ليس هناك تعريف يحظى بالإجماع لتحديد مفهوم الأشخاص المسنين، رغم أن منظمة الصحة العالمية اتخذت تاريخ الحصول على التقاعد كمعيار دولي لبداية فترة الشيخوخة. وإن كان هذا المعيار ينطبق على الأشخاص الذين يشغلون وظائف قارة ومهيكلة، فإنه لا يشمل فئة عريضة من المجتمع، وخاصة المجتمع المغربي، سواء منهم الذين يزاولون مهنا حرة، أو أولئك الذين لا يتوفرون على شغل قار. كما أن قياس فئة المسنين بهذا الشكل تعتريه العديد من التفاوتات المتعلقة بالصحة البدنية والعقلية، حيث إن الأجسام لا تشيخ كلها بنفس الدرجة العمرية، كما لا يأخذ بعين الاعتبار مختلف الجوانب المتعلقة بالهشاشة. فالمسنون هم مزيج من شرائح اجتماعية غير متجانسة لاختلاف مستواهم الفكري ووضعهم الاقتصادي والصحي، واختلاف الجنس والوسط. فإن كان منهم من يتلقى معاشا، قد يخضع بدوره لفوارق متباينة، فإن أغلبهم لا يتوفر على موارد مالية قارة، ولا تأمين صحي، وخاصة منهم أولئك الذين يعيشون في الأحياء الهامشية والقرى النائية. غالبيتهم تعاني، على أقل تقدير، من مرض مزمن كالسكري أو ارتفاع ضغط الدم. ونظرا لتطور معدل أمل الحياة خلال العقود الأخيرة، فإن وجهة النظر الطبية أصبحت تذهب إلى اعتبار الدخول في مرحلة الشيخوخة، انطلاقا من الوقت الذي يبدأ فيه إنهاك الجسم وضعفه، كما يربطها آخرون بتراجع القدرات الفكرية، وبداية تحلل العديد من الأنشطة والعمليات المعرفية.

وتنقسم الشيخوخة بدورها إلى عدة أصناف منها :

الشيخوخة الحسية وتتعلق بضعف السمع والرؤية، والشيخوخة الجنسية عند انقطاع الطمث، وعسر الوظائف الجنسية، والشيخوخة الجمالية وما تؤدي إليه من فقدان الإثارة الجنسية ، وظهور التجاعيد، وبروز العروق الدموية بشكل لافت، كما أن هناك شيخوخة الكليات الفكرية وبداية فقدان الذاكرة، إلى غير ذلك.

وبحسب المندوبية السامية للتخطيط فإن عدد المسنين بالمغرب وصل إلى 3.053 000 شخص بناء على الإحصاء الرسمي لسنة 2014. ويتوقع المصدر نفسه بلوغ عددهم إلى 6.180 000 شخص في حدود سنة 2030. يتوفر منهم 1.014 000 على معاش وفق أنظمة مختلقة لصناديق التقاعد (حتى سنة 2017). إلا أن الرواتب التي يحصلون عليها يشوبها تفاوت كبير، بحيث لا تحظى سوى نسبة ضئيلة منهم بمدخول يفي بحاجياتهم التي تزداد ارتفاعا بتقدمهم في السن من حيث متطلبات مصاريف العلاج، والحاجة إلى المساعدة الأسرية للعناية الجسدية والنفسية للمسن، ومتطلبات التغذية لتطبيق الحمية الغذائية المخصصة له، وتهييئ ظروف مريحة للحماية من المعاناة النفسية التي تتزامن مع تقدم العمر، وترتبط بعناصر مصاحبة منها العزلة والهشاشة والأمراض المزمنة، عوامل لها تأثير بالغ على المسنين، وخاصة الفئة التي لا تتوفر على راتب التقاعد، ودون تغطية صحية. أما برنامج راميد فلم يأت بعد بنتائج يمكن أن تفي بالمطلوب. فيما مؤسسات الرعاية الاجتماعية للمسنين بدورها لا تستطيع احتواء جميع من يتقدم بطلبه نظرا لقلة عددها، وضعف إمكانياتها المادية والبشرية، ناهيك عن سوء التسيير، وتدهور المعاملة، والحط من الكرامة الإنسانية، ونظرة ازدراء المجتمع. هذا مع أن الحكومة المغربية تتضمن منصبا وزاريا من مهامه رعاية هذه الفئة، في إطار وزارة التضامن والأسرة.

ولأن غالبية المسنين، كما ذكرنا، تشكو من مرض مزمن كالسكري أو ارتفاع ضغط الدم، والأمراض العصبية بمختلف أنواعها، وتصبح في حاجة ماسة إلى المتابعة الطبية، والتغذية المتوازنة والمصاحبة بالعناية والمساعدة على التكيف مع المرحلة، وخاصة الدعم النفسي والطبي لمنحهم السكينة ووقايتهم من الأزمات الصحية الفجائية، فإن هذا يتطلب تحسيس الأسرة الحاضنة والمعوزة من طرف مؤسسات الدولة الوصية على القطاع بالاحتفاظ بهم بين ذويهم مع التزامها بمساعدتهم ماديا ودعمهم نفسيا من أجل تهييئ مناخ طبيعي يوفر لهم الاستقرار النفسي وتحسين ظروف عيشهم، وصون كرامتهم.

وتتعدد نظرة المسنين لذواتهم وأيضا ممن يحتكون بهم من أفراد الأسرة وحتى المجتمع الخارجي. فالبعض يرى في مرحلة الشيخوخة المحطة الأخيرة في حياة الإنسان، والإشراف على النهاية، بينما يرى فيه آخرون تبلور الحكمة وعمق التجربة والحنكة المكتسبة من الحياة، أما طرف آخر فيدركها من الجانب السلبي ويعتبرها مرحلة التآكل والانحلال العضوي والحسي.

ومهما يكن، فإن المتفائل والنشط من المسنين، قد يحقق فيما بعد الستين آماله المؤجلة باستخدام الطاقة التي لم تتح لها ظروف الانبثاق زمن الاشتغال الرسمي المقيد بالارتباطات المهنية والمرؤوسية. ومن هنا يمكن اعتبار مرحلة الشيخوخة مسألة نسبية تتوقف على ظروف نفسية وصحية وحضارية لكل شخص، ومدى قدرته على التكيف مع المرحلة، وتحمل تبعاتها المتعلقة ببداية تراجع الوظائف الجسمية والعقلية، وفقدان الدور الاجتماعي بعد الإحالة على التقاعد، وكبر الأطفال واستقلالهم بالاستقرار بعيدا، مما يؤدي إلى الإحساس بالوحدة والاغتراب.

التدهور المعرفي للمسن

مع فقدان النشاط المهني، وضيق دائرة العلاقات الاجتماعية، قد يدخل الإنسان مرحلة الانكماش والانطواء على الذات، والاستسلام للركون والاستقرار داخل مجال ضيق يحد من الحركة والمغامرة وحب الاستطلاع والاستكشاف، مما يكون له تأثير على ضعف الذاكرة القريبة مع الإبقاء على الذاكرة القديمة نشطة: إذ يتذكر أحداث الطفولة والشباب، وينسى الأشياء التي حدثت في الأمد القريب، نظرا لبداية تدهور الذاكرة القريبة، وضعف القدرة على الانتباه والتركيز وضعف المهارات الحركية.

تعرض المسن لسوء المعاملة

قد يتعرض المسن لبعض الانتهاكات عندما تتدهور حالته الصحية، ومن ذلك ؛ الانتهاك العضوي والجنسي، كالكسور والكدمات والحروق، وتقييد الحركة، والحبس والتجويع، والإصابة بالأمراض الجنسية المعدية والتقيحات. وأيضا الانتهاك النفسي، كالتعرض للتهديد والسخرية وإعطاء الأوامر الصارمة. وسوء المعاملة كاستغلال نقوده وممتلكاته وحرمانه من التصرف في مدخراته. كذلك حرمانه من العلاج الضروري لصحته، وحرمانه من استعمال وسائل التحسين السمعي والبصري.

إن مثل هذه المواقف وغيرها في حياة المسن، يمكن أن تؤدي به إلى الانغماس في التفكير السلبي اللاعقلاني، وشعوره بانتهاء دوره المجتمعي في الإنتاج، وفقدان مهارات التواصل وطرق التفاعل، والاعتماد على نفسه في قضاء الكثير من أغراضه، وبالتالي ضعف الاتزان الاجتماعي والوجداني. آنذاك يصبح عرضة للإصابة بأمراض نفسية تزيد من تدهور صحته الجسدية. وتشكل معاناة للمساعد الأسري الذي يقوم بخدمته، ويحتك به، والذي يحتاج بدوره إلى رعاية اجتماعية.

أهم الحالات التي تؤدي إلى المعانات النفسية

حالة الاكتئاب

لقد سبق لوزير الصحة السابق، الحسين الوردي، أن صرح في إحدى جلسات الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين لشهر يناير 2015 بأن 48,9 % من المغاربة يعانون من اضطرابات نفسية من مختلف الفئات العمرية، و26,5 % من بينهم يعانون من الاكتئاب، في حين أن 14 % من هذه الفئة الأخيرة حاولوا الانتحار مرة واحدة أو عدة مرات.

وأكد الوزير أن الصحة النفسية لم تكن تعطاها أية أولوية لدى المسؤولين بالمغرب منذ بداية الاستقلال. وزير الصحة أنس الدكالي بدوره أكد في مداخلته بالبرلمان شهر نونبر 2018 بأن 42,1 % من المغاربة يعانون من أمراض نفسية، حيث أن من بين هذا العدد 26,5 % يعانون من الاكتئاب، و 9 %يعانون من اضطرابات القلق، و5,6 % يعانون من اضطرابات ذهنية، و1 % من الانفصام (سكيزوفرينيا). هذه المعطيات تستند إلى تقرير أنجزته المديرية الوطنية للسكان، وهي إحدى المديريات التابعة لوزارة الصحة العمومية. إلا أن خبراء في مجال الصحة النفسية، مستقلين عن وزارة الصحة، ذهبوا إلى القول بأن الاضطرابات النفسية قد تصل بين المغاربة إلى 80 % ، ويعود هذا التضارب في المعطيات إلى عدم وجود إحصائيات علمية دقيقة في هذا الميدان. بينما تذهب تقديرات أخرى (وهي أيضا غير مدققة) إلى أن الأمراض النفسية بالمغرب تقارب نصف عدد السكان، وحددتها في حوالي 14.280 000 شخص من أصل 34 مليون نسمة.

تبقى الصحة النفسية بالمغرب يلفها الغموض، وتتأرجح بين التقدير الأعلى والأدنى، وتخضع للمزايدات المتضاربة، ومن ذلك ما صرح به خبير صيدلاني بأن استهلاك الأدوية المتعلقة بمعالجة الأمراض النفسية التي بيعت سنة 2017 تعبر عن ارتفاع عدد المصابين باضطرابات نفسية، حيث تشير الإحصائيات إلى أن المغاربة يستهلكون سنويا 452 مليون علبة دواء لأمراض نفسانية وعقلية بقيمة إجمالية تصل إلى 81 مليار سنتيم. وهي معطيات يجريها مركز متخصص في الإحصائيات الدوائية، يتم استخلاصها من سجلات الصيدليات التي يلزم الصيدلاني بإمساكها، وتقديمها بصفة دورية إلى مكتب النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية التي تقع بدائرة نفوذها للتأشير عليها، في إطار المراقبة تخوفا من بيع الدواء دون وصفة، واستغلاله من طرف تجار ومستهلكي العقاقير المهلوسة.

وتجدر الإشارة إلى أن المغرب صادق على المعاهدة الدولية لحماية حقوق ذوي الإعاقة النفسية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 ديسمبر 2006، وذلك في مجلس للحكومة بمقتضى مشروع قانون 13-71 سنة 2016، يتعلق بمكافحة الاضطرابات العقلية وحماية الأشخاص المصابين بها، والحفاظ على حقوق المعاق نفسيا، والتكفل المادي والمعنوي، من شراء الأدوية والتغطية الصحية، والعلاج الطويل الأمد عن طريق توفير مرشد نفسي واجتماعي يزور المرضى في منازلهم، ومساعدتهم على الاندماج في المجتمع لأنهم يصبحون عبئا ثقيلا على الأسرة. إلا أن تنزيله من أجل تطبيقه ما زال لم يفرج عنه بعد.

والملاحظ أن غياب توفر العلاج الطبي يدفع بالكثير من أسر المصابين المعوزين وذوي الدخل المحدود، باللجوء إلى العرافات والرقاة، اعتقادا منهم أن المريض يعاني من مس شيطاني أو مصاب بالسحر والعين، حيث الاعتقادات السائدة في الوسط الاجتماعي التي تعود إلى ثقافة الجهل والأمية.

إذا كان هذا الوضع تعاني منه مختلف الفئات العمرية، فإن تفاقمه مع تقدم الشخص في السن، يصبح تأثيره بدرجة أقوى وأشد. خاصة عند تزامنه مع مجموعة من الأعراض العضوية المرتبطة بضعف البنية الجسمية، ويصبح تأثيرها سهل المرور ليصيب جوانب من السلوك والأفكار والمشاعر. ونظرا لظروف الهشاشة المرتبطة بالتقدم في السن، فإن تغلغلها لدى نفسية المسن تنفذ بسرعة أكثر، وتكوِّن لديه حالة الاكتئاب الذي تبدو أعراضه في كثير من الأحيان مرضية، منها :

التأنيب المستمر للذات ومشاعر الذنب المبالغ فيها، واليأس، وفقدان الشهية، وانعدام الثقة بالنفس، وحتى البكاء المستمر. واضطرابات النوم، وخاصة اليقظة المبكرة أو النوم المتقطع، وأيضا تناقص الوزن وضعف الشهية. ويتقوقع الشخص على ذاته، وتتقلص علاقاته الاجتماعية، ويتجه نحو العزلة، وقد يؤدي به هذا السلوك إلى رفضه من قبل الآخرين نظرا لغموض التصرفات التي يقوم بها، وعدم فهمها من قبل أفراد المحيط الذين لا يدركون أسباب هذا الخلل. وغالبا ما تتزامن هذه الحالات مع عدم توفر مصادر الدعم والعلاج النفسي، مما يؤدي بالكثير منهم إلى أن تتكون لديهم أفكار وهمية بأن حياتهم أصبحت عديمة الجدوى. ومن مخلفات هذه العوامل، التفكير في هواجس الموت، وما بعد الموت، ومحاولة التخلص من الحياة لدى البعض، وقد يذهب بهم الحال إلى أقصى درجات العدوان نحو الذات، وأعنفها التي تتلخص في محاولة الانتحار، إما بشكل بطئ كالإعراض عن الأكل وتناول الدواء، ورفض الاستشفاء ومقابلة الطبيب، أو العزوف عن التصريح بالإحساس بالألم وعدم التعاون مع المعالج، وقد تتطور هذه الوضعية في الاتجاه السلبي إلى محاولة الانتحار فعليا، وفي صمت لا يترك مجالا للمحيطين به مما يثير انتباههم.

ومن الأعراض المميزة في سلوك الاكتئاب وانتشارها لدى المسنين، بالإضافة إلى كون الشخص له سوابق في محاولة الانتحار خلال مراحل العمر لسلوك كان ينتابه في بعض الفترات، إلا أن تفاقمها مع التقدم في السن، وارتباطها بأعراض الاضطراب الوجداني، يقيسها الاختصاصيون في العلاج النفساني بمقياس الأفكار غير العقلانية المعبر عنها بما يلي :

إهانة الذات وتجريحها والسخط العام على المظهر الشخصي والسلوكي، منها إهماله لملبسه وهندامه.

اتهام الذات بالقصور والضعف والفشل والنقد الحاد المتسم بتدمير الذات.

ميل هذه الفئة إلى التضحية من أجل الآخرين على حساب ذواتهم، واعتبار الآخرين أهم وأجدر بالراحة والتمتع بملذات الحياة ( الأبناء والأحفاد أو الزوج أو الزوجة ).

شعورهم بأنهم أصبحوا أعباء على أفراد الأسرة الذين يقومون بخدمتهم، ويحملونهم ما لا طاقة لهم به، وهي نوع من هدم الذات.

ونظرا لصعوبة فهم أعراض المصاب بالاكتئاب من طرف المحيط، وضعف ثقافة العلاج النفسي لدى المجتمع المغربي، والغموض الذي يكتنف سلوك المسن بعدم التصريح بالأعراض التي يعاني منها في صمت، مع بداية التدهور المعرفي والانفعالي وصعوبة التركيز، كلها عوامل لا تساعد على إيجاد منفذ لانطلاق عملية العلاج، فبالأحرى التفاعل الإيجابي مع المريض، وخاصة من طرف المحيط الأسري الذي لا يحسن خبرة التعامل مع غموض هذا الوضع، والتوجه إلى الطبيب قبل فوات الأوان، وندرة هذا النوع من العلاج، ناهيك عن ارتفاع تكاليفه، وأيضا نظرة المجتمع غير العقلانية نحوه، و الخوف من العار، الذي تحتاط الأسرة من التحاقه بها، وبالتالي تصبح منبوذة من طرف المحيط، وشتيمة وإهانة تثار في جميع المناسبات.

الخرف

هو مرحلة يعاني فيها الشخص صعوبات إدراكية، حيث تبدأ حالته بتدهور خلال عام ليصبح خرفا سريريا. والعلاج الممكن تقديمه له، هو علاج وقائي للحد من خطورته على القلب والأوعية الدموية، ويتطلب القيام بنشاطات بدنية ودماغية.

من شأن مرض الخرف المعاناة من ظواهر نفسية تبدأ باضطرابات سلوكية، مثل :

الأفكار الكاذبة، حالات الهذيان، عدم الهدوء، العدوانية، اضطرابات في اليقظة والنوم، الاكتئاب، الهلع. هي اضطرابات تؤدي إلى معاناة ملحوظة لدى المريض، وتشكل عبئا على أفراد المحيط الذين يسهرون عليه، حيث تدعو الحاجة إلى ضرورة إقامة المريض في مؤسسة للرعاية الصحية. وعلاج هذه الاضطرابات ينبغي أن يتم من قبل طبيب أخصائي بعلاج مرض الخرف مع إشراف طبيب العائلة، وتوفير بيئة تضمن جودة الحياة لمتلقي العلاج، ومقدمي الرعاية.

تدخلات سلوكية من أجل مرض الخرف.

منها تدخلات إدراكية تتعلق بالتدريب على مهارات تفكير وتعزيز الشعور بالواقع، وينبغي أن تكون في مراحل مبكرة من المرض، وكذلك تدخل بيئي من حيث تكييف البيئة التي يعيش فيها المريض مع قدراته، وخلق محيط سليم يقيه من التعرض للخطر، ويساعده على الحركة والتجول وقضاء الحاجة، سواء أثناء المشي وصعود السلالم، ودخول الحمام، إلى غير ذلك. وأيضا التدخلات الممتعة، وتشخيص التدخلات التي تساعد على راحة المريض، وتسبب له المتعة والسرور كعادته في الماضي، مثل العلاج بالموسيقى أو باللمس.

الحجر على أهلية المريض

لا يمكن الحجر على أهلية المريض قطعيا، وحرمانه من اتخاذ القرار وإدارة شؤونه المالية، بل ينبغي ترك له المجال لمواصلة بعض نشاطاته العادية. فهو يفقد أهليته بالتدريج ارتباطا بمراحل تطور المرض، ويتطلب العمل على عدم إحساسه بالإقصاء عن طريق الحفاظ له على ممارسة أهليته بحسب ما تبقى له من إمكانيات إدراكية ومعرفية بإتباع نصائح الطبيب المعالج في الموضوع.

وفي المراحل المتقدمة، قد يعاني المريض من مشاكل في تناول الطعام، حيث يرفض الابتلاع، وينسى حتى كيف يأكل وكيف يمضغ، وماذا يفعل بالطعام، ولا يتذكر مراحل الأكل. كما أن لبعض الأدوية تأثيرا على الشهية، تجعله يعاني من ظواهر سلبية في الجهاز الهضمي، ومنها حالات الإمساك.

تشكل هذه الصعوبات تحديا صعبا للأشخاص الذين يقومون بالسهر على المريض بالخرف، بحيث ينبغي تدخل مؤسسات الرعاية الصحية لمساعدتهم، وتوجيه النصح والدعم العملي وحتى المادي لأفراد الأسرة المعتنين بأشخاص يعانون من الخرف.

مرض الزهايمر

هو نوع من أمراض الخرف، ويتميز بانخفاض في وظائف الدماغ، والتدهور العقلي والإدراكي، ويتجلى في فقدان الذاكرة على المدى القصير، وصعوبات في اللغة والتواصل، وتضرر المقدرة على التعرف على الأشخاص والأشياء، وانعدام القدرة على تحديد الزمان والمكان، وصعوبة في التفكير المجرد. كما يتميز بموت تدريجي لخلايا الدماغ التي لا تتجدد، حيث ينقطع إمداد الأوعية الدموية المؤدية إلى المخ بالأوكسجين، فتموت الخلايا. وباختصار فإنه يتصف في البداية بوجود ثغرات (ثقب) في الذاكرة.

الزهايمر مرض غير قابل للعلاج حاليا، وتقدم أدوية للتخفيف من أعراضه، وتمنع تطوره، ومن شأنها أن تعمل على تحسين الوظائف الإدراكية والسلوكية، وإبطاء تدهورها، لكنها لا تشفى.

يتطلب التعامل مع المريض بالزهايمر اهتماما خاصا يتوقف على تفهم طبيعة المرض، بحيث إنه مرض يختلف من شخص لآخر، كما أن حالة الشخص نفسها قد تتغير من وقت لآخر. فقد ينتابه شعور بالخوف من الظلمة، ومن الاستحمام، ويحصل له التبول اللاإرادي، ويجد صعوبة في النوم. ولذلك فهو يحتاج إلى الهدوء التام، وقد يسبب الأذى لنفسه. وفي مرحلة متقدمة من المرض يصبح فيها لا يتعرف حتى على أقرب الناس إليه، لذا ينصح بالاستعانة بألبومات الصور وتقديمها له وتوضيح صلتهم به ووضعهم رهن إشارته ليتمعن فيهم من حين لآخر عله يتذكر بعضها.

مرض الباركنسون

يبدأ هذا المرض عادة برعشات لا إرادية، أو مشاكل في الحركات الإرادية، وعندما يتطور تتحول حالة المريض إلى الإصابة بالخرف.

وهو اضطراب تنكسي في الجهاز العصبي المركزي، ويؤثر بشكل رئيسي على الجهاز الحركي. تبدأ أعراضه ببطء في أول الإصابة بالرعاش ثم التقبض ونقص الحركة وتشوه المشي، وتؤثر على التفكير في السلوك. وفي المراحل المتقدمة يرتبط باركنسون بالاكتئاب، ومن أعراضه الحسية الشائعة، اضطراب النوم والمشاكل العاطفية.

أسبابه لا تزال غير معروفة بشكل تام، ولكن يعتقد أنه يعود إلى عوامل وراثية وبيئية. أعراضه الحركية تنتج عن موت الخلايا في المادة الرمادية، وهي منطقة من الدماغ المتوسط، ويرجعه الاختصاصيون إلى تراكم البروتينات في أجسام ليوي، وهو الخرف المصاحب بالباركنسون في الخلايا العصبية، وفقدان الذاكرة بطريقة تصاعدية، مما يؤدي إلى الهلوسة وضعف في الاستيعاب والانتباه لما هو موجود في البيئة المحيطة بالمريض. يعود أصل التسمية إلى مكتشف المرض، الطبيب جيمس باركنسون عام 1817 وخصص له يوم عالمي 11 أبريل من كل سنة، تزامنا مع عيد ميلاد مكتشفه.

علاج الباركنسون لا يزال ضعيفا رغم اللجوء إلى إجراء جراحة عصبية لتحفيز الدماغ بزرع مولد يرسل نبضات كهربائية إلى الدماغ، وقد يحد من أعراض المرض بصفة مؤقتة.

إن كل شخص تنتظره مرحلة الشيخوخة، لذا فعليه أن يشعر بواجب الاحترام والتقدير في التعامل مع كبار السن، والمشاركة في تكوين وعي مجتمعي لتقبل كل ما يمكن أن يصدر عنهم، ويتحمل كل أفعالهم، نظرا لظروفهم الصحية والنفسية التي تسير في الانحدار والتدهور، ولا يستطيعون الاعتماد على أنفسهم، ويحتاجون إلى الرعاية والاهتمام من المقربين، حفظا لكرامتهم، وصونا لإنسانيتهم.

أحمد لعيوني