في التقديم :

أسفرت احتجاجات الأساتذة المتعاقدين عن تراجع الوزارة عن التعاقد، وهو ما سبق التأكيد على عدم قانونيته في مقالة سابقة (بإحدى الجرائد الوطنية ليوم 18 مارس 2019) في حين أن مطلب الإدماج ضمن أطر وزارة التربية الوطنية ظل يراوح مكانه دون استجابة من لدن الجهة المختصة، علما بأن رأينا المتواضع نَحَى إلى القول بعدم شرعية هذا المطلب لتعليلات سبق إيرادها في المقالة السالفة الذكر.

وبعد التراجع عن التعاقد، والنية في إدراج مبدإ المساواة بين موظفي الوزارة ومستخدمي الأكاديميات، فإن رجوع الأساتذة إلى أقسامهم لم يتم الحسم فيه بعد بشكل قطعي بذريعة تباين المراكز القانونية بين الفئتين السالفتي الذكر.

ورغم الاستجابة لمطلب إلغاء التعاقد وفتح الحوار لاعتماد نظام أساسي تنضح مقتضياته بالمساواة، فإن بعض العقبات ظلت تحول دون انفراج الوضعية تتمثل أساسا في عودة التلاميذ لأقسامهم تحت شرط واقف باعتبار أن النار كامنة تحت الرماد.

وتتمثل أهم هذه العقبات في الحق في النقل والإلحاق ونظام التقاعد مع رفع ورقة الدفاع عن المدرسة العمومية ومجانيتها التي نتطرق اليها في المقطع الموالي.

الدفاع عن المدرسة العمومية والمجانية :

لئن كان هذا المحور لا يندرج ضمن الضمانات المقترحة لمستخدمي الأكاديميات، فإن إشهار هذه الورقة كوجه من أوجه دفاع الأساتذة المتعاقدين في إطار المطالبة بإلغاء التعاقد والإدماج، يستلزم توضيحا في عجالة.

إن الدفاع عن المدرسة العمومية ومجانيتها حجة لا يتناطح عنزان من أجلها، لكن إعمال هذه الورقة للحجاج في هذا السياق يؤدي إلى ولوج مجال تقييم السياسة العمومية التعليمية، في حين أن مراقبة عمل الحكومة وتقييم السياسات العمومية يندرج ضمن سلطات البرلمان وفق الفصل 70 من الدستور... نعم يمكن لأطياف المجتمع المدني القيام بهذا الأمر عبر الديموقراطية التشاركية وآلياتها القانونية الكثيرة لاسيما إعمال أحكام القانون التنظيمي رقم 64.14 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع، أو إحداث مراكز ضغط مؤطرة قانونيا تتواصل وتتفاعل مع الفرق والمجموعات البرلمانية لإعادة النظر في السياسة العمومية التعليمية، أما الغوص في تقييم سياسة عمومية "بطريقة احتجاجية" فأمر قد لا يستقيم...

النقل (الفصل 38 المكرر من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية) :

نصت مقتضيات هذا الفصل المتعلقة بالنقل (Réaffectation) على تخويل هذا الحق، على سبيل الحصر، للهيئات والأطر المشتركة بين الإدارات من قبيل هيئات المتصرفين والتقنيين والمهندسين، بخلاف الهيئات والأطر الخاضعة لأنظمة أساسية خاصة.

ومن جهة أخرى فإن النقل، يتم من إدارة عمومية إلى أخرى أو من جماعة ترابية إلى أخرى أو من إدارة عمومية إلى جماعة ترابية أو من جماعة ترابية إلى إدارة عمومية، مما يستشف معه أن النقل من مؤسسة عمومية إلى أخرى أو من مؤسسة عمومية إلى إدارة عمومية غير وارد، علاوة على أن أساتذة الأكاديميات لا ينتمون إلى هيئات أو أطر مشتركة مما يجعل تمكينهم من آلية النقل غير ممكن قانونا.

الإلحاق :

إن الوضعيات التي يمكن أن يوجد فيها الموظف، بمفهوم الفصل الثاني من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، تتمثل في حالات القيام بالوظيفة أو التوقيف المؤقت عن العمل أو الجندية أو الإلحاق.

ويعتبر الموظف في وضعية إلحاق إذا كان خارجا عن سلكه الأصلي مع بقائه تابعا لهذا السلك ومتمتعا بجميع حقوقه في الترقية والتقاعد، علما بأن الإلحاق يتم، بطلب من الموظف للالتحاق بإدارة للدولة أو جماعة ترابية أو مؤسسة عمومية (لاحظ استحالة الإلحاق بين المؤسسات العمومية من حيث المبدأ).

وبناء عليه، فإنه يتعذر أن يستفيد المستخدم من الإلحاق من أكاديمية إلى أخرى، على أساس أن كل أكاديمية تعتبر شخصا اعتباريا له استقلال إداري ومالي، في حين أن الموظف بوزارة التربية الوطنية يمكنه أن يلحق لدى إدارة للدولة أو جماعة ترابية أو مؤسسة عمومية.

وإذا كان الأمر كذلك، ودون الانغماس في التفاصيل، وحيث إنه لا يمكن إعمال الإلحاق من مؤسسة عمومية إلى أخرى نظير الأكاديميات أومن مؤسسة عمومية لدى إدارات الدولة، فإن مبدأ الإلحاق المتعذر تحقيقه في هذه الحالة قد يفضي إلى مشاكل اجتماعية يتجسد أهمها في عدم إمكانية التحاق الزوج/الزوجة بالطرف الآخر ويهدد حياة وديمومة النواة الأولى للمجتمع، مما قد يجعل من المطالبة بالإدماج في أطر الوظيفة العمومية "مطلبا مؤسسا اجتماعيا" تعترضه، كما سبق الذكر، مقتضيات قانونية تتمثل في التوظيف بمؤسسة عمومية تتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية.

وإذا تم الأخذ بهذا الاعتراض الأخير فإن حركية المستخدمين بهذه الأكاديميات تظل مستحيلة بالرغم من أنها قد تساهم في التئام شمل العوائل... مما يستلزم اعتماد روح القانون مع تفعيل الغاية منه والمتمثلة في خدمة الإنسان وتيسير سبل عيشه... ومن هذا المدخل يمكن معالجة هذه الوضعية بتقنين الإلحاق بالنسبة لمستخدمي الأكاديميات في بعض الحالات لاسيما:

الحاق الزوج أو الزوجة بالطرف الآخر الذي يشتغل في أكاديمية جهوية أخرى، لكن بشرط أن يكون قد ترتب عن هذا الزواج وجود أولاد مع احترام الضوابط العامة للإلحاق التي يخضع لها الموظف أيضا من تقديم طلب وموافقة أكاديمية المنطلق وأكاديمية التلقي التي يتعين عليها أن تتوفر على منصب مالي شاغر مع إمكانية الإدماج بالأكاديمية الملحق بها وفق المسطرة المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية؛

وجدير بالذكر أن إلحاق أستاذ من أكاديمية إلى أكاديمية أخرى، عند توفر شروطه، يساهم في الحركية ويعمل على التقليص من مشاكل اجتماعية دون أن يترتب عن هذا الإلحاق إلزامية قيام الأستاذ بتكوين جديد مع هدر للزمن المدرسي... بل هو من لحظة إلحاقه يكون فاعلا وناجعا...

الالحاق لتدريس المغاربة بدول المهجر، على غرار أساتذة المركز وذلك تفعيلا لمبدإ المساواة بين موظفي المركز ومستخدمي الجهة، دون أي حق في الإدماج لدى الجهة الملحق لديها.

نظام التقاعد :

يخضع مستخدمو المؤسسات العمومية وجوبا للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد (الفصل 2 من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.77.216)، وباعتبار الأكاديميات مؤسسات عمومية فإن المستخدمين المعينين لديها من أساتذة وإداريين يخضعون وجوبا للنظام المذكور والذي يسيره الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين.

ويدفع بعض الأساتذة لرفض إخضاعهم للنظام المذكور بعدم مماثلة مبالغ المعاشات المخولة من هذا النظام لتلك التي يستفيد منها المنخرطون في نظام المعاشات المدنية المسير من لدن الصندوق المغربي للتقاعد.

بهذا الخصوص، وباختصار، لابد من التذكير بما يلي:

إن الاقتطاع برسم المعاش، لفائدة نظام المعاشات المدنية، يحدد في نسبة 14% من عناصر الأجرة المتكونة من المرتب الأساسي والتعويضات والمكافآت الدائمة وتعويض الإقامة المقرر للمنطقة "ج"، وذلك بخلاف مقدار الاقتطاع لفائدة النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد المحدد في 6% من مجموع الأجور القارة باستثناء التعويضات عن المصاريف أو عن التحملات العائلية مما يوضح عنصر من عناصر التباين بين مبالغ معاشات كلا النظامين.. باعتبار أن من عناصر تحديد مبلغ المعاش مبلغ الاقتطاع...؛

إن الأجر المرجعي بالنسبة لنظام المعاشات المدنية يحتسب على أساس الأجرة الخاضعة للاقتطاع من أجل المعاش برسم الستة والتسعين (96) شهرا الأخيرة من الخدمة الفعلية المنجزة إلى غاية تاريخ الحذف من الأسلاك، بخلاف المعاش المخول من النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد المحدد بناء على الأجرة المتوسطة للحياة العملية للمستخدم أو العون؛

إن الإصلاح المقياسي لنظام المعاشات المدنية الذي يرتكز لاحتساب الأجر المرجعي على الأجرة خلال 96 شهرا الأخيرة من الخدمة الفعلية، واعتماد 2% من هذا الأجر المرجعي لتحديد مبلغ المعاش يفيد بأن ميكانيزمات عمل نظام المعاشات المدنية تَنْحُو للأخذ بتلك التي يعمل بها النظام الجماعي أو غالبيتها، لاسيما أن استراتيجية الحكومة في هذا المجال تَرْنُو إلى إحداث قطب عمومي للتقاعد يحوي كلا النظامين المذكورين على المدى المتوسط... وبالتالي فإن إشكالية تباين مبالغ معاشات النظامين لن تبقى مطروحة مستقبلا.

في المنتهى :

إن إلغاء التعاقد هو تصحيح لوضعية شاذة/غير قانونية، كما أن مطلب الإدماج في أطر الوظيفة العمومية مجانب للصواب القانوني. ولتفعيل مبدإ المساواة فإنه عوض الارتكان إلى مطلب الإدماج يقترح استدعاء الضمانات والحقوق المضمنة في نظام موظفي التربية الوطنية بغاية إدراجها في نظام أساسي عادل ومنصف لفائدة مستخدمي الأكاديميات تكون قمينة بتكريس المساواة دون التعارض مع طبيعة الشخصية الاعتبارية للأكاديميات.

وهذا الطرح المتواضع، مبتغاه ليس الدفاع عن موقف معين، وإنما تمسكا بالمنطق القانوني ليس إلا.

 

رشيد أعمر