5.أهمية العلاقات الإنسانية في الارتقاء بالإنتاجية:

أعزز التعريف السابق للعلاقات الإنسانية بتعريفين مهمين، سيتَحكَّمان في مسار تحليل هذا العنصر:

1.5: ورد في معجم المصطلحات الإدارية:

"إن العلاقات الإنسانية هي تلك التي تنطوي على خلق جو من الثقة والاحترام المتبادل، والتعاون بين العمال وبين أصحاب العمل والإدارة، بهدف رفع الروح المعنوية للعاملين لزيادة الإنتاج".

7

2.5: "العلاقات الإنسانية هي ذلك التكامل بين الأفراد، في محيط العمل، بالشكل الذي يحفزهم على العمل بإنتاجية، وبتعاون، مع حصولهم على إشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية".

8

من إيراد هذين التعريفين، تخلص الدكتورة بن زاف جميلة إلى القول: "تمثل العلاقات الإنسانية الاتجاه الرئيسي الثاني في الفكر الإداري، وجانب العلوم السلوكية، التي انبثق منهجها عن مجموعة من الدراسات، عرفت بدراسة (هاوثورن) خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين؛ فقد نشأت مدرسة العلاقات الإنسانية كرد فعل على الإدارة العلمية لتايلور TAYLOR، التي تميل للأسلوب الديكتاتوري في معاملة العمال.

أصحاب النظريات الكلاسيكية اهتموا بالفرد العامل، لكن بهدف تحقيق الإنتاج، وبشكل استغلالي".

9

وعليه فنحن أمام نظرية للعلاقات الإنسانية لها منظِّروها، في مجال تدبير المؤسسات الاقتصادية، وليس مجرد توجه حداثي، بدون سند نظري.

تتأسس هذه النظرية، ميدانيا، على عدة عوامل، تتوزَّعها أغلب الدراسات؛ يمكن التركيز منها، لضيق المقام، على:

1: هاجس التدبير العلمي للمؤسسة، لتحقيق أكبر قدر من الإنتاجية: توزيع الزمن، معايير العمل ومستوياته.

2: الحضور الوازن للنقابات، في مساحات الشغل، واستقطابها لأغلب العمال، لتقوية جبهة المطالبة التي تشتغل على مستويين: أجور أعلى، وظروف عمل أفضل.

3: ضخامة الإنتاج وتسلسله عبر حلقات عديدة؛ ما فرض التخصص في حلقة واحدة دون سواها. هذا الوضع التجزيئي للعمل أفقد العامل الإحساس بأهمية ما يقوم به في المؤسسة، ولهذا تأثيره على إنتاجيته. هنا تتدخل العلاقات الإنسانية لتغيير نظرته هذا.

مثال من الإدارة الكلاسيكية:

في احتفال بعامل سككي حديث التقاعد، ردَّ على كلمات المدح، في حقه، بقوله: لم أزد، طيلة حياتي المهنية، على تحريك أحد محولات الاتجاه، فلماذا كل هذا المدح اليوم؟.

4.: في عالم سريع التحول، تعيش المؤسسات الاقتصادية على إيقاع الجديد، الذي يتقادم بسرعة: نُظم العمل، آلات العمل، مسار سلاسل الإنتاج؛ وكل هذا يخلق جوا من التوتر النفسي، تساعد العلاقات الإنسانية الفعالة على تجاوزه، وتحقيق سرعة التكيف مع المستجدات.

5: تقوم المؤسسة على دعامتين أساسيتين: الجانب المادي المتمثل في مقرات ووسائل الإنتاج، والجانب الإنساني المتمثل في العمال، وزبناء المؤسسة. ومن هنا لا يمكن الاهتمام بإحدى الدعامتين دون أخرى؛ مع غلبة للجانب الإنساني، لأنه متحكم في تطوير الإنتاج.

6: هناك نقلة نوعية بدأت تتجلى بقوة؛ وتتمثل في ارتفاع المستوى الثقافي للعمال، وتشكيلهم لقوة مطلبية، إن لم تكن اقتراحيه، داخل المؤسسة، ولا يمكن فصلها عن الاهتمام بالإنتاج.

7: أمام ارتفاع الرواتب، لم تعد ضرورة العمل مرتبطة بإشباع الحاجات البيولوجية، بل بتحقيق نوع من الرفاه والاطمئنان، يدفعان صوب الرغبة في تحقيق الذات، وليس الإشباع المادي فحسب.

هذه أهم العوامل التي تفسر ارتقاء التدبير المؤسسي إلى التمثُّل الحقيقي، والعملي، لمقولات مدرسة العلاقات الإنسانية؛ كما تتجلى في الدعامات الآتية:

"استمع إلى الفرد، تفهَّم شعوره، شجع ميوله، قدر مجهوداته، زوده بالمعلومات والأخبار، دربه وارشُده، عامله كفرد له خصائصه ومميزاته، تواصل معه دائما، احترمه".

10

6. رفع الإنتاجية بتفعيل نظرية العلاقات الإنسانية:

إن تدبير MANAGEMENT الموارد البشرية أصبح يفرض نفسه، بقوة، ضمن إستراتيجيات المقاولات الساعية، دوما، إلى ترسيخ ممارسات جديدة، تمكنها من إثراء مؤهلاتها، وقدرتها على التنافسية.

وهناك بعد آخر للمؤسسات الاقتصادية، له صلة بتدبير مواردها البشرية، ويتمثل في المسؤوليات الاجتماعية، التي أصبحت تضطلع بها يوما بعد يوم.

فحسب توصيف لجنة المجموعة الأوروبية (2001): "أن تكون مسؤولا، اجتماعيا، لا يعني فقط الالتزام التام بالقوانين المعتمدة؛ بل الذهاب أبعد بالاستثمار في الرأسمال البشري، والعلاقات مع كل الفرقاء".

11

وعليه فحينما تكون العلاقات الإنسانية مرتكزا أساسيا من مرتكزات المقاولة/ المؤسسة، تتلاشى كل معيقات الأداء المرتبطة بالموارد البشرية، وأركز منها على:

1.6. جهل العاملين بالأهداف التي تسعى المؤسسة إلى تحقيقها.

2.6: عدم مشاركة الموظفين في اتخاذ القرار، بمختلف مستوياته؛ ما يحدث فجوة بينهم وبين الهرم الإداري المسير.

3.6: عدم الرضا الوظيفي، العائد إلى السلوك الإداري مع العاملين.

4.6: ربط الترقيات والتحفيز بمستوى الإنتاجية فقط؛ دون استحضار تباين المستويات بين العمال (السن، التكوين..)، ومدى انخراطهم المعنوي في المؤسسة.

7.دور الاتصال ضمن نظرية العلاقات الإنسانية:

أفردتُه بعنصر خاص باعتباره قطب الرحى في هذه النظرية؛ فإذا كانت المؤسسة الاقتصادية تقوم على دعامتين، كما أسلفت، فإن العَصَب في دعامة العنصر الإنساني هو الاتصال؛ وهو يقوم بمثابة الصيانة لأدوات الإنتاج.

1.7تعريف الاتصال:

"تحيل الكلمة على معان مختلفة، فقد نستعملها لنعني بها مجال الدراسة، الأكاديمي (تخصص الاتصال)، أو النشاط التطبيقي الملازم له؛ أو بوصفها علما أو فنا، أو علاقات إنسانية أو وسائل اتصال..كما أنها قد تعبر عن عملية هادفة، أو طبيعة مقصودة.

لكن هذا التنوع لم يحل دون جعل كل هذه الطرق والمجالات والمعاني تركز أساسا على عنصر مشترك هو: نقل المعلومات".

12

2.7: يهدف الاتصال داخل المؤسسة إلى:

تحقيق تدفق المعلومات، النازلة والصاعدة، ضمن مدارج الهرم المؤسسي.

هذا التدفق يُحرض على انخراط الجميع في تحقيق أهداف المؤسسة، بدءا من المشاركة في اتخاذ القرارات؛ إذ بدون دفق معلوماتي لا يمكن تحقق هذه المشاركة.

عمليا يتحقق الاتصال من خلال:

"أ: الإخبار والإعلام، من خلال مذكرات وملصقات، تخبر بالمستجدات، والقرارات المتخذة.

ب: الإعداد لتقبل التغيير، بحيث أن القائد حينما يرغب في التغيير فإنه يلجأ إلى إخبار الموظفين، بغرض إعدادهم لتقبل هذا التغيير والمساهمة فيه.

ج: توضيح وتصحيح المعلومات". 13

3.7: معيقات الاتصال بين الموارد البشرية للمؤسسة:

*من هذه المعيقات ما هو شخصي، يرتبط بالعامل:

كونه يتسبب في ضياع الوقت بالمؤسسة، ويقصر في أداء عمله، يفرض رأيه على الآخرين، الاستفزاز، التهكم على كل ما يدور في المؤسسة، الشكوى الدائمة من كل شيء، توهم معرفة كل شيء.

*ومنها ما هو تنظيمي، يرتبط بالمؤسسة، إما لكون هيكلتها غير واضحة، أو كونها معيقة للأداء؛ كتسببها في تنازع الاختصاصات مثلا.

أحيانا لا تنص هذه الهيكلة على قسم للاتصال، يُلم بكل تفاصيل التواصل الداخلي والخارجي للمؤسسة.

8.خاتمة:

لقد سعى هذا البحث، على مدى حلقتيه، إلى مقاربة مجموعة من العناصر، التي تتأسس عليها العلاقات الإنسانية داخل المؤسسات عموما، والاقتصادية بصفة خاصة.

وقد تم التركيز، إلى حد ما، على عنصر الاتصال داخل هذه المؤسسات؛ باعتباره القلب النابض في مسار تنزيل نظيرة العلاقات الإنسانية، كما نظر لها أصحابها.

إن جاز لنا أن نشبه البنية المادية، المعمارية والآلاتية، للمؤسسة بالهيكل العظمي في جسد الإنسان؛ فان التواصل الداخلي والخارجي فيها هو جهازها العصبي.

ولهذا يحرص رؤساء هذه المؤسسات، المنتمون إلى مدرسة العلاقات الإنسانية، وثقافتها، على تجويد مناخ العمل، بخلق جو من الثقة والاطمئنان، المُفعمين بالاحترام المتبادل.

وقد بينت العديد من الدراسات الميدانية أن ارتقاء إنتاجية المؤسسة يرتبط، وجودا وعدما، بهذا المناخ الايجابي، الذي يحرر الطاقات الإبداعية، ويحقق الولاء.

انتهى

المراجع العربية والأجنبية:

7.أحمد زكي بدوي .1984. معجم مصطلحات العلوم الإدارية .ص:44.

نقلا عن د.بن زاف جميلة. العلاقات الإنسانية وأثرها على أداء العامل بالمؤسسة:

https://dspace.univ-ouargla.dz/jspui/bitstream/123456789/10083/1/S2105.pdf

8.رمضان محمد القذافي.1997.ص60. نقلا عن نفس المرجع(7)

9.نفس المرجع والرابط. ouargla.d.

10 د.بن زاف جميلة.العلاقات الإنسانية وأثرها على أداء العامل بالمؤسسة:

https://dspace.univ-ouargla.dz/jspui/bitstream/123456789/10083/1/S2105.pdf

11.تأثير التدبير، المسؤول اجتماعيا، للموارد البشرية، على إنتاجية العمل.2012.ص37

ROMINA GIULIANO.L’influence sur la productivité du travail d’une gestion socialement responsable des ressources humaines.

https://www.cairn.info/revue-humanisme-et-entreprise-2012-4-page-37.htm

12. شريفي خيرة. دور الاتصال في تحفيز وتنمية المورد البشري.بدون سنة.(ملف PDF)

http://www.enssea.net/enssea/majalat/1306.pdf

13. نفسه.(شريفي)

 

رمضان مصباح الادريسي