"لقد مضى أكثر من نصف قرنٍ على اجتماع الآباء المؤسسين الذين أرسوا سويًا لبنة الوحدة الإفريقية هنا بأديس أبابا فى مايو 1963".
يومها قال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر "ليكن ميثاقًا لكل إفريقيا، ولتُعقد اجتماعات على كل المُستويات الرسمية والشعبية، ولنبدأ طريقنا فى التعاون الاقتصادى نحو سوق إفريقية مُشتركة"، كلمات مضى عليها أكثر من نصف قرن ولكن ما يزال صداها ماثلاً أمامنا.

ذلك الاقتباس من كلمة الرئيس عبد التفاح السيسى فى الجلسة الافتتاحية للقمة الثانية والثلاثين للاتحاد الإفريقى، الذى تولت جمهورية مصر العربية خلالها رئاسة الاتحاد، تلك الرسالة التى يعيد الرئيس إحيائها للتذكير بالهدف الرئيس الذى تم بناء عليه اتخاذ القرار الإفريقى بتأسيس الاتحاد.

السوق الإفريقية المشتركة، الحل السحرى للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية فى القارة، بل هو الحل الفاعل لمشكلات البطالة والفقر والجهل والمرض، ذلك الحل الذى سبقنا إليه القارة العجوز من خلال الاتفاقيات الاقتصادية المشتركة بينهم، بخلاف اتفاقيات التجارة الحرة المشتركة بين كل الكتل الاقتصادية الكبرى فى العالم حتى وإن كانت هذه الكتل غير متقاربة جغرافيا.

"مُنذ تلك اللحظة التاريخية وحتى الآن استطاعت إفريقيا أن تقطع شوطًا طويلاً، واستطعنا تحقيق الكثير من الأحلام، وتغلبنا على العديد من العقبات وواجهنا ما استجد من تحديات، تخلصنا من الاستعمار، وإن بقيت آثاره ورواسبه، وما زلنا نعمل جاهدين على ترسيخ مقومات السلام والأمن والاستقرار، وعلى تحقيق التكامل الاقتصادى والاندماج القارى لدولنا وشعوبنا، سعيًا نحو بناء الإنسان الإفريقى".

مواجهة الاستعمار فى صورته التقليدية قبل ما يزيد عن النصف قرن فى القارة الإفريقية، كانت القاهرة هى ملجأ وملاذ لكل حركات التحرر ومواجهة الاستعمار فى وقتها، ولكن منذ جلاء الاستعمار عن إفريقيا، لا نزال نعانى من رواسبه، كما قال الرئيس عبد الفتاح السيسى، والأهم أن أشكال الاستعمار والسيطرة المعاصرة تنوعت ولم تغيب عن قارتنا أبدًا منذ جلاء الاستعمار العسكرى التقليدى للأرض.

لذلك عادت القاهرة مرة أخرى من على نفس المنصة التى حذر منها الرئيس جمال عبد الناصر، لتعود بعد أكثر من نصف قرن لتحذر على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسى من أشكال الاستعمار الجديد والتبعية، التى اختلفت فقط فى الآليات، ولكن لا تزال تحقق نفس الأهداف وهى استغلال موارد وقدرات القارة السمراء ليستفيد منها شعوبًا أخرى بعيدة عن شعوب القارة.

أشار الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى كلمات الزعيم الغانى الراحل كوامى نكروما "فى انقسامنا ضعف، وفى اتحادنا يمكن لإفريقيا أن تصبح واحدة من أعظم القوى فى العالم".

هى دعوة جديدة لتتوحد إفريقيا من أجل التكامل لمواجهة تحديات التنمية، لتوفير فرص العمل لشباب القارة، ومواجهة الفقر وانتشار المرض، من أجل رفاهية أكثر لسكان القارة.

قال الرئيس "أود فى هذا المقام تأكيد أهمية ترسيخ مبدأ الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية"، فهو السبيل الوحيد للتعامل مع التحديات المُشتركة التى تواجهنا.. فإفريقيا أكثر قدرة على فهم تعقيدات مشاكلها وخصوصية أوضاعها ومن ثم أقدر على إيجاد حلول ومعالجات جادة وواقعية تُحقق مصالح شعوبها وتصونها من التدخل الخارجى والسقوط فى براثن الأنماط المبتكرة والمُعاصرة من الاستغلال، تلك الأنماط المعاصرة التى لا تلائم واقعها".

إن تنمية إفريقيا والعمل على تعزيز العيش المشترك بين آباء القارة الواحدة هو السبيل لتحقيق التنمية المستدامة، هى بداية جديدة لعودة جمهورية مصر العربية إلى القارة الإفريقية بعد مجهود ضخم قامت الدولة المصرية به منذ العام 2013 وحتى الآن، مصر إفريقيا الحلم والأمل والتحدى.


إسلام الغزولي