  المؤامرة  المفضوحة  ضد الشعب الجزائري الذي قدمه  الجناح  العسكري دخل ما تسمى( ثورة فاتح نوفمبر 1954 ) بقيادة بومدين ، قدمه  هدية  للاستعمار الفرنسي الذي لم يخرج من الجزائر ولن يخرج منها أبدا ...

 

عود على بدء :

 

* لماذا لم يقم الجنرال دوغول قبل وضع  فخ  استفتاء تقرير المصير للجزائريين ، لماذا لم  يعمل على إعادة الحياة السياسية  للجزائريين بالسماح لعودة الأحزاب التي كانت من قبل أو أن يترك الجزائريين لإنشاء أحزاب أخرى سياسية  يمكنها أن تتنافس في انتخابات تشريعية لضمان  تسيير مدني ديمقراطي في ربوع الجزائر ، خاصة وأن العالم كله يشهد بأن الدولة  المغاربية الوحيدة التي كانت لها  نقابات وأحزاب في زمن الاستعمار هي الجزائر وقد ذكرنا ذلك سابقا ؟  الجواب : إن الجنرال دوغول أراد أن  تبقى الجزائر فرنسية إلى الأبد وقطع الطريق على السياسيين  الواعين بمقالب السياسة بل  إن الجنرال دوغول تَعَمَّدَ أن يرمي الجزائر بين يدي  العسكر الجزائري الذي انقلب على الحكومة المدنية المؤقتة  برئاسة فرحات عباس داخل ما يسمى بثورة فاتح نوفمبر 1954 ، وكان ذلك بتخطيط  بومدين العسكري واتفاقه مع دوغول على إنهاء ثورة  نوفمبر 1954 ، وهو الذي سقط بعد ذلك  في متاهات  إيديولوجية ( شيوعية – اشتراكية – قومية عروبية وأخيرا  فوضى  الفساد  العام ) أي  خلود دولة الجزائر في  نظام  الحزب الوحيد إلى الأبد ... وكذلك كان .. ونحن في 2018.

 

* تحقق حلم  الجنرال دوغول في أن تبقى الجزائر دائما  عقيمة سياسيا ولن تتكوين  فيها عناصر قيام دولة مدنية عربية إسلامية ، وتبقى إلى الأبد  لغزا  محيرا  لساسة العالم ( دولة غنية  وشعبها أفقر من الصومال ) ، دولة بلغت حضيض الاقتصاد  بطبع  عملتها  على أوراق بدون  سند إبرائي وتلك قمة التخلف الاقتصادي والتنموي الذي لم يحلم به دوغول .

 

* تحقق حلم الجنرال دوغول في عزل الجزائر عن محيطها  المغاربي ، فاليوم  لن تجد دولة  بجوار الجزائر الراحة والاطمئنان  أبدا لأن عقلية الحاكمين الظاهرين للعيان  على الأقل لن  يهدأ لهم بال  ودولة بجوارهم  مستقرة ، فلماذا لم يجد  الفرقاء الليبيون حلا لمشاكلهم ؟ فالخبراء  يؤكدون أنه  لو  تخرج  الجزائر من حشر أنفها  في مشاكل الفرقاء الليبيين لتم حل مشاكلهم  بسرعة وعاد  الاستقرار  لليبيا إذ يكفي أن  يبتعد  أشرار الجزائر عن  الليبيين ، وفي الماضي القريب هددهم اللواء المتقاعد خليفة حفتر لأن الجيش الجزائري يعيث فسادا في الأراضي الليبية  السائبة .أما موريتانيا  فقد تنازلت  للجزائر عن شمالها  بكامله ومساحته أكثر من 800 ألف كلم مربع لأن مساحتها الكاملة هي 1.030.700 كلم مربع إذن تنازلت لها عن أكثر من نصف مساحتها بدعوى حمايتها من  المافيات الدولية ، فكيف  تحمي مافيا جنرالات الكوكايين الحاكمة في الجزائر موريتانيا من المافيات الأخرى  وهي منهم وإليهم ، وكذلك جيش الثورة الجزائرية  يسرح ويمرح في أراضي حدود مالي  والنيجر أما تونس فهي ترتعد من جبروت عسكر الثورة الجزائرية وهي البلد الضعيف الذي ينخره الإرهاب الذي تصنعه  الجزائر في بنعكنون وتصدره  للحدود التونسية والليبية والنيجيرية والمالية والموريتانية والمغربية ...أما قصة  عسكر الجزائر مع المغرب فقد قتلناها  تحليلا  وتشريحا ، وفي قصة  الجزائر مع المغرب  تقف فرنسا  بجانب المغرب لأن الأرشيف الفرنسي يضم  الخرائط  الحقيقة  التي  كانت لدى الفرنسيين قبل أن تبدأ  في اقتطاع  الأراضي من المغرب شيئا فشيئا  وتضمها للجزائر الفرنسية  للضغط عليه حتى لا يدعم الثورة الجزائرية  بالرجال والسلاح بعد استقلال المغرب عام 1956  وهي حقيقة  يجب أن نخجل من أنفسنا  كلما تذكرناها  وتذكرنا  مؤامرة ( المراركة حقرونا ) فقط  من أجل أن يهجم  بومدين وبنبلة على العاصمة الجزائرية  لتثبيت  سيطرتهم على الوضع وأن يحرصوا أن يبقى هذا الوضع  هكذا لابتزاز  المغرب والشعب المغربي فقط لا غير ...

 

* ألا  تكافح  وزيرة التعليم  الجزائرية اليوم وكذلك من كان قبلها من أجل  الخطوة  التالية  وهي  الاعتراف الرسمي باللغة الفرنسية  في الدستور حتى تأخد مكانتها الدستورية لأن  هذا هو الشيء الوحيد  الباقي لتنال  اللغة الفرنسية الحظوة  اللائقة بها  في الجزائر ، لأن مسألة الحديث بالفرنسية بين الجزائريين مسألة محسومة  ومفضوحة ،ألا يتكلم  كل الجزائريين فيما بينهم باللغة الفرنسية فقط ؟ إلا في منطقة القبايل الذين يتحدثون بالأمازيغية والفرنسية معا ؟  

 

لقد استطاع الحكام من وراء حجاب في الجزائر أن يضحكوا  على الشعب الجزائري ، فقد  نزعوه  من محيطه  المغاربي وقطعوا كل أواصر الدم واللغة والدين والثقافة وكل ما يربطهم  بمحيطهم  المغاربي ، لقد بقي للجزائر شيء واحد هو الدخول إلى أراضي دول الجوار وخاصة ( ليبيا وتونس وموريتانيا والمغرب ) بلا حياء ولا خجل ، رغم أن حكامها الظاهرين في الصورة يتبجحون  بأن دستور الجزائر  يمنع  جيوشها  من الخروج  من الأراضي الجزائرية ، إنه الكذب بعينه .. فالجيش الجزائري يسرح ويمرح في أراضي الحدودية  مع مالي والنيجر وليبيا وتونس والشريط العازل بين الجزائر وموريتانيا من جهة والصحراء المغربية من جهة أخرى

 

أقبرت ثورة فاتح نوفمبر 1954 رُوحَ الانْتِمَاءِ للمنطقة المغاربية لدى الجزائريين وقد تأكد لنا ذلك بعد أن استعرضنا  تاريخ الجزائر قبل ثورة نوفمبر 1954 ووجدنا  أن الأمة المغاربية كانت أمة واحدة ، وما أن قامت ثورة نوفمبر 1954 حتى تمخض عنها  صراعات داخل مكونات الثورة نفسها كما انعكست  تلك الخلافات على العلاقة بين الجزائر وشعوب دول المنطقة المغاربية ...

 

لو دخلنا للصراعات التي خاضها  بومدين والتي ذهب بها إلى حد الاغتيالات يمكن أن نذكر الرجل السياسي عبان رمضان الذي وجد مشنوقا بربطة عنقه  في غرفته بأحد فنادق طنجة المغربية ، طبعا لأنه من رجال السياسة في جبهة التحرير يجب أن يموت ولايبقى سوى العسكر ، محمد خميستي أول وزير خارجية للجزائر بعد الثورة اغتيل عام 1963 في ظروف غامضة ، محمد شعباني الذي أعدمه بنبلة ظلما وعدوانا ...وغيرهم كثير تم اغتيالهم ...

 

لا يمكن أن ننسى مجزرة أكتوبر 1988  التي  قادتها دبابات  الجنرال خالد نزار ، ولن نستطيع أن ننسى العشرية السوداء في الجزائر التي  ستبقى هي وصمة العار الأكبر في تاريخ البشرية وليس تاريخ الجزائر وحدها لأن هذه المجزرة لا تفوقها سوى مجزرة  الخمير الحمر ، فمجزرتنا  ذبح فيها عسكر الثورة 250 ألف جزائري وفقدان أكثر من 50 ألف جزائري أما  مجزرة  الخمير الحمر فيقدر القتلى ما بين 850 ألف و مليون ونصف قتيل ، ولم يعرف التاريخ مجازر سقط فيها  قتلى أكثر من هذين المجزرتين ، ونريد بل ونتبجح  بأن مشكلتنا في الرئيس المشلول والجنرالات  الذين يتبادلون الأماكن  في ربوع الوطن  لتغيير مناخ  فسادهم الذي أصبح  جزءا من شخصية  الجنرال المافيوزي الجزائري .. لقد حقق عسكر الجزائر منذ الانقلاب على الحكومة المدنية المؤقتة  برئاسة فرحات عباس داخل الثورة الجزائرية ، حقق هذا العسكر ما لم يستطع المستعمر تحقيقه بالاغتيالات واستباحة دماء الشعب كالنعاج  حتى زرع  الخوف في أعماق أعماق الشعب الجزائري ، وكما قال الفيلسوف سقراط : " الخوف يجعل الناس أكثر حذرا وأكثر طاعة وأكثر عبودية "  فهل وجدتم  في العالم  شعبا  أكثر حذرا وطاعة وعبودية بسبب الخوف الذي عاشه الشعب الجزائري منذ نهاية  ما يسمى بثورة  فاتح نوفمبر 1954 ؟  لقد كان الشعب الجزائري لا يهاب المستعمر الفرنسي ، ولكن خلال ثماني سنوات مما يسمى ثورة نوفمبر 1954 ركبه  الرعب لأن الشعب الجزائري رأى بعينيه استباحه  جيش  الثورة  الجزائرية  دماء  الشعب الجزائري بلا وازع  ديني أو أخلاقي أو إنساني ، و لايزال الشعب الجزائري مرعوبا  راضيا  بما  يفعل  فيه  عساكره  من  سرقة  خيراته  التي لا تحصى وهي بملايير الملايير من الدولارات ولا يستطيع حتى السؤال أي ذهبت تلك الملايير ، ولايزال يعيش ( الحكرة )  وغياب  العدالة  وانعدام  التنمية طيلة 56  سنة  من القهر والإذلال ؟؟؟

 

إنه الخوف الذي يولد  العبودية  الأبدية ... إذن لن تقوم لهذا الشعب قائمة  ولن يعود أبدا  كما كان  قبل قيام  ثورة  فاتح  نوفمبر 1954 الـــــ ..... !!!!!!  والفهم يفهم ...

سمير كرم  خاص للجزائر تايمز