مَن يستمع إلى خطابات وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري لا بد أن يشعر بالحرج. ذلك لأن من واجب الحكومة العراقية أن تودع الرجل في خزانة مغلقة وتبقيه بعيدا عن المحافل الدولية بسبب ما يرتكبه من أخطاء فاحشة. فهو لا يدرك ما يقول وما يفعل. اما أن تسلمه حقيبة الدبلوماسية فتلك فضيحة تؤكد أن كل ما يقع في العراق من فوضى يحظى بمباركة الحكومة بكل الأحزاب التي تتألف منها.

ليس لدى الجعفري أي نوع من اللياقة الدبلوماسية وهو يجهل ما تعنيه وظيفته على مستوى إدارة علاقات العراق مع العالم الخارجي. فهو على سبيل المثال غالبا ما يقدم رأيه الشخصي على رأي حكومته وهو ما سبب غير مرة أزمة دبلوماسية بين العراق والدول الأخرى.

إنه شخص خيالي يقدم للعالم صورة عبثية عن عراق ماض إلى هاوية سحيقة من الجهل والتجهيل، الفقر والافقار، الفساد والافساد، التعصب والاستغراق فيه. إنه صانع مأكولات سريعة مفخخة بالبلاغة الخاوية.

الادهى من ذلك أن الجعفري منفصل عما يفعله. إنه يجهل أنه جاهل في أمور الحياة والسياسة والعلاقات الدولية. يهذي بالخرافات الشخصية كما لو أنه يقول الحقيقة التي هي أكبر من أن يهتدي إليها الآخرون. وهو في ذلك انما يتوهم أنه فيلسوف عصره.

ولو لم يكن كذلك لما أصدر مجلدا يضم خطاباته التي هي أشبه بمتاهات متشعبة الدروب بعنوان "خطاب الدولة" متخيلا نفسه ذلك المنقذ الذي يحضر حاملا طوق نجاة لشعوب العالم وليس للشعب العراقي وحده.  

وإذا ما نحينا حديثه الشهير في الصين عن الكونفوسيوشية ومحاضرته عن الاتحاد الروسي في معهد الدبلوماسية الروسية فإن سيل المعلومات التي وردت في خطاباته عن العراق يؤكد أن الرجل الذي سبق له وأن درس الطب في الموصل لا يفقه شيئا في ما يتعلق بتاريخ وجغرافيا بلاده بما يدفع طفل عراقي صغير إلى الضحك من بلاهة تلك المعلومات.

"ينبع نهر الفرات من إيران والسعودية تقع غرب العراق اما سرجون الاكدي فقد وصف بغداد بأنها قبة العالم."

تلك عينة صغيرة من المعلومات القيمة التي تضمنتها خطابات وزير الخارجية العراقي الذي يعتبر نفسه حكيم البيت الشيعي لذلك فإنه يشعر أن منصبا حكوميا، مهما كان حجمه لا يليق بمواهبه.

وللتعريف بالجعفري يمكننا القول إنه الزعيم السابق لحزب الدعوة الإسلامي الذي حكم العراق اثني عشر عاما وهو الرئيس السابق للتحالف الشيعي (مجموعة الأحزاب الشيعية) الذي أشرف على توزيع المناصب الحكومية في العراق وهو رئيس وزراء سابق قبل أن يُطاح به ويُستبدل بنوري المالكي. وهو قبل كل هذا لاجئ في بريطانيا، عمل لسنوات مطوفا للحج مرافقا للحملات العراقية كما أنه كان متخصصا في إقامة دورات دينية في لندن للنساء الملتزمات بخط حزب الدعوة.

وكما أتوقع فإن الرجل لم ينفصل عن الواقع فجأة.

أتذكر أنه يوم كان عضوا في مجلس الحكم الذي أسسته سلطة الاحتلال لأميركي بعد عام 2003 كان مختلفا في خطابه عن الآخرين. كان هناك الكثير من الابهام والغموض والتعالي والاستعراض اللساني قد تخلل ذلك الخطاب، وهو ما يكشف عن أن الداعية السابق قد أصيب بالانفصال في وقت مبكر من حياته السياسية العلنية. أتذكر أنه خاطب الشعب العراقي ذات مرة بـ"يا شعبي" متخيلا نفسه ملكا.

كل ذلك يمكن التغاضي عنه، كونه شأنا محليا في عراق، صار نموذجا للدولة الفاشلة. لكن أن يُسمح للرجل المفتون بتمكنه الحكائي وخيلائه الفارغ باعتلاء منصة الأمم المتحدة والتصريح بمعلومات مغلوطة عن التاريخ العراقي فتلك فاجعة يتحمل مسؤوليتها المجتمع الدولي.

في ضوء ما قاله وزير خارجية العراق في خطابه الاممي تتأكد جريمة احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة باعتبارها ثقبا أسود. فالعراق الجديد المستقل والحر والديمقراطي اختار أن يخاطب العالم بلسان رجل لا يعرف أن سرجون الأكدي قد سبق ظهوره بناء بغداد بثلاثة الاف سنة.

إنها جريمة أممية. ليضحك مَن يضحك وليبكي مَن يبكي. ولكن الجعفري الذي اختير ليمثل العراق في المحفل الأممي معروف من قبل الأجهزة التي منحته تأشيرة دخول إل الولايات المتحدة.

بالتأكيد هناك نيات سيئة تكمن وراء الموافقة على أن يعتلي رجل تعرف المؤسسات الصحية البريطانية كل شيء عن ملفه الطبي منصة الأمم المتحدة.

فضيحة أن يكون الجعفري وزيرا للخارجية هي جزء من بنية الدولة العراقية ولكن السؤال يتعلق بمسؤولية المجتمع الدولي عن الدفاع عن الحقيقة.

لقد سُمح لرجل يمتهن الشعوذة بأن يهين تاريخ شعب من خلال جهله بحقائق ذلك التاريخ.

أهذا هو المطلوب؟