- لا نراها على ما يرام!

هي على أمواج.. وحالتها غير طبيعية..

ونفسيتها غير متوازنة.. وكلنا على متنها قلقون.. وهذه نحن جميعا.. وكلنا السفينة الوطنية المشتركة..

راكبون.. متزاحمون..

ونضحك.. ونتضاحك.. لكي تستمر الحياة..

- ولا أحد فينا سعيد..

لا الكبير ولا الصغير..

السعادة لا يصنعها أكل وشرب..

ولا مال.. ولا جاه.. ولا سلطة..

السعادة منطق آخر..

وما يقع عندنا، قد وقع قبلنا لدول كثيرة..

ونحن ننتظر ما قد يكون.. وقد لا يكون..

والتهديد الأخطر الذي يتراءى في الأفق، هو نتاج لخلل داخلي، أكثر منه تقاطع مع الغير، أو ابتزاز خارجي..

والتهديد النفسي في حد ذاته قنبلة موقوتة تحملها بلدان كثيرة، ونحن منها، في عباءات مؤسسات مختلة: سوء التدبير، وسوء التسيير، وسوء الأخلاق العمومية والسياسية والاقتصادية والرسمية..

وكل الدول التي سقطت وانهارت، عبر العصور، كانت لهذه الأسباب الداخلية، أكثر منها الخارجية..

- وجب الانتباه، لتجنيب بلادنا ما قد يكون أسوء..

إنها مخاطر قد وقعت فيها دول أخرى..

ومنطق الدول نسخة من المنطق البشري.. فما ينطبق على كل الكائنات، ينطبق أيضا على الدول، اعتبارا لكون تشكيلة أية دولة تنبني على بشر.. على شعوب..

ودولتنا هي أنت وأنا ونحن.. كلنا هي.. وهي نحن.. هي سفينتنا المشتركة..

وأية دولة، قد لا تبقى واقفة، إذا لم تعالج نفسها بنفسها ما بها من اختلالات.. سرطانات تعشش بداخل الدولة، وتحت ظلالها.. وفي أضوائها.. وتقتات بريعها.. وليست غريبة عنها..

وإذا لم تبادر الدولة بتسوية القضايا المشتعلة، والمؤهلة لمزيد من التوتر، وتطهير سلوكيات علاقاتية بين المؤسسات والمجتمع، فالآتي قد لا يتصوره أحد..

- حلوا مشاكل البلد، قبل فوات الأوان!

وهناك أسباب عديدة قد أدت إلى سقوط كثير من الدول.. وهذه حالات يتم تدريسها في التاريخ البشري..

التاريخ يرصد أسباب سقوط (دولة كذا) و(دولة كذا)، ثم (دولة كذا)... كل الدول معرضة للزوال، إذا لم تحافظ على سلامة العلاقات بين حاكمين ومحكومين..

كل دولة ينطبق عليها ما ينطبق على كل الخلائق..

- وكل الخلق لهم بداية ونهاية..

وما كان أحد يتصور أن إمبراطوريات هي نفسها وقعت في انزلاقات، ثم في انهيار، ومنها الإمبراطورية العثمانية، والفارسية، وغيرهما...

وكل دولة قد تعجل بنهايتها إذا لم تتنبه للاختلال، ومن ثمة لأسباب الزوال..

والأسباب كثيرة، أبرزها سوء العلاقة بين محكومين وحاكمين..

واستخدام الانتخابات مطية لتسلق فئات انتهازية وصولية إلى قيادة النقابات والأحزاب والمجالس المحلية والبرلمان والحكومة ومؤسسات أخرى...

مع التلاعب بخيوط خفية للانتخابات، لجعل الديمقراطية صورة شكلية فقط..

وهذا العبث بالديمقراطية يفسد العلاقات بين السلطة والشعب، ويغرق كل البلد، مع السنين، في مستنقعات الفساد..

وهذا فخ كبير يقود حتما إلى إغراق الدولة في ديون متكاثرة، وهزالة الإنتاج.

- وجب الانتباه!

دول لا تتنبه إلى كونها تحمل في أحشاء مؤسساتها وسياساتها ما قد يؤدي إلى "ما لا تحمد عقباه"..

وعلينا بالحذر، حتى لا تكرر مؤسساتنا أخطاء غيرنا.. ومن أخطاء كثير من الدول: إهمال حقوق المجتمع..

وهذه اللاحقوق تنتج حساسيات من قبل القاعدة، تجاه الحكم.. حساسيات عمودية قد تتطور وتنتشر في كل الاتجاهات الأفقية..

وتنجم عنها تبعات قد لا يتوقعها أحد.. ومع ذلك تحدث بغتة.. وفجأة، تنقلب المائدة..

وإذا كان في البلاد ظلم، فالظلم يجب أن تتم معالجته بسرعة.. وأن يكون حافزا إلى العدالة الاجتماعية.. ولا دولة تحظى بالاستقرار، في غياب عدالة اجتماعية.. وفي غياب مراقبة صارمة لضمان حسن التدبير..

وليس مقبولا أن ترى ثلة من مقربي السلطة يعيشون في لهو وترف، على حساب مواطنين بدون أدنى حقوق..

الترف المالي يسحق الفقراء سحقا..

- وتتوتر المشاعر..

وينقلب الناس من الولاء للسلطة إلى الولاء للقبيلة..

وهذا من مؤشرات الخوف على السفينة..

دول كثيرة قد انهارت لهذه الأسباب، ولم تول اهتماما لتنبيهات "الحكماء"، وتمادت في تجاهل مطالب الإصلاح..

واللامبالاة تشكل قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت..

وهذه نقطة أفاضت الكأس، في دول كثيرة، بعد أن وجدت جهات حاكمة مسالك إلى الاستحواذ على مزيد من إغراءات السلطة والمال..

ورغم شكايات المظلومين، لا أحد يسمعهم..

وانتهت النتيجة إلى ما يتحدث عنه تاريخ الأمم..

- ومن حقنا أن نتخوف على مآل السفينة!

وهناك عناصر أخرى تتداخل.. ومنها: انعدام تكافؤ الفرص بين المواطنين.. مناصب تعطى لمن لا يستحقونها، بينما من يستحقون، وبكفاءتهم، يتم تهميشهم وحرمانهم من أبسط الحقوق..

والأحزاب، التي من المفروض أن تؤطر المواطنين، تتجاهلهم، وتلتف حول ما يقربها من السلطة..

وكذلك تفعل النقابات وغيرها، فتضعف المؤسسات، ومعها السلطة المركزية..

السلطة المركزية تتأثر سلبا بانحرافات واهتزازات الجهات، وما يفعله مسؤولون محليون، حيث يتجاهلون مطالب السكان..

ويغيب القانون، ليكون فقط في مصلحة المقربين من السلطة، من انتفاعيين وغيرهم..

وتصغر النظرة إلى الخدمات العمومية، من قبل إدارات وغيرها..

ويعم الفساد..

ويصبح ثقافة للصغار والكبار، والفقراء والأغنياء، والجاهلين والمثقفين..

وينتشر الجشع..

ويتحول الانتهازيون إلى قدوة للمجتمع..

ويعم الاستغلال السياسي، ليكون عملة انتخابية رائجة..

والكل لا يهمهم إلا ما به ينتفعون..

وكبار البلد يتسابقون إلى الولائم..

ثم يتقاتلون من أجل الولائم..

- وهذا ينطبق علينا..

والأمم المتحدة تقرع الأجراس: "60 بالمائة من المغاربة يعيشون في حالة فقر وحرمان"!

فهل هذا طبيعي في بلاد تتوفر على ثروات كثيرة: الفوسفاط، الذهب، ومعادن أخرى، وكذا بحرين من السمك...؟!

- وما خفي أضخم!

بلدنا غني، ومسؤولونا يواظبون على تفقيره..

والتفقير يقود إلى الحرمان، وحتى المجاعة..

وهكذا يقوم مسؤولون بإضعاف دولة المؤسات..

ويدفعون بلادنا إلى شلل..

وهذه من المعطيات التي تتشارك فيها كل الدول التي انهارت، وتقدم درسا لدول كثيرة من أجل أن تحافظ على وجودها، وتبقى واقفة، عبر علاقات احترام وتقدير بين المؤسسات وعامة الناس..

وعندنا مؤسسات غير سليمة، تسئ لسمعة الدولة والمجتمع..

وأحزاب لا تدرك خطورة اللامبالاة تجاه المجتمع..

وحكومة تكذب ليلا ونهارا على الجميع..

وعدالة لا تخدم العدالة.. تخدم "علية القوم"، وتظلم بقية الخلق..

والتعليم والصحة والتشغيل والفلاحة والصيد البحري وقطاعات حيوية أخرى.. كلها تنزلق يوما بعد آخر، ولا تعي أنها تسئ للدولة والشعب وكل البلد، وأنها بهذه الإساءات المتواصلة تهددنا جميعا، من الصغير فينا إلى الكبير..

وتهدد نفسها هي أيضا..

إننا جميعا في "قفة واحدة"..

وإذا لم نتدارك الموقف، قبل فوات الأوان، فسوف تكون مؤسساتنا سببا في إغراق السفينة..

الفساد يصنع مزيدا من الفساد..

وينتشر الفيروس في كل مكان، أفقيا وعموديا..

والفساد يكشف عن اقتتالات علنية وخفية في بلادنا..

اقتتالات غير مكشوفة، من أجل غنائم!

اللصوص يتقاتلون، ويقتلون الأبرياء..

إنهم يطعنون الدولة نفسها.. وكل ما في البلد..

وإذا تم إغراق السفينة، فلن يصل أحد إلى شاطئ النجاة.. وسنكون جميعا قد خسرنا أنفسنا، وغيرنا، وكل شيء..

- لا دنيا ولا آخرة!

وجب الانتباه للمخاطر التي تقود إلى زوال..

وكل مسؤول لا يعبأ بمظلوم، هو شريك في التآمر على الدولة، اعتبارا لكون الدولة للجميع..

وكل من لا يشارك في التنبيه إلى المخاطر المحدقة بنا جميعا، فهو أيضا شريك في التآمر على كل البلد..

ويجب أن نعي أننا في حالة لا نحسد عليها، تماما مثل كل الدول التي أساءت التدبير والتسيير والتواصل، وأساءت للعدالة والحقوق الاجتماعية، فسقطت كما سقطت دول أخرى..

ويبقى السقوط مثل الوقوف أمرا متوقفا على السلوك بين الحاكمين والمحكومين..

وعندنا انتهازية بلا حدود، لا تفكر في مصير سفينتنا المشتركة..

تفكر فقط في مصالحها..

والمصالح نفسها في خطر..

المصالح لا تدوم..

المصالح أيضا تنهار..

ولا يصح إلا الصحيح..

- وعلينا بسلامة سفينتنا الوطنية..

هذا واجبنا جميعا، إذا أردنا أن نكون..

ولكي نكون، يجب أن تكون كل الحقوق والواجبات.. حقوق الناس لا تفريط فيها..

ومن يفرط في حقوق الناس، فهو شريك في تدمير نفسه وتدمير غيره..

بلادنا تستحق مسؤولين جادين، نزهاء..

انتهى زمن الوصولية والانتهازية السياسية والاقتصادية والاجتماعية..

دعونا نعيش جميعا...

- بأمن وأمان!

 

أحمد إفزارن