توالت خيبات الامل للعديد من ابناء الشعب الفلسطيني في الداخل الاسرائيلي من القائمة المشتركة التي تجمع اربع احزاب عربية رئيسية (الحزب الشيوعي، التجمع الوطني الديمقراطي، الحركة الاسلامية والحركة العربية للتغيير بقيادة احمد طيبي) وترجمت هذه الخيبات بحملة فعالة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الصوت العربي في الداخل لمقاطعة الانتخابات الاسرائيلية التي جرت ابريل الماضي ادت الى نسبة تصويت متدنية لم يسبق لها مثيل (49%) وخسارة المشتركة اربعة مقاعد من اصل ثلاث عشرة مقعدا حصلوا عليها في الانتخابات التي سبقتها عام 2015. ولكن احزاب القائمة المشتركة لم تتعلم الدرس كما يبدو وبدلا من الالتفاف حول جماهيرها وتحقيق الوحدة الفورية بعد فشل نتانياهو في تشكيل الحكومة والاعلان عن انتخابات جديدة، لمواجهة المد اليميني العنصري الذي تنامي بشكل متزايد في ظل حكومات بنيامين نتانياهو، اخذت هذه الاحزاب بالاقتتال على الكراسي والمواقع ولم تتمخض القائمة الموحدة مجددا الا اخر اب/اغسطس الماضي بعد اربعة اشهر على المفاوضات افقد كل يوم خلالها ثقة الجمهور العربي بهذه القائمة وبأحزابها.

فهل سيستمر نهج المقاطعة في هذة الانتخابات التي ستجري بعد ايام قليلة ايضا بعد موت حملة المقاطعة نفسها التي تبددت لاسباب مختلفة؟ فالمقاطعة تستلزم تحركا جماعيا دائما وليس فقط نشاطا يسبق عملية الانتخابات على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه المواقع التي شكلت وسائل هامة في التواصل والنقاش وتوصيل صوت المقاطعة لكنها تحولت في الكثير من الاحيان لتمرير خطابات تخوينية. يقول ناشد عبدالنور والذي نشط في حملة المقاطعة في ابريل انه سيستمر في المقاطعة ولكنه لن يكون جزءا من حملة مقاطعة لم تعد موجودة وانتقد "الخطاب تخويني على فيسبوك" واصفا التناقض الذي يعيشه الانسان العربي في اسرائيل بـ"المخيف". وبحسب فنانة المسرح فالنتينا ابو عقصة ان المقاطعة لها شقين: "الاول ان هذا الجسم المسمى بالكنيست لا يمثلني. والثاني ان الممثلين عن شعبي بهذا الجسم عليهم ان يتحاسبوا على اداءهم فيه كأي موظف في اي مكان ومقاطعة الانتخابات هي احدى اليات المحاسبة."

وقال الناشط اليف صباع، وهو احد قيادي المقاطعة خلال الانتخابات الاخيرة انه لم يشارك هذه المرة في حملة المقاطعة بسبب الضغوط الهائلة علية وبسبب الهجوم الشخصي عليه من قيادات حزبية عربية، ورفض ان تكون الحملة قد مولت من جهات خارجية عربية كما أتهم وبحسبه "الحملة كانت على حساب الشباب ومن جيوبهم ولم يدعمنا احد. نحن لم نجلب الناس للمقاطعة كانت هنالك حالة شعبية ونحن اعطيناها دفعة انهم ليسوا لوحدهم." واكد ان الذي يحصل على تمويل من جهات خارجية هم الاحزاب العربية فمنهم من يتلقى اموال قطرية ومنهم اماراتية وغيرها.

اما ابو ماهر الذي عاش حياته لاجئا بعد تدمير قريته اقرث عام النكبة فسيستمر بالمقاطعة هو ايضا: "لن اصوت ولم اصوت في حياتي. لماذا لا اومن بأي نائب عربي؟ لانهم يعملون لمصلحتهم يملؤون جيوبهم وجيوبهم مفروطة. عايشين هون غصب عنهم لو يقدروا لتخلصوا منا. اخدوا مالنا وارضنا وعرضنا وكل شي لو كان العكس هو اللي حدث كان اليهودي مطالبا واخذ."

ورغم انها ليست المرة الاولى التي يتم فيها دعوة الفلسطينيين للمقاطعة والتي تتكرر منذ قيام الدولة من قبل تيار يرى ان الكنيست الاسرايلي هي تجلي للمشروع الصهيوني وذهاب الفلسطينيين للاقتراع في الانتخابات النيابية ما هي الا شرعنة لهذا المؤسسة وتجميلا لواقع الفلسطينيين الذي يعيشون في ظل تنامي العنصرية والتي وصلت اوجها في تمرير قانون القومية الصيف الماضي. ولكن خيبة الامل ليس فقط من تفكك الموحدة وانما من الموحدة نفسها وطريقة تعاطيها مع تحديات كبرى. فهناك العديد ممن سياقطعون الانتخابات ليس بسبب معارضتهم للانتخابات نفسها بل كاحتجاج ضد مشروع القومية من جهة ولكن قبلها كعقاب للاحزاب العربية التي تعاني من ضعف متواصل في اساليب العمل البرلماني من جهة وغيابها عن الشارع العربي من جهة اخرى. من جهة اخرى ان تأكيد الاحزاب العربية ان المقاطعة ستؤدي الى تقوية اليمين الاسرائيلي وان واجب العربي في اسرائيل اسقاط نتانياهو ليست مقنعة لان البديل ليس بالضرورة افضل.

فبحسب صباع انه حتى لو ربح العرب ثلاثة عشر مقعدا في الكنيست فهدا لن يغير شيئا "لأن قانون القومية اغلق الباب نهائيا امام امكانية تصحيح مكانة المواطن العربي والحلم بالمساواة وحتى التفاوض مع الشعب الفلسطيني لايحاد حل سلمي. فعلى مدى عقود اثبتت الكنيست فشلها في استيعاب الناخب العربي وكانت عدوا للمواطن العربي وحقوقه. القانون قال كلاما واضحا بأنة لا يحق لاعضاء الكنيست العرب في التصويت وان صوتهم غير مقبول واذا كانت اصواتهم لا تساوي شيئا فماذا يفعلون بالكنيست؟"

اما الناشطة السابقة في الحركة الاسلامية الجماح الشمالي الذي جعله نتانياهو خارجا عن القانون قبل اربعة اعوام عايشة حجار فقد علقت بأن لو كانت الحركة ما زالت قانونية لاتخذ قانون القومية كدليل على صحة نهج الحركة المتمثل بمقاطعة انتخابات الكنيست.  

ويعتقد البعض ان قرار الحكومة الاخير بزرع كاميرات في صناديق الاقتراع في البلدات العربية لمنع التزوير قد يحدث رد فعل لدى المواطن العربي فيذهب للتصويت نكاية بالحكومة. وكان صباغ قد صرح ان اعضاء الحركة الاسلامية الجناح الجنوبي دخلوا البيوت يحملون القرآن يستجدون الناس ان تصوت في انتخابات ابريل حتى بالجوامع. كان نداء بالمساجد وان الحكومة اغمضت عينيها عن التزوير بصناديق الاقتراع في المناطق العربية.

اما في الوسط الدرزي والذي كان لوقع قانون القومية عليه وقع الصاعقة وبحسب وصف غالب سيف من لجنة المبادرة الدرزية "كان وقع القانون اصعب من الموت على الدروز خاصة على الضباط الدروز الذين كانوا مستعدين للموت في سبيل ما اعتبروها دولتهم." فقد تأثر ايضا وكباقي الشعب الفلسطيني في الداخل قاطع الانتخابات بنسبة كبيرة. يقول محمد عامر عضو اللجنة الدرزية للدفاع عن الاراضي انه يرى ان هنالك استمرارا لدى البعض بنية المقاطعة هذه المرة ايضا لدى الجميع لكنة اكد "ان مقابل كل صوت عربي مقاطع يحتل مكانه صوت من اليمين المتطرف" وان لم يتحد العرب هذه المرة فالوضع سيكون كارثيا.

وأكد النائب السابق عصام مخول عن الحزب الشيوعي ان المقاطعة كانت حملة ممولة ومنظمة وهنالك من استفاد منها وبالمقابل رأى ان القائمة المشتركة دمرت السياسة العربية وان هناك محاولة لتفكيك البنى السياسية وهجوم على الاحزاب. فبحسبه "المشتركة هدف تكتيكي ولا يمكن ان يكون استراتيجيا. لا اؤمن ان التحالفات تقوم على اساس قومي. اين الصراع الفكري؟" ورغم ذلك ايد مخول المشتركة لادراكه حجم التحديات الداخلية والاقليمية ورأى مخول ان د. اسعد غانم من مؤسسي الحزب الجديد الوحدة الشعبية بأن هناك  "من يقف وراءه، لافشال ومنع قيام القائمة المشتركة ولكن له دوافع شخصية ايضا."

والسؤال ما هو البديل؟ ولا بديل حتى الان. فبعض الاحزاب التي طفت على السطح مؤخرا لا تطرح بديلا فكريا ولا رؤية استراتيجية للعمل السياسي للعربي في اسرائيل وانما تطرح اسماء جديدة همها الاكبر حلم الكرسي في الكنيست الاسرائيلي.

د. سهير ابو عقصة داود