من المنتظر أن تشهد تونس يوم الخميس حالة من الشلل التام بعد أن أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل اليوم الأربعاء الدخول في إضراب عام في قطاع الوظيفة العمومية ( الخميس)، في قرار يأتي بعد فشل المفاوضات مع الحكومة حول الزيادة في الأجور.

ويصيب الإضراب الذي يشمل عددا مهما من القطاعات الحيوية مثل النقل، تونس بشلل تام ومن شأنه أن يفاقم حالة الإرباك السياسي والاقتصادي التي تعيشها البلاد.

واتهم الاتحاد وهو أكبر مركزية نقابية في البلاد تتمتع بنفوذ سياسي واجتماعي واسع، الحكومة بالمماطلة في فتح باب التفاوض حول الجانب الترتيبي.


وأشار إلى تدهور المقدرة الشرائية للتونسيين في ظل الغلاء غير المسبوق، دعيا إلى إنجاح الإضراب العام الذي يأتي للضغط على حكومة يوسف الشاهد ودفعها كرها للتجاوب مع المطالب التي طرحها الاتحاد.

وتواجه حكومة الشاهد الذي تولى منصبه في 27 أغسطس/اب خلفا للحبيب الصيد، مثلا بتركة من المشاكل الاقتصادية وارتفاع غير مسبوق في حجم الاقتراض الخارجي إلى جانب مشاكل اجتماعية ومطالب عمالية لا تهدأ واحتجاجات واعتصامات، أزمة اقتصادية حادة لا مؤشرات على انتهائها قريبا.

وعجزت حكومة الشاهد كغيرها من الحكومات المتعاقبة في فترة ما بعد الثورة، عن حل الأزمة الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية في المناطق المهمشة، حيث ظل معدل البطالة على حاله عند 15 بالمئة فيما ارتفع معدل التضخم ليقارب 8 بالمئة.

وترسم البيانات الرسمية وغير الرسمية صورة قاتمة للاقتصاد التونسي المتعثر على الرغم من تحقيق بعض القطاعات مثل السياحة والاستثمار الخارجي نسب نمو تعتبر مهمة بشّر بعضها بتخفيف حدّة الأزمة، إلا أن المعلن يبدو مجافيا لواقع الحال في ظل بقاء مؤشرات البطالة والتضخم والفقر على حالها إن لم تزدد تدهورا.

وفاقمت الخلافات السياسية في تونس من حدة الأزمة الاقتصادية وأظهرت في الوقت ذاته انشغال الأحزاب بما فيها الحاكمة في التحضير للانتخابات العامة 2019 (التشريعية والرئاسية) في الوقت الذي بات يئّن فيه التونسيون تحت وطأة غلاء المعيشة وانفلات الأسعار.

وضرب الغلاء والاحتكار آخر الملاذات الغذائية للطبقة الوسطى والفقيرة فطالا حتى أبسط الضرورات المعيشية لـ"الزواولة" وهي تسمية محلية تطلق على ذوي الدخل المحدود.

وتبدو الحكومة التونسية التي سبق أن أعلنت عن إجراءات لمكافحة الاحتكار عاجزة عن ضبط الأسعار وكبح انفلاتها.

ومن شأن الإضراب العام أن يعمق جراح الحكومة وسط تجاذبات سياسية بين أطراف الحكم وتنافس مبكر على تأمين النفوذ والمصالح الحزبية والسياسية في انتخابات 2019 في الوقت الذي يخيم فيه الإحباط والشعور باليأس على الشارع التونسي الذي تبددت آماله بتحسين الوضع المعيشي بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 والتي كان شرارتها الكرامة والتشغيل والحرية والتنمية.

شلل جوي وبحري وبرّي ينتظر تونس

ومن المرتقب أن تصاب كل القطاعات بالشلل خاصة منها ما يتعلق بوسائل النقل البحري والبري والجوي.

وقد أعلنت شركة الخطوط التونسية (تينيسار) المملوكة للدولة اليوم الأربعاء أن الحركة الجوية ستشهد اضطرابات غدا الخميس بسبب الإضراب العام المتوقع الذي أعلنه الاتحاد العام للشغل.

وقالت الخطوط التونسية في بيان إنه "تبعا للاضطرابات الهامّة التي ستشهدها الحركة الجوية، تُعلم الناقلة الوطنيّة حرفاءها الكرام أنّه بإمكانهم تغيير مواعيد سفراتهم المتأثرة بهذا الإضراب مجانا وعلى مدى أسبوع".

وأشارت في المقابل إلى أنها تسعى لتأمين رحلاتها الجوية من كافة المطارات التونسية وإليها حسب الصّيغ القانونية المعتمدة في مثل هذه الحالات، لكنها لم تقدم المزيد من التفاصيل.

ومن المرتقب أن تتعطل جميع الخدمات في تونس حيث يشمل الإضراب كل الوزارات والإدارات الحكومية ووسائل الإعلام الرسمية وحركة النقل البري والبحري والجوي وغالبية الخدمات الأخرى.

وإزاء هذا الوضع دعا رئيس مجلس النواب (البرلمان) محمد الناصر، مكتب المجلس ورؤساء الكتل السياسية إلى اجتماع على الساعة الثانية من بعد ظهر الأربعاء لبحث الإجراءات التي يمكن اتخاذها.

وانتقد الاتحاد العام التونسي للشغل اليوم الأربعاء استمرار الحكومة في التواصل مع صندوق النقد الدولي، معتبرا أن ذلك يشكل "ضربا معلنا للسيادة الوطنية".

وقال سامي الطاهري نائب الأمين العام لاتحاد الشغل والناطق الرسمي باسم المركزية النقابية في مؤتمر صحفي، إن الاتحاد يعي أهمية قرار الإضراب المدافع عن مصالح الموظفين العموميين، مستنكرا التواصل مع صندوق النقد الدولي بشأن قضايا وطنية.

وتنفذ تونس مع صندوق النقد الدولي، برنامج إصلاح اقتصادي منذ 2016، حصلت بموجبه على قرض بقيمة 2.8 مليار دولار، إلا أن الاتحاد وأحزاب سياسية معارضة انتقدت بشدة برنامج الشاهد الإصلاحي واعتبرته خضوعا لاملاءات المقرضين الدوليين ومساسا بالسيادة وبقوت التونسيين.

ويطالب صندوق النقد الدولي من ضمن الشروط التي يطرحها للإفراج عن قروض "استثمارية"، الحكومة التونسية بالضغط على كتلة الأجور في القطاع العام ومراجعة منظومة الدعم خاصة منها في قطاع الوقود والطاقة.

وحسب بيانات رسمية يقدر عدد الموظفين الحكوميين في تونس بأكثر من 650 ألف موظف.

وكان صندوق النقد الدولي قد طالب في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 الحكومة التونسية بضرورة إبقاء فاتورة كتلة أجور القطاع العام تحت السيطرة لتجنب مشاكل تفاقم الديون الخارجية التي ارتفعت بنحو 62 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي مقارنة بما كانت عليه قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011.

وتخطط الحكومة التونسية لعمليات تسريح واسعة في القطاع العام ضمن تسويات مالية مع من يرغبون في المغادرة طوعا، إلى جانب خصخصة عدد من القطاعات وهو ما اعترض عليه الاتحاد العام التونسي للشغل وانتقدته أحزاب معارضة.

ويشهد الاقتصاد التونسي حالة ركود حاد منذ ثورة 2011، لكن الحكومة تتوقع أن يصعد نمو الاقتصاد المحلي إلى 3.1 بالمائة في 2019، مقابل 2.6 بالمائة في 2018.