هل يجادل أحد في أن كرة القدم منذ مدة لم تعد لعبة رياضية صرفة، بقدر ما أصبح يحكمها المنطق المقاولاتي سواء بسواء، مبنية على قاعدة الأخذ والعطاء، والربح المادي، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والميزانية بالمردودية؟ فما معنى التعاقد مع أي ناخب وطني؟ سؤال لا بد من بسطه على وقع الانتكاسة التي مني بها المنتخب الوطني أمام فرق إلى عهد قريب لم يكن يسمع بها أحد..فهل التعاقد مجرد بنود على الورق لا أقل ولا أكثر بدون متابعة؟ ألا يتضمن العقد شروطا والتزامات مقابل ما ترصد له من ميزانيات تقدر بآلاف الدولارات (مائة ألف دولار للناخب الوطني شهريا، ونائبه الأول 55 م سنتيم..يفوق راتبه حوالي 20 مدربا رئيسيا مشاركا في "الكان"، والمساعد الثاني 30 م سنتيم، حسب ما أوردته مجموعة من الصحف الوطنية)؟ هذا دون احتساب المكافآت والحوافز والبريمات الضخمة والإقامة بأفخر الفنادق وتذاكر السفر بالدرجات الممتازة، وأما ما خفي فأكيد أنه أعظم.

ألا يقال إن العقد شريعة المتعاقدين؟ أليس في العقد ما يحدد ارتباط هذه المبالغ الخيالية التي تقتطع من جيوب دافعي الضرائب بما ينجزه الفريق الوطني على أرض الواقع خلال ملتقياته العالمية والقارية؟ بالمنطق التجاري هل يعقل أن يصرف صاحب أي مقاولة الملايير بدون احتساب ما سيربحه؟ فهل يتصور أن يزج بسنتيم واحد في أي عملية قبل أن يلجأ إلى استشارة ذوي الاختصاص ومكاتب الدراسات والحسابات، أم إنه لا مجال للمقارنة، بما أن المال العام لا بواكي له؟ ألا يحق للمواطنين متابعة مسؤولي كرة القدم الوطنية عن الفواجع التي تلحق بهم جراء الهزائم المتوالية؟..ما الذي ينقص كرة القدم المغربية لتكون في مستوى جيراننا بإمكانات أقل بكثير؟ إذا كان على الميزانية فهي الأعلى على المستوى الإفريقي، فهي تساوي ضعف ميزانية الاتحاد الجزائري (88 مليار درهم)، ألا يكفيها أنها ضعف ميزانية التعليم (68 مليار درهم)، وأضعاف ميزانية الصحة؟ وإذا كان على اللاعبين فكلهم محترفون، لا يتحركون إلا بملايين الدراهم، أما على أرضية الملاعب فحركتهم بمقدار خشية الإصابات، ومن ثم تغيب الروح القتالية التي كانت للاعبي زمن المجد الكروي المغربي، ما يطرح اليوم سؤال تغييب لاعبي البطولة الوطنية عن مثل هذه التظاهرات الرياضية.. فكيفما كان الحال في إطار إثبات الذات سيخرج كل ما بحوزته.

للأسف هذه الأسطوانة تتردد عقب كل كارثة كروية، لكن سرعان ما تتكسر على صخرة حسابات الماسكين بزمام الكرة المغربية بالحديد والنار، بما أنها الدجاجة التي تبيض ذهبا بدون حسيب أو رقيب. ومع كل ما يحصده الفريق من خيبات وانكسارات، فبدل وقفة حقيقية، لتحديد المسؤوليات وتفعيل مبدأ المحاسبة في حق كل من يثبت تقصيره، نجد المسؤول الأول يفسر الهزيمة بـ"التقواس" (بدون تعليق). أما الجمهور العريض فحاله في المدرجات يغني عن مقاله، ذكورا وإناثا؛ فأين الخلل إذن؟ ليضرب المغاربة كل مرة في

مقتل، ويحرمون من الفرحة والفرجة، بعدما يتم التسويق الإعلامي لجهوزية المنتخب العالية للفوز بالكأس القارية، التي لم ننعم بها منذ عقود (1976). لم لا يتم التعامل مع تعاقد الناخب الوطني كما التعاقد في قطاع التربية، الذي أشعل حرائق لم تنطفئ إلا بشق الأنفس، بما تضمنه من قرارات قاسية تصل إلى حد الطرد؟ وأين هو مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في قطاع كرة القدم، وكذا التشدد في الأجر مقابل العمل بسيف الاقتطاعات من الأجور المقطوعة أصلا؟ لم لا الحزم أيضا في المردودية الكروية مقابل الميزانية، أم الخرق لا قبل له بالراقع؟.

أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامة رَبْداءُ تَجْفَلُ مِنْ صفيرِ الصّافِر

 

بوسلهام عميمر