كثيرون هم المرضى الذين تسلل اليأس إلى قلوبهم بعدما صدتهم المستشفيات العمومية وأنهكتهم المصحات الخاصة وخارت قواهم على الطرقات، كثيرون من عجزوا عن توفير المبالغ المالية الضخمة التي تتطلبها حالاتهم المرضية عفانا الله وإياكم فاستسلموا وعادوا أدراجهم إلى الفراش يموتون ببطء، هي حالات كثيرة وكثيرة جدا يذوب لها القلب في زمن تسليع الخدمات الصحية.

بالنظر إلى التغيرات التي مسّت المجتمع المغربي المعاصر، وفي ظل تراجع قيم التآزر والتضامن وانحسارها، وعلى ضوء ما يميز السلوك الجمعي من التحفظ و الاحتياط من الغير وتجاهله في مواقف كثيرة، أضحى التفكير ذي النزعة الفردانية سيد المواقف، فغلب التحايل والانتحال والابتزاز بأغلفة إنسانية برّاقة، وهو الوضع الذي جعل الناس يتردّدون بل يمتنعون ويحجمون عن تقديم أي مساعدة مهما كانت بسيطة، مادية وحتى معنوية.

في عتمة هذا الواقع، يشعّ إسم نهاد بنعكيدة، عفوا، هي ليست مجرد إسم، ليست مجرد صحافية أو منشطة تلفزيونية أو إذاعية، هي أكثر من ذلك بكثير، ولكل منّا أن يعتبرها ما يشاء حسب تقديره لما تبذله هذه السيدة. لا نقول هذا من باب المحاباة فنحن لا نعرفها عن قرب، بل لأننا قاسمناها لحظات حبلى بالترقّب على الأثير، لحظات قد يحدث أن تدمع فيها عيون دون شعور، أو تخفق فيها قلوب دون إحساس. لحظات تمتزج فيها الاحاسيس ويستأسد الارتباك بكل أشكاله على المستمع المتتبع.

ولدت ‬نهاد ‬بنعكيدة ‬في ‬مدينة ‬الخميسات ‬سنة ‬1974، ‬وترعرعت في ‬وسط ‬شعبي ‬محافظ، ‬كان مسارها الدراسي الابتدائي والثانوي بذات المدينة، فيما احتضنتها مدينة القنيطرة خلال ‬تعليمها ‬الجامعي، ‬حيث دفعها شغفها بكتابة الزجل ‬ومراسلة ‬بعض ‬الصحف ‬والمجلات الى اختيار شعبة ‬الأدب ‬العربي ‬بكلية ‬الآداب ‬والعلوم ‬الإنسانية ‬التابعة ‬لجامعة ‬ابن ‬طفيل.‬

‬نهاد، رغم كل ميولاتها الأدبية والابداعية شاءت الأقدار أن تشغل ‬وظيفة ‬إدارية ‬في ‬عمالة ‬إقليم ‬الخميسات، لكنها بالمقابل، أغنت مسارها المهني بعدة تجارب إعلامية في عدد من القنوات التلفزيونية والإذاعات وغيرها، ولعل التجربة التي نحن بصددها اليوم خير مثال، لقد كانت تجربة نهاد، وبكل تجرّد، قيمة مضافة في قطاع الإعلام المسؤول والهادف.

في كل أسبوع، يتهيأ فريق عمل "نتا ماشي بوحدك" ليكشف غمّة إنسان مقهور، فتتناول نهاد الميكروفون لتخاطب ذوي الأريحية لينقذوا سويّا هذه الأرواح المذعورة بشبح الموت، تتناول الميكروفون وكلها أمل أن تخفّف عن أقارب المرضى اليائسين، تتناول الميكروفون وكلّها عزيمة وإصرار على بعث القيم الانسانية النبيلة في النفوس رغم كل ما شابها من تحجّر راكمته تجارب التحايل.

لو أحصينا عدد الأرواح التي أنقذت بفضل ميكروفون الأستاذة نهاد ‬بنعكيدة لوجدنا العجب العجاب، إنها وبكل موضوعية ملاك يخطف الأرواح العاجزة والبريئة من شبح الموت. والحال هذه، تعتبر هذه السطور القليلة – في حقها- عربون تقدير واحترام نبعث به إلى الأستاذة نهاد ‬بن ‬عكيدة، فنعم الأستاذة أنت سيّدتي، وأرفع قبّعتي عاليا لك على تضحياتك الجسام، على إصرارك الحازم، على إلحاحك المثمر وأخيرا على أخلاقك الدميثة.

 

لحسن أمقران