عيد العرش هو ذكرى أولا و تذكير ثانيا، ذكرى فإنه يذكر المواطنين المغاربة بيوم عظيم هو اعتلاء ملك البلاد عرش أسلافه الميامين، وهو ملكا وراعيا لأحوال العباد والبلاد، وهو المسؤول الأول والأخير عن الشعب المغربي وكل الرعايا القاطنين البلاد سواء وطنيون أو أجانب، بحيث كل من دخل البلاد فهو في حماية الجالس على العرش، وعلى هؤلاء المشمولين بالرعاية المولوية أن يمتثلوا للقانون المنظم للحياة اليومية، بحيث يعاقب القانون على المخالفات التي ترتكب من لدن الرعايا الذين وقعوا في مخالفة عمدا أو سهوا، لأنه لا يعذر أحد بجهله للقانون...... وهو يسري على الجميع بالتساوي والعدل تحت مراقبة السلطات المكلفة، وعلى السلطات العمومية الوقاية طبقا للقانون من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، والزجر عن هذه المخالفات والانحرافات بدون استعمال الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وكل الممارسات المخالفة لمبادئ وقواعد الدولة الشرعية في احترام تام للمشروعية والعادات والتقاليد.

ومن أهم هذه القواعد على جميع المواطنات والمواطنين احترام الدستور الذي هو القانون الأسمى فضلا عن التقيد بالقانون الذي يفرضه الدستور، وذلك من خلال ممارسة الحقوق والواجبات مع احترام الحريات العامة التي يكفلها الدستور بروح المسؤولية والمواطنة الحقة الملتزمة، التي تتلاءم فيها ممارسة الحقوق بالنهوض بأداء الواجبات التي هي في أعناق المواطنين من خلال البيعة وتجديد العهد، والمساهمة في الدفاع عن الوطن ووحدته الترابية، وأن يقوموا قومة رجل واحد في مواجهة أي عدوان أو تهديد اتجاه حرمة الوطن، وأن يتحمل كل واحد بصفة تضامنية وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفر عليها كالتكافل التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي قد تصيب البلاد لا قدر الله، ولو أن التكافل الاجتماعي يطبع سيرة المغاربة أبا عن جد، أي القوي يأخذ بيد الضعيف، والصغير يحترم الكبير.

ويبقى الملك الجالس على عرش أسلافه الكرام المحتفى به بمناسبة ذكرى عيد العرش المجيد التي كل مغربي حر يتطلع إليها بفارغ الصبر بحيث أن المغربي شعاره الخالد الله، الوطن، الملك، أي الملك هو الراعي لكل مواطن والساهر على وحدة التراب المغربي، والرعايا سواسية في الحقوق والواجبات، وجلالته أمير المؤمنين و حامي الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية، وكل ما يتعلق بالحريات العامة سواء أكانت فردية أو جماعية.

ووفق الفصل 42 من دستور 2011،

الملك هو رئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، وهو يسهر على احترام الدستور وحسن سير ممارسات المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين أفرادا وجماعات.

الملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة.

أما الفصل 43 من الدستور فمفاده،

أن عرش المغرب وحقوقه الدستورية تنتقل بالوراثة إلى الولد الذكر الأكبر سنا من ذرية جلالة املك محمد السادس، ثم إلى ابنه الأكبر سنا، وهكذا ما تعاقبوا، ما عدا إذا عين الملك قيد حياته خلفا له ولذا

آخر من أبنائه غير الولد الأكبر سنا، فإن لم يكن ولد ذكر من ذرية الملك، فالملك ينتقل إلى أقرب أقربائه من جهة الذكور، ثم إلى ابنه طبق الترتيب والشروط السابقة الذكر.

وللملك قائمة مدنية، الفصل 45 من الدستور، شخص الملك لا تنتهك حرمته، وللملك واجب التوقير والاحترام،

تلكم هي أهداف ذكرى عيد العرش المجيد بكل اختصار، أما التذكير فهو يتضمن مجموع المنجزات الاقتصادية والاجتماعية التي تحققت خلال السنة الفارطة والمشاريع المزمع انجازها في السنة التي تليها، والكل يرد على لسان صاحب الجلالة من خلال الخطاب السامي الذي يسرد فيه جلالته بمناسبة عيد العرش المشاريع التي تبلورت على أرض الواقع وأعطت ثمارها في التنمية والتقدم الحضاري للبلاد، والأشواط التي قطعتها المملكة في النمو والازدهار، وكذا الوقائع والأحداث التي عرفتها المملكة خلال السنة الفارطة، وتأثيراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ولقد جاء في خطاب العرش المجيد لسنة 2017 أن المشاريع التنموية والإصلاحات السياسية والمؤسسية لها هدف واحد هو خدمة المواطن أينما كان، لافرق بين الشمال والجنوب، ولا بين الشرق والغرب، ولا بين سكان المدن والقرى، وهذه تلك الأهداف والغايات التي يعمل جلالته على تحقيقها لأبناء شعبه الوفي في ربوع المملكة، والمغاربة توحدهم صيغة التكافل الاجتماعي، صحيح أن المغرب لا يتوفر على الإمكانيات اللازمة التي من شأنها أن تساعد على تحقيق كل المشاريع والاحتياجات التي يزداد عليها الطلب يوميا من لدن المواطنين، وأساسا ذووا الدخل المحدود، أو الطبقات المعوزة أو حتى تلك التي هي في وضعية هشة التي في أمس الحاجة إلى الخدمات الأساسية الاجتماعية، ولكن وعلى الرغم من هذا فإن المملكة عرفت طفرة نوعية خلال السنوات الماضية بدءا من اعتلاء جلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه الكرام، وذلك في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية حيث قطع أشواطا في التنمية والتقدم المجالي، وعلينا أن لا ننسى أيضا ان المغرب موارده محدودة لاهو بلد منتج للنفط أو الغاز، ولكن بالإرادة القوية والعزيمة الثابتة تتحقق الأهداف والغايات، والدليل على هذا، تلك المشاريع التي سهر جلالة الملك محمد السادس عليها بنفسه حيث تمت بلورتها على أرض الواقع وعلى وجه التحديد والاختصار، هناك المطارات الحديثة والموانئ والطرق السيارة، والبنى التحتية كالقناطر والجسور، والسكك الحديدية والنقل العصري كالقطار الفائق السرعة، والطرام بالعدوتين الرباط وسلا، وشقيقتهما المدينة العملاقة الدار البيضاء، فتحقيق هذه المشاريع على أرض الواقع جعلت المغرب في مصف البلدان المتقدمة في كثير من الميادين والمجالات ذات البعد الاستراتيجي المعقلن بصفة شمولية ومتوازنة وموازية، وهذا كله نابع من قناعة الحكامة الجيدة لجلالة الملك محمد السادس أعز الله أمره، والمتابعة المستمرة لجلالته.

في اعتقادي الشخصي من الأسباب التي يمكن أن تساعد وتساهم في تحقيق المشاريع التي يسهر عليها جلالته هو ربط المسؤولية بالمحاسبة بكل حسم وصرام، (و اللي دار الذنب يستاهل العقوبة).

ولابد هنا من الإشارة إلى المقولة المشهورة التي وردت في خطاب العرش المجيد 2017، التي قال فيها جلالته، لقد حان الوقت للتفعيل الكامل لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وشدد جلالته على التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل الأول من الدستور والتي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة، فكما يطبق القانون على جميع المغاربة يجب أن يطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز وبكافة مناطق المملكة.

وقال جلالة الملك أعز الله أمره، إننا في مرحلة جديدة لا فرق فيها بين المسؤول والمواطن في حقوق وواجبات المواطنة، ولا مجال فيها للتهرب من المسؤولية أو الإفلات من العقاب، وأردف جلالته قائلا، "عندما يقوم مسؤول بتوقيف او تعطيل مشروع تنموي أو اجتماعي لحسابات سياسوية او شخصية فهذا ليس فقط إخلالا بالواجب وإنما هو خيانة، لأنه يضر بمصالح المواطنين ويحرمهم من حقوقهم المشروعة.

وفي ختام هذا المقال المتواضع أقول جازما، أن القضاء على التخلف والخيانة والتهرب من المسؤولية لا يكمن إلا في القضاء على الفساد بكل أنواعه أو عدم الإفلات من العقاب، والحد من اقتصاد الريع والمحسوبية والزبونية، فاليد الواحدة لا تصفق.

والحالة هاته، فجلالة الملك نصره الله حريص كل الحرص على أن يستفيد جميع المواطنين من خيرات الوطن ولقد وعد جلالته شعبه الوفي على مواصلة العمل في هذا الصدد إلى آخر رمق، وان سعادة شعبه من سعادة جلالته، وما يسر شعبه يسر جلالته.

والسؤال الذي يفرض نفسه، هل هؤلاء المسؤولون استوعبوا ما يطمح اليه جلالته؟ وجلالته يجدد في كل خطاباته السامية الموجهة الى شعبه الوفي هذه الأهداف وهذه الغايات من خلال التنبيهات، والمخالف او غير العامل بها ما ظلم إلا نفسه عندما تدق ساعة الزلزال السياسي الذي لا يرحم، واعتقد أن الزلزال السياسي الحاسم والصارم هو بوابة الإصلاحات العميقة التي خطط لها سيدنا جلالة الملك محمد السادس منذ اعتلاء جلالته عرش أسلافه الميامين، وجلالته يمهل ولا يهمل والساعة آتية لا ريب فيها، لذا علينا بإصلاح أنفسنا طواعية وبإرادة وقناعة ومساهمة منا في مساعدة جلالة الملك على تحقيق ما يصبو إليه من رقي وازدهار المملكة الشريفة، فالطريق معبدة أمامنا فما علينا إلا التوكل على الله ونحمل المعول في أيدينا لنكمل مساعينا الحميدة وننجز ما خطط له بعون الله، تحت الرعاية السامية والتوجهات الحكيمة للجالس على العرش العلوي المجيد جلالة الملك محمد السادس.

أسأل الله العظيم من أعماق قلبي ووجداني وما تحمله هذه السنة من بركة وفضل أن يجعل جلالته ممن رضي وارتضى، وهدي واهتدى، ومن ينابيع الرحمة استقى، وأن تكون كل خطواته موفقة بإذن الله من خير الأعمال، ودامت له الصحة والعافية. آمين.



عبد العزيز الإدريسي