نحن جموع المغتربين السودانيين المشتتين في كل اصقاع الدنيا بسبب سياسة التمكين البغيضة التي طبقتها حكومة الأخوان المتأسلمين او ( الكيزان ) كما نسميهم محلياً منذ انقلابهم علىالحكم الديمقراطي عام 1989 ، كنا اكثر الناس اهتماماً ومتابعةومشاركة من علي البعد في الثورة السودانية المجيدة ،  لكوننا اكثرمن اكتوينا بظلم حكومة الاخوان التي شردتنا وحرمتنا من العيش بكرامة في وطننا الذاخر بالخيرات وفُصلنا من وظائفناوضُيقت علينا كل سبل العيش الكريم حتي اصبحت الحياة لغير الكوز جحيم لا يطاق، فحملنا حقائبنا وشتات امرنا وحزننا وطفقنا ننشد سبل العيش في أي مكان يقبلنا في العالم ، ووصل الضيق ببعضنا ان اغترب الى اسرائيل من شدة المعاناة والظلم الذي تعرض له في وطنه ، المغتربون المبعثرون في كل بقاع الدنيا ساهموا بمشاعرهم وقلوبهم ودموعهم وكتاباتهم في  نجاح الثورة السودانية التي انطلقت شرارتها في 19 ديسمبر 2018 من مدينة عطبرة التي افتخر بالانتماء اليها.

عندما يريد الله ان يذهب ملك احد يسبب له الاسباب ، الكيزان المتجبرون بقبضتهم الأمنية ، وجيوشهم السرية وأمنهم الشعبي ،وكتائب ظلهم ، اشعل الله عليهم انبل ثورة في العصر الحديث اطلق شرارتها اضعف خلق الله وهم طلاب المدرسة الصناعية بمدينة عطبرة عندما خرجو في فسحة الفطور ووجدوا ان سعر قطعة الخبز في ذلك اليوم قد اصبح ثلاث جنيهات ، فهتف هولاء اليفع مطالبين فقط باعادة سعر ( الرغيفة ) الي جنيه واحد كما كانت بالامس ، وهتفت معهم جماهير عطبرة المحتقنة اصلاً من الحالة المذرية التي وصلت لها الحياة وتراكم الظلم والغبن عبر 30 عاما من حكم الاخوان المسلمين العضوض والذي شوهوا من خلاله صورة الاسلام ومارسوا السرقة والظلم والقتل وسؤ الخلق في ابشع صوره حتي اوصلوا السودان الي حالة الانهيار التام ولم تعد هناك دولة بل حطام دولة ، فحرق طلاب الصناعية ومن انضم اليهم من المارة دار المؤتمر الوطني حتي حولوها الي رماد في دلالة واضحة ان المقصود هو هذا الكيان الظلامي الذي يتربع شامخاً في كل مدينة كبؤرة ورمز للظلم والفساد في نظر الناس والبسطاء ، وكانت هذه اول علامات كسر حاجز الخوف من الكيزان . 

طلع علينا اعلام الكيزان المؤدلج بالتهديد والوعيد وان هذه ليست ثورة وهي مجرد احتجاع طلابي محدود بسبب غلاء الخبز ومن قام بتصعيد هذا الحراك الطلابي هم المندسين والمخربين والعملاء الذين يريدون تخريب البلد وحرق ممتلكات الناس واحالة البلد الي الفوضى وما سوريا وليبيا عنا ببعيدة ، وظلت الحكومة وعملائها الذين ينشطون في السوشال ميديا يروجون لأن الشيوعيون يريدون ان يدمروا بلادنا ويحولونا الي ليبيا اخرى ويجب علي الشعب التعامل بوعي حفاظاً علي ممتلكات البلد وحكمها الاسلامي الرشيد ، وحاولوا غرس نظرية من سيكون البديل علي اعتبار ان حواء السودان لم تلد غير هؤلاء الشرذمة الشريرة ، ولكن بالمقابل كانت رقعة المظاهرات تزداد فخرجت مدينة القضارف غاضبة وحرقت مبني الحكومة المحلية وطردت الوالي واستشهد فيها بعض الشباب ولحقت بها بقية المدن تباعا والاعلام الاخونجي يصر علي ان هذه مجرد احتجات محدودة وليس لها سند شعبي ويحركها بعض الخونة واعداء الوطن والاصابع الاجنبية ،ولكن وعي الشعب وكثرة الظلم وتمادي الكيزان في غيهم جعل الاغلبية من الناس تنحاز للثورة ولا تهتم بخطب البشير وزبانيته من الذين يتصارخون في اجهزة الاعلام وفي ساحات المدن ويجمعون المؤيدين المزيفين لاثبات ان الشعب لا يرغب في الثورة وانهم اصحاب الاغلبية وان الشعب يحبهم ومؤيد لهم ، ولكن كلما زاد ضراخهم قامت عليهم مدينة جديدة منضمة لركب الثورة وحرق المتظاهرون فيها  دار المؤتمر الوطني ومقرات الامن فقط وكان الشعار الثابت هو ( حرية سلام وعدالة ) ، وايضا شعار (سلمية سلمية ضد الحرامية ) لنفي عدم سلمية الثورة التي يوصمهم به الكيزان وان المقصود هم الحرامية وليس مقدرات الوطن ، لم يحرق المتظاهرون ولو كشكاً لموطن وكان التركيز والحرق موجه لمقرات الحكومة ودهاليز الاجهزة القمعيةلايصال رسالة للبشير ونافع علي نافع وعلي عثمان محمد طه وكل صقور وجبابرة الكيزان ان الثورة سليمة وأن الحرق مستهدف  لجهات مقصودة بعينها تعرفونها جيداً.

ظلت الثورة تنتشر وتتوسع رقعتها كاتنشار النار في الهشيم والعجيب انها امتدت لكل مدن السودان النائية وحتي القرى انتفضت وطلعت في مسيرات هادرة ( نحنا مرقنا ضد الناس السرقوا عرقنا ) وتوالي المروق لابناء الشعب النبيل وحتى امواج النيل بدأت تتعالي كأنها تهتف معهم وتشاركهم الثورة ، هذا ما لم يحدث في ثورتي اكتوبر 64 وثورة مايو 85 التي كانت في الخرطوم فقط ، كانت ثورة عظيمة وفريدة شاركت فيها النساء ( كنداكات السودان الجسورات ) بكثافة لكثرة ما تعرضن له من ظلم وقهر في عهد الكيزان البغيض الذين مكنوا لاخوات نسيبة فقط واقصوا بقية النساء من الحياة العامة ، ثورة دخلت كل البيوت وتفاعل معها حتي الاطفال الصغار وكان شعار ( اي كوز ندوسو دوس ) شعار اخاف حزب الكيزان واضجع منامهم وأكد لهم أن هذا الجيل الذي ولد في عهدهم وتربي علي ايديهم وحسبوا انه بفعل سياستهم الخبيثة انه تم تدجينه تماما ولا يرجى منه ، ولكن حدث العكس حيث اثبت لهم انه الجيل الواعي والشجاع والذي لا يهاب الرصاص الحي ولا الدوشكا ولا التعذيب في معتقلات النظام ، جيل الانفرومشين تكنولوجي ، جيل عصر العولمة والفضاءات المفتوحة لا يمكن ان ينخدع لاصحاب اللحى الزائفة وتجار الدين الذين وصل بهم الغباء وعدم مخافة الله ان اباحوا كل شيء وباعوا كل شيء وفرقوا اهل السودان شيعاً وقبائل في سبيل اشباع اطماعهم في السلطة ، ونزواتهم الشخصية دون الاحساس بالانسان البسيط الجائع في بلد يفترض ان يكون سلة غذاء العالم ، تمادوا في غيهم حتي انفجرفي وجههم البركان واستمرت الثورة من نجاح الي نجاح حتي وصلت الي اعتصام القيادة العامة الذي ابهر كل العالم وتناوب علي زيارته كل سفراء الدول الغربية ، في الحلقة القادمة سنتحدث عن هذا الاعتصام الفريد . ثم سقوط البشير وما تلاها من احداث دراماتيكية حتي وصلنا الي الحكومة المدنية التي شكلت برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك وادت القسم مطلع هذا الاسبوع.