صدر مؤخرا عن  الدكتور خالد الشرقاوي السموني، الناشط الحقوقي ومدير مركز الرباط للدراسات السياسية و الاستراتيجية مقال حول الزيارة المرتقبة للبابا فرنسيس للمغرب أواخر الشهر الجاري جاء فيه:

 ما فتئ أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، يبذل كل الجهود من أجل تكريس الحوار بين الأديان وتعزيز السلام ، فخلال شهر مارس من سنة 2018  بعث برقية التهنئة إلى قداسة البابا فرانسيس، وذلك بمناسبة الذكرى الخامسة لاعتلائه الكرسي البابوي لحاضرة الفاتيكان، تكتسي قدرا كبيرا من الأهمية بالنسبة لمبادئ الاعتدال التي يسير على نهجها المغرب ، وتمثل دعوة إلى التفاهم بين الجميع، لا سيما في ظل هذه الأوقات الصعبة التي يسعى فيها البعض إلى تشويه صورة الإسلام.

و نحن الآن في شهر مارس من سنة 2019 ، بعد مرور سنة على توجيه تلك الرسالة ذات المعاني القوية ، يحل البابا فرنسيس، يومي 30 و31 من هذا الشهر ، ضيفا على المغرب في زيارة يتوج بها ما حققه خلال زياراته لدول إسلامية أخرى من تأكيد على أهمية التواصل والحوار بين الأديان ،  وتشجع الحوار الديني الإسلامي-المسيحي، الذي شهد تراجعا في السنوات الأخيرة.

لا شك أن زيارة البابا فرانسيس مختلفة عن تلك التي قام بها يوحنا بولس الثاني للمغرب سنة  1985 ، قبل حوالي ثلاثة وثلاثين عاما، لأن البابا فرانسيس يسعى إلى توطيد أواصر الأخوة بين الديانات ، هذا مع العلم أن  المغرب يعتبر محطة رئيسية في طريق التواصل بين الإسلام والمسيحية. علاو ة على ذلك ، سيتطرق البابا خلال زيارته، إلى مجموعة قضايا ذات صلة بالهجرة و بالتضامن مع المهاجرين، خاصة وأن المغرب نهج سياسة وطنية ناجحة في مجال الهجرة باعتراف دولي.

وجدير بالإشارة في هذا الصدد ، أن المغرب عرف عبر تاريخه الطويل بالتعامل الجيد والنظرة المتسامحة مع كافة الطوائف الدينية ، ومما يؤكد على ذلك الرسالة التي وجهها جلالة الملك إلى المشاركين في أشغال المؤتمر حول “حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية .. الإطار الشرعي والدعوة إلى المبادرة” الذي افتتحت أشغاله بمدينة مراكش بتاريخ 25 يناير 2016 ، جاء فيها أن في المملكة المغربية "لا نرى مبررا لهضم أي حق من حقوق الأقليات الدينية، ولا نقبل أن يقع ذلك باسم الإسلام، ولا نرضاه لأحد من المسلمين. ونحن، في اقتناعنا هذا، إنما نستلهم الفهم الصحيح لمبادئ الدين كما نستلهم تراثنا الحضاري وتاريخ هذه المملكة العريقة في التعامل النبيل بين المسلمين وبين غيرهم من أتباع الديانات".

وذكر الملك أن "المرجع الأول للمبادئ التي نلتزم بها في هذا الموضوع هو القرآن الكريم الذي يعلن عن تكريم الله للإنسان، من حيث هو إنسان. وفي سياق ترسيخ هذه الكرامة أكد القرآن الكريم حقيقة كونية منبثقة عن المشيئة الإلهية تتلخص في أن الله عز وجل اقتضت مشيئته أن يخلق الناس مختلفين في أديانهم على نحو ما هم مختلفون في ألوانهم ولغاتهم وأعراقهم. وذلكم ما وطن في نفوس المسلمين قبول التعددية". كما أشار إلى أن تاريخ المغرب، "عرف نموذجا حضاريا متميزا في مجال تساكن وتفاعل المسلمين مع أهل الديانات الأخرى ولاسيما اليهود والنصارى ".

فحوار الحضارات وتواصل الثقافات يعد من أهم العوامل التي تساهم في بناء مجتمع عالمي متقدم ، وتكمن الصعوبة ان كل ثقافة تحاول ان تفرض نفسها وتعتبر نفسها الأمثل والأحسن مفترضة مسبقا تفوقها على الآخرين وان بقية الثقافات يشوبها النقص وعدم الصلاحية ويفترض تهميشها . فقبولنا الجانب الآخر هو مفتاح قبول الآخر لنا وبالتالي يفتح الجسور و القنوات للتعرف على الآخرين بسلبياتهم و إيجابياتهم وثقافاتهم المتعددة الآراء والمناهج .

فالإسلام هو دين الحوار والاعتراف بالآخر، وهو شريعة تطوير القواسم المشتركة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وإيجاد السّبل الكفيلة بتحقيق ذلك بما يساعد على العيش بسلام وأمن وطمأنينة،. لهذا أمر الإسلام بالحوار والدّعوة بالتي هي أحسن، وسلوك الأساليب الحسنة ، والطّرق السليمة في مخاطبة الآخر. قال تعالى: (ادْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنّ رَبّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).

إن القران الكريم أرسى قواعد الحوار في الإسلام على أساس الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ، إنه منهج حضاري متكامل في ترسيخ مبادئ حوار الحضارات و الأديان .


الشرقاوي السموني